الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انتظروا بياناً هاماً!

انتظروا بياناً هاماً!

01.09.2014
حسام كنفاني



العربي الجديد
الاحد 31-8-2014
تحاول الولايات المتحدة، منذ فترة، أن تعيّشنا في أجواء حربية، لتوهمنا، وتوهم العالم، بأنها قريباً ستعود إلى عملياتها العسكرية في المنطقة، "خدمة للسلام العالمي". لكنه الوهم ليس إلا، أي أنه يتضح، يوماً بعد آخر، أن هذه الإدارة تعلمت الكثير الكثير من سابقاتها، وهي ليست في وارد الغوص في أي مغامرات خارجية، لا براً ولا بحراً ولا جواً.
هذا ما بات مسلماً به، على الأقل، في حدثين مفصلييْن في الأشهر الماضية. لكن، على الرغم من ذلك، لا بأس من الإيحاءات وقرع الطبول الفارغة، لوضع العالم على أهبة الاستعداد لأي تدخل أميركي في الخارج، سواء في المنطقة العربية أو أوروبا. حالياً يأتي القرع فوق رأس تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). العالم يترقب متى سيتخذ أوباما القرار المفصلي بتوجيه الضربات الأميركية إلى هذا التنظيم الإرهابي الذي بات امتداده يهدّد المنطقة.
الترقب تواكبه الرئاسة الأميركية ببيانات، تشبه، إلى حد كبير، بيانات الانقلابات السابقة في دول العالم الثالث. مساء الخميس، أطلق البيت الأبيض إعلاناً أن الرئيس باراك أوباما سيدلي ببيان مهم "بعد قليل". حُبست الأنفس، ها هو أوباما سيخرج ليعلن الحرب على داعش، هذا كان لسان حال جميع من انتظر البيان. لكن أوباما خرج ليقول إنه سيوفد وزير خارجيته، جون كيري، إلى المنطقة، ليبحث في تشكيل حلف عالمي ضد "إرهاب داعش". انتهى البيان.
ماذا فهمنا من النية الأميركية غير كم المؤشرات المستقبلية غير المحصورة بزمانٍ، أو مكان؟ لا شيء. متى سيبدأ كيري جولته؟ لا إجابة. أي الدول تلك التي سيزورها وزير الخارجية الأميركي؟ أيضاً لا إجابة. حفنة من النوايا تختصر الحال الأميركي، وتذكّر بأداء هذه الإدارة بعد المجزرة الكيماوية التي ارتكبها النظام السوري في الغوطتين، الشرقية والغربية.
على الهدي نفسه هذا، تسير الإدارة الأميركية. حينها، لم يتوقف البيت الأبيض عن إصدار البيانات التي تعلن عن ظهور قريب للرئيس الأميركي لإطلاق مواقف مهمة، على شاكلة "انتظروا بيانآً هاماً"، وفي كل مرة، كان يظهر فيها أوباما كان يقذف الخيار العسكري، الذي كان يلوّح به ضد النظام السوري، إلى مزيد من البحث والمشاورات والتحضيرات. ومع ذلك، لم يتوقف الإعلام، الأميركي تحديداً، عن تسريب المعلومات عن الضربة العسكرية المنوي تنفيذها، وحتى تحديد الأماكن المفترض أنها ستقصف، بانتظار إعلان أوباما ساعة الصفر. الجميع كان ينتظر هذه الساعة التي توالى ظهور أوباما من دون إعلانها.
في النهاية، ظهر أوباما، وأعلن شيئاً ما، لكنه مخالف لكل التوقعات. أعلن الاتفاق مع النظام السوري، عبر الوساطة الروسية، على تدمير أسلحته الكيماوية. اختصر الأمر في هذه الأسلحة المحرمة دولياً، أما القتل الممارس يومياً ضد أبناء الشعب السوري بأسلحة "محللة دولياً"، فهو أمر لا بأس به ومقبول، ولا يستدعي تحركاً أميركياً، أو دولياً، فالنظام السوري "لا يخرق التقاليد الدولية"، وفق المعايير الأميركية.
الأمر نفسه قد يتكرر حالياً في نوايا الحرب على داعش. كم مرة سيطلب منا البيت الأبيض انتظار بيان هام لأوباما، وكم مرة سيخرج الرئيس الأميركي لوضع العالم في تفاصيل مباحثات تشكيل التحالف الدولي الجديد، قبل إعلان ساعة الصفر الجديدة. ساعة صفر ربما تكون مشابهة لتلك السورية، فيظهر علينا الرئيس الأميركي لإعلان اتفاق مع داعش، ربما، عن التوقف عن قطع الرؤوس، والاكتفاء بالقتل العادي من دون إظهار هذا الكم من الهمجية، ويفضل عدم بث عمليات القتل في شرائط مصوّرة، لتستمر بعدها الأوضاع على ما هي عليه.
اتفاق متخيّل، لكن قياسه على الحالة السورية يجعله قريباً من الواقع، في ظل السياسة الأميركية الحالية، لنبقى بانتظار البيان المهم.