الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العملية العسكرية الثلاثية من منظور فرنسي

العملية العسكرية الثلاثية من منظور فرنسي

22.04.2018
د. غسان العزي



الخليج
السبت 21/4/2018
لا تحتاج الولايات المتحدة إلى فرنسا أو بريطانيا لشن ضربة عسكرية على سوريا، لكنهما أرادتا المشاركة لحسابات خاصة. فرئيسة الوزراء تيريزا ماي تحتاج إلى إنجاز في الساحة الدولية يعوّض عليها بعضاً من إخفاقاتها في غير ملف داخلي على خلفية تخبّط في مفاوضات البريكست. فرنسا تريد أن تحجز لنفسها مقعداً أساسياً في ملفات المنطقة، والرئيس ماكرن يشعر بالحاجة للظهور بمظهر الرئيس القوي، رغم صغر سنّه وحداثة عهده بالسياسة. لهذا نشر الإليزيه صوراً له يترأس اجتماعاً عسكرياً في غرفة القيادة العليا للعمليات وفيديوهات لطائرات "رافال" تنطلق من قواعدها لشن الضربات على سوريا. والرسالة واضحة: الرئيس يقوم بدوره كقائد أعلى للقوات المسلّحة.
ردود الفعل الداخلية في باريس على العملية العسكرية تراوحت بين التنديد والتأييد. من الطبيعي أن يؤيد حزب الرئيس وحليفه حزب الوسط (مودم) العملية التي يعتبرانها رداً طبيعياً على تجاوز النظام السوري للخطوط الحمر المتعلقة باستخدام السلاح الكيميائي والتي سبق وحددها ماكرون في نهاية مايو/‏أيار من العام الفائت.
لكن المعارضة المتمثّلة باليمين التقليدي (الجمهوريون) واليمين المتطرف واليسار الراديكالي، وجّهت انتقادات لاذعة للعملية، وحذّرت من الانجرار وراء الأمريكيين في صراعات لا تلبي مصلحة فرنسا أو تخدم السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
طالبت الأحزاب المعارضة بأدلة على استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي، وأعلنت بأنه إذا كان الرئيس ماكرون يملك هذه الأدلة، كما يدّعي، فما عليه سوى تقديمها للأمم المتحدة أو البرلمان الفرنسي على الأقل. جان- لوك ميلانشون زعيم حزب "فرنسا الأبية" شكّك بشرعية وقانونية التدخل العسكري الفرنسي خارج إطار الأمم المتحدة والبرلمان الفرنسي. أما مارين لوبان زعيمة "الجبهة الوطنية" المتطرفة، فاعتبرت أن "فرنسا خسرت مجدداً فرصة الظهور على الساحة الدولية كقوة مستقلة وعنصر توازن في العالم"، وذكّرت ماكرون بالغزو الأمريكي للعراق في العام ٢٠٠٣ بذريعة امتلاكه لأسلحة دمار شامل والتي تبيّن كم كانت واهية، وهو غزو مسؤول عما يحصل في الشرق الأوسط من صراعات وإرهاب وصل إلى داخل فرنسا نفسها. وفي رأيها كانت باريس على حق عندما عارضت الولايات المتحدة، وهذا ما كان على ماكرون أن يفعله. وقد وضع أحد نواب هذه الجبهة جيلبير كولار على صفحته في "فيسبوك" صورة ماكرون برأس كولن باول، وزير خارجية جورج بوش الابن إبان الغزو الأمريكي للعراق.
أما المعارضة اليمينية التقليدية المتمثّلة بحزب "الجمهوريين" فاعتبرت على لسان رئيس كتلتها في مجلس الشيوخ، برونو روتايو، أن "عرض العضلات الحالي يمكن أن يغذّي الإرهاب، هذه الضربة قد تضعف دبلوماسيتنا. صوت فرنسا لا يكون قوياً إلا عندما تكون متميزة، ولا فائدة ترجى منه إلا عندما يحبذ الحوار. لقد جنّد ماكرون الدبلوماسية الفرنسية لمصلحة دونالد ترامب".
من جهتهم يوافق مؤيدو ماكرون على أنه من الضروري لأي عمل عسكري خارجي أن يحظى بالشرعية الأممية، لكن لو عرض الأمر على الأمم المتحدة لأحبطه الفيتو الروسي. ففي العام ٢٠١٣ أصدر مجلس الأمن القرار ٢١١٨الذي يجبر سوريا على التخلّص من أسلحتها الكيميائية، وفق روزنامة محددة وضعها لهذا الغرض، وذلك تحت التهديد باستخدام القوة ضدها، لكن "من قبل مجلس الأمن وليس من قبل أعضائه".
وإذا كان صحيحاً بأنه لم يكن هناك من تصويت في البرلمان الفرنسي، فالصحيح أيضاً أن ذلك لا يتنافى مع الدستور الذي يقول في المادة ٣٥ إن إعلان الحرب ينبغي أن يحصل على موافقة هذا البرلمان. وفي هذه الحالة ليس هناك من إعلان حرب ضد أحد، لا من الجانب الفرنسي أو البريطاني أو الأمريكي. كما تطلب المادة نفسها من الرئيس أن يخبر البرلمان في غضون ثلاثة أيام على بدء العمليات العسكرية. وهذا ما فعله ماكرون الذي دعا البرلمان للاجتماع بعد يومين على حصول الضربة، وذلك لمناقشتها من دون التصويت عليها، لأن هذا التصويت كان سيأتي لمصلحة الرئيس الذي يملك أغلبية برلمانية واضحة.
من الواضح أن ماكرون يحظى بدعم داخلي رغم بعض الانتقادات، وهو سيحاول تقديم البراهين على أنه يمارس سياسة مستقلة عن ترامب، وذلك عبر التوجّه سريعاً إلى الأمم المتحدة لدفعها إلى تبني آليات واضحة لتحديد المسؤوليات وإنزال العقوبات، بغية ردع النظام السوري من العودة لاستخدام السلاح الكيميائي، وعن طريق التعاون والتنسيق مع موسكو، وهو تنسيق لم ينقطع قبل وخلال العملية العسكرية.