الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العقوبات على إيران تعمّق أزمة نظام الأسد

العقوبات على إيران تعمّق أزمة نظام الأسد

08.05.2019
علي حسين باكير


سوريا تي في
الثلاثاء 7/5/2019
خلال السنوات الثمانية الماضية، قام نظام الأسد بتدمير معظم البنية التحتيّة السورية وتهجير حوالي نصف الشعب السوري، وقد انهارت القطاعات الاقتصادية بشكل لم يسبق له مثيل على الإطلاق كما تدمّرت معظم المدن الصناعية والتجارية. ساعد تقلّص عدد السكان والدعم المقدّم من قبل إيران وروسيا على وجه التحديد بالإضافة إلى الخروقات الواسعة لنظام العقوبات المفروضة على النظام السوري في احتواء أزمته الاقتصادية داخل المناطق التي يسيطر عليها عندما كانت لا تتجاوز هذه المساحة حوالي ربع سوريا.
لكن مع اتّساع سيطرة نظام الأسد على الأرض خلال العامين الماضيين، وتراجع الوضع الاقتصادي لداعميه الرئيسيين، وفقدانه للموارد والبنية التحتية اللازمة للاستمرار في تقديم الخدمات في المناطق الجديدة التي يسيطر عليها، بدأت أزمة اقتصادية حادّة تلوح في الأفق. وتتمظهر هذه الأزمة المتفاقمة بالنقص الحاد في الفيول والغاز والكهرباء وارتفاع الأسعار بشكل كبير واضطرار الناس في مناطق سيطرته إلى الانتظار في طوابير لا حصر لها بما في ذلك العاصمة دمشق.
يتناقض هذا الواقع مع الترويج الجاري لشعار انتصار النظام السوري في الحرب الدائرة ضد الشعب منذ العام ٢٠١١ وحسمه المعركة
اضطر بشّار الأسد خلال الأشهر القليلة الماضية إلى التسويق لما أسماه "حرب اقتصادية" تُشنّ ضدّ نظامه من قبل الخارج. لكن ما الذي استجدّ مؤخراً حتى تتصاعد أزمة النظام بهذا الشكل؟
لصالحه. ويطرح البعض تساؤلات حول معنى هذا الانتصار المزعوم في موازاة أزمة اقتصادية خانقة، وهي التساؤلات التي تصبح أكثر جدّية مؤخراً في مناطق سيطرة النظام. الناس في مناطق سيطرة الأسد تعترف أنّ ما يمرّون به اليوم أصعب من أي وقتٍ مضى على الإطلاق. من أجل احتواء الغضب المتراكم لدى هذه الشريحة بالتحديد والتي تشكّل النواة الصلبة لمؤيدي النظام السوري، اضطر بشّار الأسد خلال الأشهر القليلة الماضية إلى التسويق لما أسماه "حرب اقتصادية" تُشنّ ضدّ نظامه من قبل الخارج. لكن ما الذي استجدّ مؤخراً حتى تتصاعد أزمة النظام بهذا الشكل؟
هناك سببين رئيسيّين على الأرجح يفسّران ما يحصل الآن. جزء كبير من هذه الأزمة يعود إلى عدم قدرة داعمي الأسد على الاستمرار في تأمين شريان حياة مالي ونفطي له لاسيما بعد تعرّضهم لعقوبات اقتصادية مشددة أيضاً. ضمن ما يُعرف بسياسة "الضغط الأقصى"، واشنطن تفرض اليوم على طهران عقوبات هي الأقسى من نوعها على الإطلاق. هذه العقوبات قلّصت من موارد إيران المالية بشكل كبير، وصعّبت من عمليات تصدير ونقل النفط إلى الدول الأخرى بما في ذلك سوريا. ونتيجة لهذا الأمر، لم تعد طهران قادرة على دعم حليفها الأسد بالشكل الذي كانت تفعله من قبل سواء بالمال أو بالنفط.
ويعود السبب الثاني أيضاً إلى الموقف الأمريكي من عملية التطبيع العربية التي قادتها بعض دول الخليج مع نظام الأسد مؤخراً. إذ يُشار الى أنّ واشنطن نجحت مؤخراً في تجميد التطبيع العربي مع الأسد ممّا حرمه من الأموال والاستثمارات اللازمة لتحسين الوضع الاقتصادي والتي كان يعوّل عليها ربما للدفع بالعجلة الاقتصادية في البلاد. إضافة إلى ذلك فقد تشدّدت
النظام السوري يحتاج الى تأمين ٧٥٪ من حاجاته من النفط من الخارج وغير قادر على الوصول إلى آبار النفط السورية التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية المدعومة أمريكياً
واشنطن في تطبيق العقوبات التي كانت قائمة على النظام السوري مع تركيزها في الآونة الأخيرة على السفن التي تحمل النفط إلى نظام الأسد وشركات التأمين أيضاً. ولأنّ النظام السوري يحتاج الى تأمين ٧٥٪ من حاجاته من النفط من الخارج وغير قادر على الوصول إلى آبار النفط السورية التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية المدعومة أمريكياً، يعاني اليوم بشكل غير مسبوق لاسيما مع اتّساع رقعة سيطرته واضطراره إلى تأمين خدمات للمزيد من المواطنين.
للتخلّص من هذه الإشكالية، سيكون على النظام السوري إمّا شن حرب على المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكرديّة لاستعادة الآبار النفطية، وإمّا اللجوء إلى روسيا لتعويض النقص في الحصول على النفط الإيراني. بالنسبة إلى الخيار الأوّل، قد يترتب عليه اصطدام مباشر بالولايات المتّحدة الأمريكية التي تؤمّن الغطاء اللازم لهذه الميليشيات وهو أمر لا يقدر الأسد على تحمّل تكاليفه. أمّا بالنسبة إلى الخيار الثاني فهو ممكن نظريّاً، لكنّه إذا ما تمّ من المتوقّع أن تترتّب عليه تكاليف سياسية باهظة الثمن قد تخلّ هي الأخرى بطبيعة التوازن الذي يحاول الأسد إقامته في العلاقة بين روسيا وإيران.
والى أن يتم حل هذه الإشكالية، تتراكم موجة الغضب داخل مناطق النظام. هناك نقاشات عمّا إذا كانت الحكومة عاجزة عن إسكات أتباعها المنتقدين أو أنّها قرّرت تحمّل هذه الانتقادات لكي لا تخسر في نهاية المطاف قاعدتها الصلبة. في المقابل، يعرف الموالون أنّ حكومتهم عاجزة وفاسدة، لكنّهم لن يغامروا بانتفاضة في ظل وجود أجهزة الاستخبارات. هذا نظرياً، أمّا عملياً، فالأمور مفتوحة برأيي على مختلف السيناريوهات إن بقي نظام الأسد في مأزقه الاقتصادي هذا.