الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المؤامرة الكبرى على سوريا

المؤامرة الكبرى على سوريا

30.08.2016
د. طيب تيزيني


الاتحاد
الاثنين 29/8/2016
يمر الوطن السوري الآن بمرحلة قلّما مر بها بلد آخر في القرن العشرين وامتداداً في هذا القرن الجديد الحادي والعشرين، فقد وجد الجميع تقريباً من الدول والميليشيات في أصقاع الأرض، مصالح لهم في هذا البلد، يسعون إلى تحقيقها، وهذا ما يمكن اعتباره -في نظر عدد متكاثر من الباحثين الاستراتيجيين- حالة غريبة بقدر ما هي خطيرة، وقد كان هنالك سابقاً مَن اكتشف طرفاً أو آخر من مثل هذه الحالة أو ما يقترب منها، مع الإضافة إلى أن مستوى الخطر العالمي المتولد عن ذلك يفوق ما مر سابقاً في التاريخ العربي القريب من أحداث عظمى، ونعني بذلك نشوء الصهيونية وتمترسها في فلسطين.
وثمة تصريحات وأقوال صحفية من "أطراف اللعبة السورية" تثير الدهشة والتساؤل عما إذا كان هنالك توزيع أدوار بين الأطراف المعنية، فما جرى منذ أسبوع تقريباً من مهاترات تصل إلى حد المناكفات بين "الأطراف المعنية" المذكورة، يضع القارئ أو المستمع في حالة من القلق تطرح تساؤلات حول مواقف مشبوهة، فالحوار الذي جرى على قنوات تليفزيونية بين إيران وروسيا حول استخدام قاعدة همدان الجوية الإيرانية من قبل روسيا، يلفت الانتباه: هل تم ذلك بالتوافق بين الطرفين لكن دون إفصاح روسيا عن ذلك، أم أن الأمر يحتمل فهماً آخر؟ ثم هل تدخَّل الطيران الروسي في حلب بطلب من إيران؟ وموسكو ترد على إيران: سنستخدم قاعدة همدان إذا اقتضى الأمر، والأمم المتحدة تتخوف من كارثة في حلب، وأخيراً وليس آخراً يبرز التساؤل المُرّ التالي: ماذا يعني تهجير مواطني داريا المسالمين إلى الشمال من سوريا؟
تلك حالة مثيرة، وكذلك ربما مشبوهة إلى حد يدعو إلى القلق، تستحكم في سوريا اقتصادياً وعسكرياً وإنسانياً، والملاحظ أننا نواجه في الحلبة أطرافاً متعددة تسجل مواقف ومواقف مضادة. وما يلفت النظر أن هذه الأطراف كلها أو معظمها إن هي إلا قنوات تمتد من "الخارج" إلى "الداخل"، وأكثر أدوارها يكمن في كونها تسهم في توتير الموقف وفي تركه قابلاً لإشعال الناس ناراً وتوجساً واضطراباً. أما الأطراف الدولية الأخرى فقد برعت في إطلاق تصريحات تذهب مع الريح، أو تُلهب الموقف؟ في حين أن الأطراف العربية دخلت حالة من القصور في الحضور باستثناء ما يصدر عنها أحياناً بصيغة خجولة. وفي هذا كله يبقى الموقف مفتوحاً على أخطر الاحتمالات بؤساً ورعباً وإجراماً متمثلاً في استهداف مواطنين مسالمين بأطفالهم ونسائهم.. وفي هذا كله تستمر الجامعة العربية وما يوازيها من منظمات للمجتمع المدني، في صمتها المريب.
لقد عومل الوطن العربي كبيدق على رقعة لعب يجلب البؤس والخراب، دون ظهور بارقة أمل في إعادة النظر من أجل وطن طُعن في أعماقه من قِبل مَن فرطوا في سيادة هذا الوطن، فقد فُتحت أبوابه للتدخل فيه وفرض الموقف التهشيمي، ولعلنا نستعيد ها هنا ما كتبه الفيلسوف الألماني كانط kant في القرن التاسع عشر، لقد كتب متسائلاً في رسالته حول السلام: "كيف لمجموعة من الناس أن تدخل بلداً غريباً، وتزعم أنه بلدها؟ أليس حرياً بنا أن ننظر إلى هؤلاء على أنهم آتون ربما من أدغال التوحش والهمجية"!
لقد دخل الروس والإيرانيون والأميركيون والتابعون لـ"حزب الله"، وأخذوا يمارسون أدوار أصحاب البلد (سوريا) دون احترام للرأي الوطني والسيادة السورية نفسها، ودون التوصل إلى ذلك من حوارات أو مناقشات شرعية ترى في شعب البلد سيد الموقف وصاحب القرار. لقد كان ضرورياً أخذ رأي الشعب السوري في مصائره المحتملة للآن وللغد، ولو حدث شيء من هذا القبيل لأصبح الموقف واضحاً وملزماً. إنه لشيء مؤلم أن تعاقبه الأحداث الدموية، التي قتلت ودمرت وتحاول كذلك أن تختار لمجموعة أو أخرى أن تعيش في مكان دون آخر غير الذي كانت تقيم فيه.
إن منطق العقلانية والتمسك بحقوق البشر في أوطانهم بقدر أو بآخر، كان جديراً أن يحدث في سوريا، وطن الأبجدية وتشييد القواعد والقوانين الناظمة لحياة إنسانية وطنية تكسب السلام والكرامة في وطن جدير بذلك. ولعلنا نرى أن سوريا العربية التنويرية والديمقراطية هي ما ينبغي أن يجتمع كل السوريين أو أكثرهم حوله، وفي هذه المناسبة يشرفني أن أدعو إلى مؤتمر وطني في سوريا أو في بلد عربي آخر، تجري فيه مناقشات مفتوحة حول الراهن والقادم في سوريا، وما السبل المنهجية السياسية والنظرية الصالحة لذلك، وسيرى سوريون شرفاء في مثل هذه الخطوة المفتوحة ربما فرصة تاريخية لإنقاذ أيقونة العالم من منطق الاحتكام إلى السلاح والجهالة والاحتراب.