الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نتنياهو والتطرف الأسدي

نتنياهو والتطرف الأسدي

21.04.2019
عبد الرحمن مطر


جيرون
السبت 20/4/2019
هل يمكننا أن نتصور حجم الدعم الذي تلقاه بنيامين نتنياهو، من خارج حدود الكيان الإسرائيلي، ليتمكن من الفوز بأغلبية بسيطة في الكنيست، قادته إلى دعم غالبية برلمانية لتشكيل حكومة ائتلافية يمينية جديدة، منذ توليه رئاسة الحكومة قبل عشر سنوات. ولعلّه من البدهي أن تدعم إدارة ترامب اليمنية نتنياهو، لكن هناك سباقًا محمومًا يكشف التنافس الأميركي الروسي، على تقديم الدعم النوعي الذي لم يحظ به زعيم إسرائيلي، كما نتنياهو، وبخاصة أن ذلك جاء على شكل خطوات متتابعة ذات تأثير فعّال كبير ومباشر في المجتمع الإسرائيلي الناخب.
ثمة عوامل كثيرة تذكي التنافس بين أكبر قوتين دوليتين في العالم، لتقديم الخدمات لـ “إسرائيل”، وتبدو المصالح المشتركة، والاستراتيجية، هي الواجهة لذلك، وإذا نظرنا بعين المراقب؛ فقد “نتفهم” تلك الدوافع، وإنْ كنّا أصحاب الشأن والقضية، وأنّ ذلك ينعكس مباشرة على واقع بلداننا ومستقبلها، وخاصة في ما يتصل بالقضية الفلسطينية والمناطق العربية المحتلة. لكن ما لا يمكن أن نتفهمه، ويجب ألا يغيب عن اهتمامنا، والبحث فيه وكشف ملابساته، هو الدعم غير المسبوق الذي قدمه النظام الأسدي لنتنياهو في مسار حملته الانتخابية.
لعل ما تلقاه من دعم خارجي كان حاسمًا، عبر ثلاثة مسارات: المسار الأميركي الذي بدأ بتراجع ملموس لواشنطن عن عملية السلام التي أوقف عجلتها نتنياهو بصورة عملية، مرورًا بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأخيرًا الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان السوري المحتل.
والمسار الروسي، حيث لعبت موسكو دورًا استراتيجيًا مهمًا، في تعزيز قدرة القوة الإسرائيلية في المنطقة، عبر الاتفاقات العسكرية والأمنية المشتركة، خاصة في ما يتصل بتنسيق العمليات العسكرية وتبادل المعلومات، بشأن سورية. في هذا السياق، أنتجت هذه الشراكة المهمة أعلى نسبة عمليات عسكرية جوية خارجية، في تاريخ “إسرائيل”، تمثلت باستهداف مواقع وقواعد عسكرية وإيرانية في سورية، بصورة مباشرة. وكان هذا أيضًا عاملًا مهمًا في “انقياد” المجتمع الإسرائيلي لنتنياهو.
على المسار السوري، إضافة إلى تجدد وظيفة النظام السوري منذ عهد حافظ الأسد، في حماية حدود الهدنة من أي اختراق لجماعات “تهدد أمن إسرائيل”، فقد قادت الدراسات الأمنية الإسرائيلية (التي تبنتها وعملت عليها حكومة نتنياهو) إلى ضرورة الحفاظ على “النظام الأسدي” في سورية، وإلى تبني نصحيتها من قبل واشنطن بالدرجة الأولى.
هذا جميلٌ لا يمكن أن ينساه الأسد، وهو سبب إضافي كي يقدم النظام الأسدي لـ “إسرائيل” بصورة مباشرة، أو عبر الروس، ما لم تحصل عليه أي حكومة سابقة، ولم يتحقق ذلك أيضًا في عهد الأسد الأب، ونعني بذلك ساعة كوهين، ثم رفاة الجندي “زخاري بوميل” واليوم، بعد الانتخابات بأيام، تتوالى الأنباء عن أن جثة إيلي كوهين الوجه الآخر لحافظ الأسد، في طريقها إلى تل أبيب.
الدعم الأسدي لا يمكن تصور نتائجه السياسية والدينية المباشرة في المجتمع المتطرف، والتي ساهمت في نجاح نتنياهو، وسوف تشكل رصيدًا مهمًا يتم استثماره مدة طويلة، خاصة في سياق خدمة المشروع الصهيوني، وفي تطور فكرة السيادة الإسرائيلية في المنطقة، وفي تحويل النظام الأسدي إلى تابع فعلي علني، وغير مؤثر في الصراع العربي – الإسرائيلي، ومستقبل المنطقة، من حيث المفاوضات والتسويات، ومن الآن فصاعدًا سوف تلعب كل من موسكو وطهران أدوارًا أساسية في المنطقة، بدلًا من النظام الأسدي.
نتنياهو هو مجرم حرب، ولا تشكل عملية السلام أولوية له، كما الأمن، وفي سنوات حكمه العشرة، ارتفعت نسبة معاداة العرب، وانتشرت الأفكار والممارسات العنصرية والفاشية، بصورة غير مسبوقة، وتنامى دور اليمين الديني المتطرف، وهو ما شكل رافعة أساسية له، مكنته من الاستمرار في السلطة، على المستوى الداخلي، على الرغم من قضايا الفساد وخيانة الأمانة، التي تلاحقه. لكن المجتمع الإسرائيلي ينظر الى ما حققه من إنجازات، ولم يلتفت إلى قضايا الفساد التي لا تشهد تفاعلات خارج ساحة التنافسات السياسية والإعلامية، بين الأحزاب.
الأسدية -بوصفها نظامًا يمينيا متطرفًا يحظى مقابل خدماته بدعم كبير من “إسرائيل” وحلفائها بصورة خاصة، يتم استثماره في غض الطرف عن جرائم الحرب التي يرتكبها ضد السوريين بمختلف الأسلحة المتاحة لديه حتى المحرمة دوليًا، وفي إبقاء نظامه كواجهة لسلطة حكم- لا تملك من أمرها شيئًا أمام سلطات الاحتلال الإيراني – الروسي التي تحكم البلاد وتقود سورية والمنطقة إلى هاوية لا قرار لها، برعاية دولية – أميركية، يدفع ثمنها الضحايا السوريون.