الرئيسة \  مشاركات  \  الارهاب والحرب النفسية - استغلال الازمات الاقتصادية

الارهاب والحرب النفسية - استغلال الازمات الاقتصادية

21.06.2017
أ .محمد بن سعيد الفطيسي




تنطلق هذه الفكرة من مفهوم إن التطورات والمتغيرات والأزمات الاقتصادية العابرة للقارات والحدود الوطنية لها انعكاساتها المباشرة والقوية سلبا او إيجابا على الدولة وعلاقات المجتمع المدني مع مجتمعات او دول أخرى ومكانتها في السياسة بين الأمم من جهة , وعلى امن واستقرار تلك الدولة والمجتمع المدني في الداخل من جهة أخرى . فالحياة الإنسانية آخذة في التأثر أكثر فأكثر بأحداث ينبع أصلها من الخارج - أي – أن للعولمة الاقتصادية تأثير وانعكاسات خطيرة على الدول والمجتمعات والأفراد تتجاوز خطورة العولمة السياسية , وكما أن القوة الاقتصادية لبعض الدول الغنية تولد الحقد والكراهية لدى المجتمعات والدول النامية او الفقيرة , فكذلك تتأثر الدول سلبا بالأزمات الاقتصادية التي تصيب بعضها البعض .
 وقد استغلت العديد من المنظمات الإرهابية والمتطرفة الأزمات الاقتصادية والظروف المعيشية السيئة لمواطني بعض الدول , خصوصا قاطني الأحياء السكنية الفقيرة والعشوائيات في بعضها , وتحديدا فئة الشباب المغرر بهم ( فكرياً وذلك من خلال استغلال ظروفهم المعيشية السيئة والانطلاق من تلك الدول لضرب النسق الأمني والاقتصادي من أجل تحقيق عدة أهداف خفية لديهم وهي مكاسب اقتصادية ، بالاستيلاء على آبار النفط وثروات البلاد بدعوى تحرير البلاد من الظلم والاضطهاد وغيره ، فكثرت الجماعات المقاتلة الإجرامية في عدة جبهات وبمختلف المسميات ممن هو قائم وممن هم في عداد الخلايا النائمة بانتظار المزيد من الوقود البشري الشبابي الذي لا يعمل أو أصحاب الدخل الضعيف، مستغلين تلك الظروف المعيشية وضغوط الحياة للانطلاق نحو دعم تلك المنظمات الإجرامية بالموارد البشرية المقاتلة )
 فتردي الأوضاع الاقتصادية وما ينتج عنها من انعكاسات اجتماعية وثقافية , وما قد يترتب على ذلك من سوء معيشة المواطنين وتردي دخل الفقر , وارتفاع نسبة الجريمة والباحثين عن عمل , وارتفاع منسوب الخوف والقلق على مستقبل الأبناء , وغير ذلك من المخاوف وردود الفعل التي تنتج عن المتغيرات والتحولات الاقتصادية تؤدي مع الوقت بلا شك الى تأجيج مشاعر السخط والامتعاض والغضب الجماهيري على المؤسسات السياسية والحكومة , ما قد يؤدي بدوره الى التمرد على النظام والخروج على القانون , وهي مداخل تؤكد اغلب الدراسات الاجتماعية والأمنية بأنها تقع على رأس الأسباب التاريخية التي تدفع العديد من الأفراد والمجتمعات الى الانخراط في الإرهاب والانضمام الى التنظيمات الارهابية العابرة للحدود الوطنية , كما وضحنا سابقا , فالفقراء والمهمشون اجتماعيا والباحثين عن العمل يسعون بكل الطرق لكسب لقمة العيش وقد يستغلهم ليس المتطرفون فقط وإنما تجار الحرب من خلال تهريب السلاح والمخدرات وإيجاد أسواق جديدة في المنطقة.
 باختصار ( تعمل التنظيمات الارهابية على استغلال الظروف النفسية والاجتماعية والمجتمعية بشكل منظم ومخطط من أجل تحقيق أهدافها ، عند التعرف على الحاجات والرغبات الإنمائية والإنسانية والتركيز على الحاجات والدوافع الملحة حسب المرحلة العمرية كالحاجة إلى التدين والتقدير والمكانة والانتماء والمال والرغبات الجنسية ، واختيار شرائح من المجتمع تعاني من ضعف تحقيق تلك الاحتياجات لظروف متعددة واستخدامها كأدوات لتنفيذ مخططاتها، بعد جرعات تحفيزية متتالية باستخدام تطبيقات علم النفس في إيجاد الدافع والبيئة المناسبة له وتلميع الأهداف وتحريف الواقع بطرق مبتكرة , كما أن تلك التنظيمات تستخدم البحث العلمي بطرق احترافية وتصل إلى عيناتها في المجتمع عبر الاتصال المباشر أو استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الانترنت؛ وتعمل على تحقيق التأثير وانقياد الشباب من خلال العزف على وتر الاحتياجات المرحلية في النمو الإنساني وتوظيفها في إيجاد تقدير خاطئ للذات والعمل على توجيهه لتحقيق ذات مصطنعة في عالم المثاليات بعد تجريد الواقع، واستخدام تلك العمليات النفسية بشكل منظم ومخطط لتحقيق الانتماء كحاجة إنسانية تصبح ملحة مع الوقت في ظل العزل التام عن الواقع والعيش في عوالم افتراضية )
 ختاما , نقول : بأنه ( حيثما حاز مجتمع ما اقتصادا قويا ومتوسعا , شعر الناس فيه بالأمن وبإحساس بالرفاهية والرحابة وتوفر فرص العمل وإمكانية التطور والتقدم الى الأمام , وسيكون هذا المجتمع واثقا من نفسه , فهو مجتمع لا يسيطر الشك على أفراده , فالاقتصاد القوي يجعل الناس يحسون بان الأمل موجود أمامهم , وأتصور ان الأمل هو شرط حيوي ومحفز قوي يدفع الناس لاحترام القانون , أما حين يفقد الأمل فان الشك يبدأ بالتغلغل الى النفوس والأفكار , وحيث يتواجد الشك ينتشر الخوف , وبكل تأكيد فان الخوف والشعور بالقلق من الناحية الاقتصادية من أهم أسباب التحايل على القوانين والسعي لاختراقها , فالفرد منا حين يشعر بأنه مهدد من الناحية المادية والمعيشية يبدأ بالبحث عن وسائل أخرى للوصول الى هدفه الذي حالت الظروف الاقتصادية او بعض القوانين دون الوصول إليه )
 وهو ما يؤكده هارولد لاسكي في كتابه – الحرية في الدول الحديثة – في قوله : ( انه حين يبدأ اقتصاد المجتمع بالانكماش , حينئذ تكون الحرية في خطر , فالتقلصات الاقتصادية دائما تعني الخوف , والخوف يولد الشك باستمرار , - وهو ما يجعل أفراد المجتمع - أكثر استعدادا للسماع الى أصوات الجديدة – ومن ضمن تلك الاصوات صوت الارهاب والتنظيمات الارهابية والتطرف والعنف - وأنهم في الغالب يطالبون بتغييرات جديدة , وفي هذه الحالة لا تستطيع الدولة الاحتفاظ بسلطتها لذلك تلجا إما الى القمع الداخلي او الحرب مع الدول الأخرى )
 وهكذا نفهم ان ( هناك علاقة تناسب عكسية بين التنمية الاقتصادية والعنف - واستغلال التنظيمات الارهابية للازمات الاقتصادية - أي – كلما تزايدت مظاهر الإصلاح الاقتصادي , انحسرت مظاهر العنف السياسي ومعدلاته , وتقلصت قدرات الارهاب على تجنيد العقول والافكار - بمعنى – ان العنف ينخفض في النظم السياسية التي تعتمد الحداثة والإصلاح نظرا لوجود مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية وامنية وسيطة تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم , وتضبط ظاهرة الحراك الاجتماعي ) وبمعنى اخر : ان الاقتصاد القوي والظروف المعيشية الطيبة وتوفر فرص العمل والاحساس بالأمل والطمأنينة على المستقبل , كلها عوامل قوية ومساعدة على التصدي لكل المحفزات والدوافع التي يمكن ان يستغلها الارهاب والتنظيمات الارهابية لتجنيد الشباب نفسيا وفكريا .
-----------
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
تويتر - MSHD999@