الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الضامنون الجدد في سوريا بعد إسقاط إيران

الضامنون الجدد في سوريا بعد إسقاط إيران

24.11.2019
بهاء العوام


العرب اللندنية
السبت 23/1/1/2019
المرحلة الراهنة في سوريا تنطوي على صراع متقدم بين المحتلين الخمسة لها، بعيدا عن موضوع الأزمة التي تعيشها البلاد. لا يهم الآن ما يدور في فلك الحل السياسي واللجنة الدستورية وغيرها من عناوين فارغة رنانة. المهم هي سجالات المحتلين حول قواعد عسكرية ومناطق النفوذ ومشاريع الإعمار واللاجئين.
خمسة محتلين لسوريا اليوم، هم الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل. لكل محمياته الجغرافية وقواعده العسكرية فوق بقاع، وليس بقعة واحدة من الأرض. ورغم ذلك لا يبدو أن القسمة مرضية. فبعد نحو تسع سنوات من الأزمة هناك من يريد إعادة رسم الخرائط وإعادة تقاسم المصالح والنفوذ والمكاسب.
المحتل الأميركي طبعاً هو من فتح الباب أمام الصراع الجديد عندما أعاد نشر قواته على الشريط الحدودي بين سوريا والعراق، بدلاً من الحدود مع تركيا. ما زاد عن حاجة واشنطن من مناطق وقواعد عسكرية، بدأ الروس والأتراك بتقاسمه. فيما بقيت إيران تحاول تثبيت مناطقها في دمشق ومحافظات عدة شرق وغرب البلاد.
الاحتلال الإسرائيلي يكتفي بمكرمة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في الجولان، وخاصة بعد أن باركتها واشنطن وتكفلت موسكو بحمايتها. لكنه في الوقت ذاته لا يريد للمحتل الإيراني أن يهنأ بحصته في سوريا. فيواصل استهداف قواته وقواعده العسكرية هناك ليل نهار، دون أن يخشى رد دمشق أو غضب طهران.
ثمة أسباب عديدة تجعل إسرائيل تستهدف الاحتلال الإيراني في سوريا. آخرها طبعاً خشيتها من محور المقاومة المهترئة. لكن هذا الاستهداف هو المواجهة الوحيدة بين المحتلين لسوريا. فالروس والأتراك والأميركيون يواجهون بعضهم البعض عبر الوكلاء، تجنباً لصدام مباشر بينهم قد يحيل الأمر إلى حرب دولية.
ما يجري في الشمال السوري اليوم يعكس ذلك بوضوح. ليس فقط شرق نهر الفرات وإنما غربه أيضا. فقد أصبحت كامل المناطق السورية الواقعة على الحدود مع تركيا بعمق خمسين كيلومترا، ميدان منافسة جديدا بين موسكو وواشنطن وأنقرة. لكل قواته ووكلاؤه، لكن التنسيق مستمر لتفادي حدوث أي خطأ.
ترغب إيران بحصة ما في خرائط الشمال الجديدة، لكنها تقابل برفض الدول الثلاث، وتنشغل بإبقاء مكاسبها السابقة بعيدا عن الاستهداف الإسرائيلي. لا يساعدها في ذلك إشراك الجيش السوري في قواعدها العسكرية، ولا تصريح المرشد خامنئي بأن إيران تعادي الحكومة الإسرائيلية فقط وليس اليهود كشعب وديانة.
حتى الأمس القريب كانت إيران من ضامني أستانة، لكن هذه الحقبة انتهت. تبدل الضامنون لتحل الولايات المتحدة مكان إيران إلى جانب تركيا وروسيا، ومن ثم تحولت إيران إلى عدو مشترك للمحتلين الأربعة المتبقين. هكذا تبدو الأمور نظرياً، لكن الواقع يقول إن تعريف العداء لإيران يختلف بين الدول الأربع.
تتجنب موسكو المجاهرة بمعاداة إيران لأنها لا تثق بواشنطن، ولا تثق بأنقرة عندما تتبع واشنطن. أما تركيا فتتجنب إظهار صداقة المصلحة مع إيران خوفاً من الرئيس دونالد ترامب، الذي تنهال مكرماته اليوم على نظيره التركي رجب طيب أردوغان، بينما يفرض على طهران أقسى عقوبات عرفها تاريخ الولايات المتحدة.
تأمل روسيا وتركيا والولايات المتحدة التفاهم في الشمال، وبالتالي التفاهم على كامل الأزمة السورية، لكن الأمر يحتاج إلى أكثر من طرد إيران خارج دائرة التفاوض، أو حتى خارج سوريا. لم تعد طهران تشكل حجر عثرة في تفاهم الدول الثلاث، وقد بدا ذلك جليا من خلال التفاهمات التي حدثت في مناطق الشمال مؤخراً.
لا شك أن تفاهم موسكو مع واشنطن وأنقرة أصعب من تفاهمها مع طهران وأنقرة، لكنه أكثر جدوى وواقعية. مثل هذا التفاهم قد يضع الأزمة على سكة الحل إذا ما تم فعلاً. لكنه يحتاج من موسكو تقديم تنازلات أكثر مما كانت تخطط له، خاصة أن تركيا والولايات المتحدة تقفان على ضفة واحدة تقريبا.
ثمة تفاهم أولي بين الدول الثلاث حول الشمال السوري، لكن يبدو أنه هش إلى حد كبير، كما أن الولايات المتحدة وتركيا تريدانه أن يشمل الدول الأوروبية. فأي اتفاق حول مناطق الشمال يجمع أنقرة وبروكسل وواشنطن وموسكو، سيمهد لحل الأزمة السورية برمتها، ليس فقط سياسياً وإنما إنسانياً واقتصادياً أيضاً.
هناك الكثير من العمل يقع على عاتق الأطراف الأربعة من أجل الوصول إلى التفاهم المنشود في الشمال. بالنسبة للبعض، ينطوي التفاؤل بولادة مثل هذا التفاهم خلال قمة حلف الناتو في لندن مطلع الشهر المقبل على مبالغة كبيرة، لكن قمة يجتمع فيها الأوربيون مع أردوغان وترامب لبحث الأزمة السورية في ظل تطورات الشمال يصعب أن تمر دون قرارات.
صراع المحتلين في سوريا يخوض اليوم مرحلة جديدة عنوانها مناطق إعادة الإعمار، بدلا من مناطق خفض التصعيد. الاتفاق في هذه المرحلة يحتاج إلى أربعة ضامنين لن تكون إيران بينهم. الضامنون الجدد هم الروس والأتراك والأميركيون والأوربيون، والاتفاق المحتمل سيعلن اندثار معادلة خصوم دمشق وحلفائها إلى الأبد.