الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأحداث الإيرانية

الأحداث الإيرانية

09.01.2018
د. رحيل محمد غرايبة


الدستور
الاثنين 8/1/2018
لقد تعاظمت القوة الإقليمية لإيران بعد سلسلة أحداث الربيع العربي، وقد كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر الأطراف استفادة من الأحداث التي اجتاحت العالم العربي، حيث استحوذت بشكل كامل على مجريات الحكم في العراق لأن كل ما فعلته أمريكا في العراق عبارة عن اسقاط الثمرة العراقية في الحضن الإيراني، وبلا شك تعاظم النفوذ الإيراني في كل من سوريا ولبنان أيضاً، وهي تتطلع إلى اليمن وبعض دول الخليج بالإضافة إلى وجود أدوار إيرانية نشطة في السودان وشمال افريقيا.
تضخم الدور الإيراني لا يحظى بإعجاب أطراف عالمية وإقليمية كثيرة، وربما تكون الولايات المتحدة هي الأكثر وضوحاً في قيادة عملية تحجيم الدور الإيراني وتقليصه في المنطقة، ويتوافق ذلك تماماً مع بعض الأطراف العربية بكل تأكيد بدرجات متفاوتة، ومن المؤكد وجود ملامح لبعض التوافقات الدولية والعالمية على ضرورة ضبط التوسع الإيراني وعدم السماح لها بتخطي الهوامش المسموحة.
الاحتجاجات الشعبية داخل إيران ما زالت في بدايتها، ومن المبكر الذهاب بعيداً في إطلاق العنان للتحليلات السياسية الرغائبية، لكنها تمثل مؤشراً بالغ الأهمية حول مستقبل المنطقة والإقليم في ضوء التوافقات الدولية بقيادة الولايات المتحدة وروسيا ومعها الاتحاد الأوروبي والصين ضمن الجهود المبذولة لتهيئة الإقليم لقرن جديد مختلف، بدأت ملامحه بالظهور رويداً رويداً في أكثر من قطر وعلى أكثر من صعيد.
من خلال استعراض نماذج القوى الإقليمية الأكثر ظهوراً في منطقة الشرق الأوسط نجد هناك أربعة نماذج مختلفة؛ النموذج الإيراني الذي يحاول بناء قوته مرتكزاً على منهج التوسع الإقليمي الخارجي من خلال الاستثمار بالبعد الديني المذهبي، والاستثمار في شعار المقاومة التي تدغدغ مشاعر العرب، وبناء الأحلاف الإقليمية في هذا السياق، بالإضافة إلى بذل الأموال بسخاء على عملائها وحلفائها، وهذا أدى إلى إهمال الوضع الداخلي الإيراني، حيث أن الشعب الإيراني لم يشعر بالتقدم والازدهار والرخاء الاقتصادي، بسبب الإهتمام الخارجي المبالغ فيه.
النموذج  التركي كان على النقيض تماماً فكان اهتمامه الأكبر منصباً على الداخل التركي من خلال بناء اقتصاد قومي تركي قوي، ورفع الدخل الإجمالي وتحقيق نسبة نمو عالية والتخلص من الدين وتقليص نسب الفقر والبطالة، مما أدى إلى شعور الشعب التركي بالازدهار والرفاه والاستقرار الاقتصادي الواضح وارتفاع مستوى الدخل الفردي ومضاعفته، مع اهتمام تركي خارجي نسبي بما يتعلق بالشأن الكردي على وجه الخصوص الذي ينعكس بقوة ووضوح على الشأن الداخلي التركي، ولم ترهق تركيا نفسها كثيراً بالشؤون الخارجية ولم تحمل نفسها عبء الانفاق الخارجي الذي يكسر ظهرها.
النموذج "الاسرائيلي" هو النموذج الثالث الذي يقوم على المسارين معا  الداخلي والخارجي بالقوة ذاتها، فهو لم يغفل عن الاستثمار في الأحداث الخارجية التي تحيط بها من كل الجوانب، من خلال القدرة على اشغال خصومها بعضهم ببعض دون أن تتحمل خسائر اقتصادية باهظة، ودون إهمال الشأن الداخلي أيضاً، و"اسرائيل" تعد الطرف الأقل خسارة والأكثر كسباً و ربحاً من الأحداث الجارية حتى الآن.
النموذج الرابع هو النموذج العربي الذي يمثل الفشل على المسارين الداخلي والخارجي معاً، فليس هناك نجاح ملحوظ على مستوى الازدهار الداخلي في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والعلمية، وليس هناك نجاح يذكر على الصعيد الخارجي كذلك، ويظهر العجز العربي بعدم القدرة على بلورة مشروع إقليمي عربي قادر على ملء الفراغ العربي وقادر على منافسة المشاريع الإقليمية الأخرى، ولذلك يمكن القول أن العرب أكثر الأطراف خسارة وأقلها كسباً على الصعيدين الداخلي والخارجي في الصراع الإقليمي المحتدم على الأرض العربية.
وبالعودة إلى النموذج الإيراني، فإنه معرض إلى هزة داخلية متوقعة، ولن تستطيع القوة الإيرانية الأمنية الباطشة وقف التململ الداخلي؛ نتيجة ارتفاع نسب الفقر وارتفاع قيم البطالة، وصرف نسبة كبيرة من موازنة الدولة على نفقات التسلح وتسليح عملائها، وهي تعد نفسها لدخول النادي النووي، بالإضافة إلى تململ مكونات الشعب الإيراني المذهبية والعرقية والفكرية التي تشعر بالتهميش وفقدان العدالة والديمقراطية الحقيقية، وسوف يهيء ذلك إلى ظهور اتجاهات سياسية جديدة داخل الشعب الإيراني من أجل البحث عن نظام سياسي أكثر عدالة وأكثر ديمقراطية وأكثر اهتماماً بالشأن الداخلي، وسوف تحظى هذه الاتجاهات بالدعم الخارجي بكل تأكيد.
الأكثر أهمية في موضوع إيران أن المنطقة كلها  تتعرض إلى موجة تغييرات كبيرة وعميقة سوف تصيب كل الأطراف، ولن يكون هناك طرف بمعزل عن التأثر بهذه التغيرات بدرجة ما تكبر أو تصغر، ويتجلى الأثر الحقيقي للتغير في قدرة الأطراف المختلفة على التكيف مع هذه الموجة والاستثمار فيها بطريقة ذكية ومرنة حتى لا يطويها الحدث وتضيع في سجلات النسيان.
الأمر الأكثر وضوحاً في موجة التغييرات المتعاظمة أن الدور القادم سوف يكون للشعوب، من خلال استعادة حقها في تقرير مصيرها واختيار حكوماتها، والحفاظ على مقدراتها وتحديد معالم مستقبلها، وامتلاكها الشرعية الحقيقية التي تعد الورقة الأقوى بيد الشعوب، ولن تستمر أنظمة الاستبداد طويلاً مهما بذلت من جهود التحايل على حقوق شعوبها بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية.