الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون العرب وحقوق المواطنة

اللاجئون العرب وحقوق المواطنة

30.08.2016
د. السيد ولد أباه


الاتحاد
الاثنين 29/8/2016
وفق إحصائيات هيئة الأمم المتحدة كل شخص من بين 113 شخصاً في العالم هو مهاجر أو مهجر من مجاله الأصلي، مع اختلاف جلي بين وضع العمالة المهاجرة التي خرجت مؤقتاً من بلدانها طلباً للشغل ووضع ملايين اللاجئين الفارين من جحيم الحروب الأهلية والكوارث الطبيعية الذين هم الأغلبية المطلقة من المهاجرين.
وغني عن البيان أن جزءاً كبيراً من هؤلاء المهجرين اللاجئين ينتمون لمنطقتنا العربية التي عرفت في السنوات الأخيرة سلسلة من الحروب الأهلية والإقليمية المتتالية، تنضاف إلى المأساة الفلسطينية المستمرة منذ ستين سنة، بما يعني أن خُمُس العرب أصبح اليوم في وضع اللاجىء الذي تسد أمامه أبواب الهجرة ولا يبقى له في الغالب سوى شظف العيش في المخيمات التي تحولت في عدد من البلدان (مثل لبنان والأردن) إلى مدن كاملة آهلة بالسكان.
النتيجة البارزة لهذا التحول الجذري في الجغرافيا السياسية العربية هو بروز نمط من الذاتية السياسية الجديدة خارج التقسيمات القانونية التي بلورتها الدولة الحديثة: لا هي المواطن بحقوقه المدنية المحددة حتى ولو كان مقيماً على الأرض وجزءاً من التركيبة السكانية الدائمة، ولا هي بالأجنبي ذي حقوق الضيافة المقننة المتمتع بحقوقه الوطنية في بلاده الأصلية. إنه فرد أقرب إلى "الإنسان الزائد" المجرد من كل حقوق، كما تحدثت عنه الفيلسوفة الألمانية الأميركية "حنة آرندت" في كتابها الشهير حول "أصول الاستبداد"، مبينةً أن الحروب الأهلية التي عرفتها أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي قد أفضت إلى القذف بملايين المشردين واللاجئين والمهجرين الذين لا أوطان لهم باعتبارهم لا ينتمون لمجموعة سياسية سيادية، وبالتالي لا تتوفر لهم أي حماية قانونية.
فإذا كانت الحداثة السياسية قد ربطت عضوياً بين الحقوق القانونية والمدنية للفرد وانتمائه لإقليم به خصائص السيادة الكاملة (الدولة)، فإن الخروج من هذه الهوية الوطنية يؤدي بالفرد إلى النكوص إلى حالة إنسان الكهوف "المتوحش"، ولذا فهو معرض دوماً إلى لحظة "الموت العنيف" التي اعتبر هوبز أن الدولة التعاقديّة وجدت من أجل تجنبها.
وما دامت المواطنة بمفهومها الحديث مرتبطة بإقليم الولادة والسجل الجيني، فإن اللاجىء المهجر لا موقع له في البنية القانونية السياسية للدولة، موقعه الأوحد المتاح هو خلف سياج المخيم الذي يكون غالباً خارج أسوار المدينة.
وبغض النظر عن حالة عديمي الجنسيات الذين يصل عددهم حسب إحصائيات الأمم المتحدة 12 مليوناً، فإن العالم عرف في السنوات الأخيرة جراء حروب الشرق الأوسط الأهلية نمطاً من هجرات اللجوء ذات سمات مميزة من حيث حجمها وطبيعتها ومصاعب احتوائها. وبالنظر للأزمات المحتدمة في المنطقة يمكن الجزم بأن هذه الهجرات ليست مؤقتة ولا عابرة بل ستؤثر بصفة دائمة على طبيعة النسيج الديموغرافي في البلدان المستضيفة مولدة أوضاعاً عصية الحل. الخيار المتاح في هذه الحالة غير المسبوقة محصور بين دمج اللاجئين ولو أفضى الحال إلى قلب التوازنات الداخلية، أو إقامة نمط من الإدارة التمييزية على غرار نظام الفصل العنصري البغيض الذي كان قائماً في جنوب أفريقيا (القائم حالياً في إسرائيل).
أذا كانت أوربا وأميركا استطاعتا امتصاص صدمة الهجرات القسرية في النصف الأول من القرن الماضي باحتضان ملايين المشردين من ضحايا الأنظمة والحروب الأهلية (من يهود وأرمن وروس..)، فإن الغرب يرفض اليوم تكرار المشهد نفسه تجاه اللاجئين السوريين مفضلاً تمويل الملاجئ التركية على استقبال الوافدين الفارين من جحيم حرب أهلية مرجحة للاستمرار والتفاقم. من هنا المسؤولية المطروحة على الدول العربية في اعتماد السيناريو ذاته في دمج واحتضان المهجرين من بلدان المشرق العربي المنكوبة عبر آليات قانونية جديدة قد يكون من بينها تصميم جوازات تمنحها الجامعة العربية لتسهيل تنقل اللاجئين ومنح المهاجرين حقوقاً سياسية ومدنية في إطار مفهوم موسع لمواطنة متعددة الدوائر والأنظمة ضمن ضوابط وقيود التوازنات الداخلية للبلدان المستضيفة.