الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الائتلاف الوطني السوري والواقعية السياسية

الائتلاف الوطني السوري والواقعية السياسية

02.03.2015
د. وائل مرزا



الشرق القطرية
الاحد 1-3-2015
حَسناً فَعلَ الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية حين اتفق منذ أيام، في العاصمة الفرنسية، مع هيئة التنسيق لقوى التغيير الديمقراطي على "مسودة خارطة طريق للحل السياسي تشمل وثيقة المبادئ الأساسية للتسوية السياسية في سوريا، انطلاقا من الوثائق السياسية الموجودة لدى الطرفين".
حسب البيان الرسمي الصادر عن الائتلاف، "تنص مسودة الوثيقة على أن مرجعية العملية السياسية هي: بيان مجموعة العمل من أجل سوريا في 30 يونيو 2012 المعروفة ببيان جنيف بكافة بنودها، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ولاسيَّما قرارات مجلس الأمن (2042 - 2043 - 2059) الصادرة في 2012، والقرار 2118 الصادر في 2013. وتنص الوثيقة أيضاً على أن الهدف الأساسي للمفاوضات مع النظام هو قيام نظام مدني ديمقراطي أساسه التداول السلمي للسلطة والتعددية السياسية وضمان حقوق وواجبات جميع السوريين على أساس المواطنة المتساوية، وأن التوافق الإقليمي والدولي ضرورة أساسية لنجاح العملية التفاوضية".
ويبدو واضحاً أن العملية تُعبر عن نقلةٍ في الفكر السياسي للائتلاف، نجحت معها القيادة الحالية في (سَحب) مختلف الأطراف والمكونات إلى هذا الموقع الجديد، وإلى تجاوز عقلية الاستقطاب و(المُقَاطعة) التي كانت سائدةً إلى العام الماضي في مثل هذه الأيام تحديداً، والتي عبَّرت عن نفسها في أحداث وقرارات نأمل أن تكون قد صارت من التاريخ.
هل ضاع عامٌ أو أكثر على الائتلاف؟ وبالتالي على الثورة السورية؟ بسبب الطريقة السابقة في فهم الوضع السياسي والميداني السوري والإقليمي والدولي، وما ترتب على ذلك الفهم من ممارسات؟ ثمة تحليلٌ يقول إن التوافق المبكر داخل الائتلاف من ناحية، والاتفاق مع هيئة التنسيق من ناحية أخرى، كان يمكن أن يُعطي الثورة زخماً كبيراً، سياسياً وعسكرياً، لو أن مثل هذا التوافق والاتفاق حصلا خلال العام الذي تلا تشكيل الائتلاف. وذلك بناءً على الزخم الدولي الذي كان متوفراً في ذلك الوقت. هذا فضلاً عن غياب (داعش) عن الساحة في تلك الفترة، وبالتالي قلة إمكانات التشويش على الثورة بمفهوم (الإرهاب) وملابساته التي ساعدت النظام السوري فعلاً على إحداث التشويش المذكور بعد ذلك.
لا يوجد دليلٌ واضحٌ على صحة هذا التحليل من واقع استقراء حقيقة المواقف الدولية من الثورة السورية. من المؤكد أن الانقسامات الحادة داخل الائتلاف استُخدمت، بمهارةٍ شديدة، للوصول إلى نتيجةٍ، يندرُ الحديث الصريحُ فيها، وتتمثل في القول بعدم وجود بديلٍ حقيقي لنظام الأسد، الأمر الذي أدى إلى الزهد اللاحق في الائتلاف ودوره. لكن نظرةً أكثر شمولاً لما آل إليه الوضع الإقليمي بعد انفجار الثورات العربية يُظهر أن النظام الدولي كان مشغولاً باستيعاب (الصدمة) التي سببها ذلك الانفجار، أكثر بكثير من انشغاله بإنصاف الشعب السوري أو نُصرة ثورته. ورغم (الحرج) الذي كان يمكن أن يُصيب منظومة أصدقاء سوريا مثلاً لو أن الائتلاف استوعب انقساماته واتفق مع هيئة التنسيق بسرعة، إلا أن السياسات الدولية لا تعمل أبداً وفق مشاعر الحرج والحياء. ففي ظل فكرٍ سياسي دولي سائدٍ لا يبالي، عندما يريد، بأي اعتبارات أخلاقية أو مبدئية، كان بالإمكان دوماً إيجاد أسباب وأعذار للمراوغة في دعم الثورة السورية.
وحين قال الرئيس الجديد للائتلاف مؤخراً في لقاءٍ تلفزيوني، حين سُئل عن الخلافات المستمرة داخله، إن الخلاف الحقيقي كان بين الدول الداعمة، فإنه كان يعترف من واقع اطلاعه الوثيق على الأمور، بصراحةٍ وواقعية، بأمرين: الأول، أن الغالبية العظمى من الداعمين كانوا مختلفين جداً على كيفية تحقيق مصالحهم وترتيب أوراقهم من خلال الأحداث في سوريا، وأن هذا الاختلاف كان يشلّ أي محاولةٍ لتقديم دعمٍ حقيقي وفعال للثورة السورية. والثاني أن الأطراف الرئيسية في الائتلاف كانت فعلاً عاجزةً عن اتخاذ قرارات مستقلة، لا يمكن تحقيق توافقٍ في معزلٍ عن امتلاك القدرة عليها.
والواضح أن التعامل مع التطورات بمثل تلك الدرجة من الصراحة والواقعية هو الأمر الوحيد الذي، ربما، يسمح للائتلاف بامتلاك أوراق تجعله على الأقل أحد اللاعبين المُعتبَرين في العملية السياسية المتعلقة بحاضر سوريا ومستقبلها، خاصة أن الجميع بات يُدرك، فيما يبدو حتى الآن على الأقل، حقيقة (الأوهام) التي حاولت أطراف مختلفة بيعها لمكونات الائتلاف الرئيسية، خاصةً فيما يتعلق بالسيطرة على القوى العسكرية على الأرض. وهو ما أكَّدَ، يومها، عقلية الاستقطاب الحدي، وما نتج عنها من روح (الشعاراتية) وممارسات التحدي والمفاصلة الكاملة بين (نحن الوطنيين) و(الآخرين الخونة)، ومحاولات الكَسر والاستحواذ والإقصاء، وكل ما يمتﱡ إليها بِصِلة.
هنا تبدو النقلة واضحةً من قراءة تاريخ لا يمكن محو صفحاته التي سَجلت تصريحات ومواقف وقرارات كانت تندرج تحت تلك الطريقة في التفكير. ومقارنتُها بالتصريحات والمواقف والقرارات الصادرة مؤخراً، وأحياناً من نفس الشخصيات، تُظهر ملامح النقلة التي نتحدث عنها، والتي كان الاتفاق الأخير مع هيئة التنسيق من دلالاتها الكبيرة الأخيرة.
والذي يمتلك حداً أدنى من الشعور بالمسؤولية تجاه الموقع الذي اختار التصدي له لا يجد فيما جرى، بالضرورة، عيباً أو مثلبة. طالما كان التغيير في الموقف والخطاب نابعاً من وعيٍ مُتجدد ومتطور بحقيقة الوضع السوري المعقد وملابساته، وبالوسائل المناسبة للتعامل معه، وبعيداً عن كونه مجرد (تكتيكٍ) مرحلي آخر يمثل نوعاً من الانحناء المؤقت للعاصفة.
من هنا، يُصبح مُلحاً عدمُ الالتفات إلى الاتهامات التي يُوجهها للائتلاف، بعد الاتفاق مع هيئة التنسيق، مَن لا يزال يعيش مرحلة (الشعاراتية)، وعدم الوقوف عند عمليات التشكيك والتخوين التي صارت هوايةً لدى بعض السوريين. فالقيادة تعني القدرة على أخذ القرارات الحساسة التي تحقق مصالح الناس. لاسيما وأن الائتلاف أوضح موقفه من وجود الأسد ونظامه في بيان علني، فضلاً عن أن وثيقة المبادئ التي تم تبنيها تؤكد أن "غاية العملية السياسية هي تغيير النظام السياسي الحالي بشكل جذري وشامل، بما في ذلك رأس النظام ورموزه وأجهزته الأمنية، وقيام نظام مدني ديمقراطي أساسه التداول السلمي للسلطة والتعددية السياسية". وهذه كلها معطياتٌ ينبغي أن تؤكدها، وتأخذها الهيئة العامة للائتلاف بعين الاعتبار، عند اتخاذ القرار النهائي.
لا نعرف، ولا يعرف أحد، إن كان لا يزال للائتلاف دورٌ حقيقي يمكن أن يؤديه في مستقبل سوريا نظراً للتطورات الإقليمية والعالمية المتسارعة، ولطبيعة النظام الإقليمي الجديد الذي سيتشكل في المرحلة القادمة. لكن المؤكد أن أي دورٍ ممكن له لن يتحقق إلا عبر درجةٍ عالية من التوافق والواقعية السياسية، واتفاق باريس خطوةٌ هامةٌ في هذا المسار.