الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون في مواجهة حرب ديمغرافية

السوريون في مواجهة حرب ديمغرافية

07.01.2019
عماد غليون


حرية برس
الاحد 6/1/2019
يجري تقييم التحولات الدراماتيكية في مسار الثورة السورية من خلال مسارين رئيسيين: يتناول الأول فشل المعارضة السياسية في بناء هيئات وطنية مستقلة قادرة على تلبية مطالب الثورة وإنجاز مسار سياسي تفاوضي بدون تفريط. فيما يركز المسار الثاني على عسكرة الثورة وتحول مهام الجيش الحر من  حماية المتظاهرين إلى إسقاط النظام عسكرياً وما تبع ذلك من فصائلية وتبعية للداعمين واقتتال داخلي مع سيطرة الإسلام الجهادي وتدفق المقاتلين من الخارج وبروز تنظيمات داعش والنصرة وهيمنتها على مسار الثورة العسكري.
إضافة للعوامل السياسية والعسكرية؛ تؤثر في الثورات والصراعات السياسية العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، ويزيد من تأثيراتها السلبية عدم الاهتمام بها إبان الأزمات؛ الأمر الذي جعل المعارضة السورية تدفع ثمن تجاهلها وعدم تعاطيها الفعال والمبكر مع كافة عناصر الصراع.
تدور الصراعات السياسية وفق ما أورده موريس دوفرجيه في كتابه مدخل إلى السياسة من جهة بين أفراد وفئات وطبقات تتصارع للحصول على السلطة أو للمشاركة فيها أو للتأثير عليها؛ ومن جهة أخرى بين سلطة تحكُم وتتحكم وتحصل على منافع وامتيازات جراء ذلك ضد مواطنين يواجهون استبدادها؛ ويدرج دوفرجيه ضمن ذلك الصراع مجموعة عوامل هي: بيولوجي، نفسي، ديمغرافي، جغرافي، اقتصادي اجتماعي، وثقافي.
حسب دوفرجيه يتعلق العامل البيولوجي بالصراع من أجل الحياة والبقاء وحفظ النوع والعرق ضمن عملية الانتقاء  الطبيعي التي يتبناها داروين والتي تنطبق على عالم الحيوان؛ لكن دوفرجيه يعتبر أن التمييز بين العروق عامل هام من عوامل خلق العداء السياسي رغم أنه لا يعود بالفعل لعوامل بيولوجية أو طبيعة العروق نفسها من الناحية الفيزيولوجية؛ بل بسبب تصورات ذهنية ومواقف مسبقة من العروق.
حشد النظام الطائفة في مواجهة احتجاجات شعبية واسعة عبر تحدي بقائها في مواجهة الفناء الذي ينتظرها حال انتصار الثورة؛ وقد يفسر ذلك سرّ تماسك الطائفة رغم الأضرار البالغة التي تعرضت لها بفعل سياسات النظام والشرخ  الهائل الذي حصل في علاقاتها مع باقي المكونات السورية.
أخطر ما قام به النظام هو استجلاب مرتزقة للحلول مكان المهجرين قسرياً؛ حيث جرى منحهم الجنسية السورية  وتوطينهم في مناطق تم تغيير صفتها التنظيمية بعد تدميرها وتهجير أهلها؛ ومثل ذلك تلاعباً فيزيولوجياً عرقياً من النظام ضد الهوية السورية الوطنية بكافة مكوناتها؛ ورغم وضوح مقاصد النظام منذ البداية لكن المعارضة بقيت ترفض نقاش ذلك خوفاً من تأكيده.
تثير عمليات التلاعب الفيزيولوجي الحفيظة وتسمح بتوجيه الاتهام لدول ومنظمات أممية شاركت في إنجاز عمليات تهجير وترحيل ممنهجة في مخالفة لأبسط قواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان؛ وهو ما سمح لبشار الأسد بالحديث عن سورية المتجانسة التي يريد أن يكون شعبها على مقاسه.
يسبب الضغط والانفجار السكاني حسب دوفرجيه توتراً اجتماعياً ويؤدي لنشوب حروب وثورات بينما تنعم بالهدوء والاستقرار الدول قليلة السكان؛ ويؤثر في ذلك طبيعة التركيبة السكانية من حيث نسبة الشباب في المجتمع والنسبة بين الرجال والنساء ومعدلات الولادة؛ وهذا ما لاحظه قبل أكثر من عقدين صاموئيل هنتيغنتون في الإحصائيات التي أوردها في كتابه صدام الحضارات؛ حيث ظهر تفوق سورية إقليمياً وعلى مستوى العالم في نسبة أجيال الشباب  ونسبة الداخلين لسوق العمل وهو ما يجعلها حسب نظريته نفسها تهدد أمن دول الجوار بسبب ضغط بشري محتمل  وهجرة باتجاه الحدود تنجم عن تردي الأوضاع  الاقتصادية أو نشوب حروب أهلية؛ فهل كانت رؤيته تلك مجرد استشراف للمستقبل أم توصيات بخصوص ما ينبغي فعله.
لا بد من عودة وعي السوريين بكافة أبعاد وعوامل الصراع الداخلية والخارجية ضدهم؛ وابتكار الحلول الوطنية في مواجهتها.