الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاكراد وعملية "درع الفرات"

الاكراد وعملية "درع الفرات"

30.08.2016
عائشة المري


الاتحاد
الاثنين 29/8/2016
شهدت الساحة السورية تحولاً مثيراً حيث عبرت الدبابات التركية صباح يوم 24 من أغسطس الحدود السورية بعد أن مهدت له بقصف مدفعي ودعم تحالف لقوات المعارضة يضم فصائل من "الجيش الحر"، بينما حلق سلاح الجو التركي في الأجواء السورية تمهيداً لعملية الاقتحام البري. وتقول أنقرة إن عمليتها العسكرية التي أطلقت عليها اسم "درع الفرات" موجهة ضد "داعش" وضد وحدات حماية الشعب التابعة للاتحاد الديمقراطي الكردي، فيما أعلنت واشنطن عن دعم العملية بالمستشارين الأميركيين وطائرات الاستطلاع والغارات الجوية. ويشكل التدخل المباشر للجيش التركي منعطفاً مهماً في الأحداث على الساحة السورية ليبين وبشكل جلي أن مشهداً سياسياً جديداً يتشكل بعد إعادة رسم التحالفات الدولية على أسس جديدة. والسؤال الأدعى للطرح: ماذا بعد عملية "درع الفرات"؟ هل يصبح الأكراد الخاسر الوحيد في لعبة القضاء على "داعش" ومحاربة الإرهاب؟
القضية الكردية مسألة محورية لفهم السياسة التركية تجاه سوريا، كما أن إمكانية تشكل دولة كردية على الحدود الجنوبية لتركيا يشكل زلزالاً أمنياً للحكومات التركية، ومنذ البداية سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإنشاء "منطقة آمنة" شمالي سوريا. ومع احتدام الصراع في سوريا تمكنت الفصائل الكردية السورية المرتبطة بحزب "العمال" الكردستاني من فرض سيطرتها على أجزاء واسعة من شمال سوريا مستفيدين من اتفاق عدم اعتداء حذِر مع الحكومة المركزية في دمشق، ومن الدعم الأميركي للميليشيات الكردية، حيث ظهرت مناطق ما يسمى "الإدارة الذاتية الكردية المؤقتة" في سوريا، وهو ما شكل قلقاً أمنيا لتركيا فسعت على الدوام لطرح فكرة إنشاء منطقة عازلة على امتداد حدودها مع سوريا. وفي إطار التسويات الإقليمية كانت واشنطن قد اتفقت مع تركيا العام الماضي على أنها ستمنع قوات "سوريا الديمقراطية" من التحرك عبر نهر الفرات في منطقة حلب، حيث تقع جرابلس، وفي المقابل تتعاون تركيا في محاربة "داعش". ولكن قوات "سوريا الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية تمكنت في ديسمبر الماضي من الاستيلاء على جيب صغير من الأراضي غرب سد تشرين. فسارعت أنقرة إلى إطلاق التهديدات مقابل التهدئة الأميركية، ولكن سرعان ما سيطرت قوات "سوريا الديمقراطية" على مدينة منبج بعد حصار دام شهرين، وسقطت المدينة التي كانت تعتبر مركز "داعش" الإقليمي في منتصف أغسطس. وتردد أن قوات "سوريا الديمقراطية" قد وعدت بالانسحاب بعد المعركة، ولكن نشوة النصر دفعت هذه القوات لتتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها واشنطن ومعها أنقرة، وبادرت بعض الوحدات بالاندفاع نحو جرابلس، وهو ما اعتبرته أنقرة إشارة كافية للتدخل العسكري.
سارع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لتهديد الأكراد بحرمانهم من الدعم الأميركي في حال عدم الانسحاب شرقي الفرات، ومن ثم أبلغ السلطات التركية بأن المقاتلين الأكراد بدؤوا في الانسحاب إلى شرق الضفة، وذكر رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن ما يهم بلاده في مناطق شمال سوريا الحدودية هو عدم احتلالها من قبل مقاتلي حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" المحلي، وحزب "العمال" الكردي التركي.
أسفرت عملية "درع الفرات" عن خروج مسلحي "داعش" من مدينة جرابلس إلى "الباب"، وعن انسحاب المقاتلين الأكراد من منبج ومحيطها إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتمركز قوات تركية في المنطقة. وتشير ردود الأفعال الدولية إلى أن التدخل التركي في "جرابلس" تم بناءً على نوع من التفاهمات أو التسويات الإقليمية ستظهر نتائجها في الأيام القادمة، ولكن المؤكد أن التدخل التركي لم يكن لمحاربة "داعش"، بل لكبح جماح الطموح الكردي.