الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جمهورية اتحاد كانتونات شمال سوريا الديمقراطية.. والمصير المحتوم!

جمهورية اتحاد كانتونات شمال سوريا الديمقراطية.. والمصير المحتوم!

25.06.2016
د. وسام الدين العكلة


 ترك برس
الخميس 23-6-2016
تزايد الحديث مؤخرًا عن قرب قيام "كردستان سوريا" أو  كما يسميها البعض "روجافا" أي غرب كردستان، بالتزامن مع التطورات الميدانية والتوسع الذي حققته ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" شمال البلاد وسعيها لربط كانتوني الجزيرة وعين العرب مع كانتون عفرين والسيطرة على المزيد من القرى العربية وتهجير سكانها و"تكريد" أسمائها في تزييف واضح لحقائق تاريخية دامغة، في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير متضاربة عن صفقات هنا وهناك لقيام هذا الكيان على حدود تركيا الجنوبية لممارسة المزيد من الضغوط عليها بدعم سياسي وعسكري واستخباراتي من قبل العديد من الأطراف الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا التي دخلت إلى الخط مؤخرًا وفتحت ممثلية لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) في باريس، ومشاركة قوات خاصة فرنسية في العمليات التي تقوم بها الميليشيات التابعة له في ريفي الرقة وحلب، وبناء مهبط للطائرات المروحية في "عين العرب" لاستخدامه في نقل الجنود والعسكريين الفرنسيين من شمال العراق باتجاه سوريا، وتحويله لاحقًا إلى قاعدة عسكرية فرنسية في المنطقة.
في موازاة ذلك تحدثت تقارير عن صفقة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني (PKK) برعاية أمريكية مفادها انسحاب عناصر حزب العمال من جنوب تركيا مقابل السماح بتقدم "قوات سوريا الديمقراطية" في مناطق غرب الفرات التي تعتبرها تركيا "خط أحمر" بالنسبة لأمنها القومي، وهو ما نفته وزارة الخارجية التركية بشكل قاطع.
في حين ذهب موقع "ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي، إلى أبعد من ذلك عندما تحدث عن اتفاق تم بالفعل بين واشنطن وأنقرة على إقامة منطقتين آمنتين في شمال مدينة حلب وصولاً إلى الحدود التركية، إحداهما ستكون تحت سيطرة "الفصائل التركمانية" بالجيش الحر والتي ستتمتع بغطاء جوي ومدفعي من الجيش التركي، والثانية ستكون تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية، والتي ستحظى بدعم وغطاء جوي أمريكي وفق ذلك الاتفاق، وتعهد واشنطن لأنقرة بالفصل الكامل بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وحزب العمال الكردستاني (PKK)، وتأمين المناطق الحدودية، والتنسيق مع تركيا في شحنات الأسلحة التي سيتم إرسالها لتعزيز المنطقتين الآمنتين.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه جميع الأطراف عن حرصها على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وهو ما تم تأكيده في جميع القرارات الدولية الصادرة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الإجراءات على أرض الواقع تشير إلى عكس ذلك، الأمر الذي فتح باب التكهنات واسعًا أمام الحديث عن احتمال تقسيم سوريا مستقبلًا. فالولايات المتحدة وروسيا تدعمان قيام كيان كردي بذريعة الفيدرالية التي دعت إليها روسيا صراحة على لسان عدد من مسؤوليها أبرزهم "سيرغي ريابكوف" نائب وزير الخارجية الروسي، وأدرجتها في صميم مسودة الدستور المقترحة.
فهل تدفع هذه التطورات كل من تركيا وإيران والنظام السوري إلى التقارب لمنع قيام مثل هذا الكيان وإجهاض المحاولات الغربية الداعمة له؟ خاصة وأن هذه الأطراف لديها تجارب سابقة ضد إقليم كردستان العراق عند بداية تشكيله أو ضد حزب العمال الكردستاني في تسعينيات القرن الماضي؟
مبادرة جزائرية لتطويق المشروع الكردي
في هذا السياق تشير بعض المعلومات إلى مبادرة جزائرية يتم مناقشتها حاليًا تم طرحها من قبل "عبد القادر مساهل" وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية خلال زيارته إلى دمشق مؤخرًا، وتتضمن المبادرة استضافة الجزائر اجتماعات لمسؤولين سوريين وأتراك لتحسين العلاقات بين دمشق وأنقرة وتشكيل جبهة موحدة ضد المشروع الكردي، كما حدث بموجب اتفاقية "أضنة للسلام" بين أنقرة ودمشق عام 1988 والتي أفضت إلى تسليم الزعيم الكردي "عبدالله أوجلان" وعشرات القيادات الكردية لأنقرة والقضاء بشكل نهائي على أي تواجد لحزب العمال في سوريا. وقد تنضم إيران لاحقاً لهذه الاجتماعات خاصة وأنها تراقب بقلق شديد المحاولات الغربية لإقامة كيان للأكراد في سوريا على غرار إقليم كردستان العراق لأن ذلك سينعكس بشكل مؤكد على وضع الأكراد على أراضيها البالغ عددهم نحو سبعة ملايين نسمة ويصبح مبرر لهم للمطالبة بإقامة كيان مماثل في شمال غرب إيران!. وتجدر الإشارة إلى أن طهران طالبت موسكو بحذف أية مادة في مسودة الدستور السوري المقترحة تعترف بحقوق معينة للأكراد وتشكيل أقاليم الإدارات الذاتية ومجالس المناطق.
سيناريوهات محتملة
لا يمكننا استبعاد أي من السيناريوهات السابقة، فكما يُقال إنه في "الحب والحرب كل شيء مباح" ، أيضًا في السياسة لا توجد محظورات، وما يتحكم بتصرفات الدول في نهاية المطاف هي المصالح وليس المبادئ أو الأخلاق، لذلك لا نستبعد أي سيناريو ابتداءً من تقسيم سوريا إلى عودة قادة حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني إلى الجبال وفقدان ما حققوه خلال الفترة الأخيرة بين عشية وضحاها، وهؤلاء عليهم أن يدركوا السيناريو الأخير بالذات في ضوء تجاربهم السابقة مع القوى العالمية التي طالما استخدمتهم لتحقيق مصالحها وتخلت عنهم في اللحظة التي تغيرت فيها هذه المصالح، وما تجربتي جمهورية "أرارات" في شرق تركيا، وجمهورية "مهاباد" في شمال غرب إيران التي نشأت في ظروف دولية مشابهة لحد  كبير لما يجري اليوم ولم تصمد أكثر من  أحد عشر شهرًا انتهت مع انسحاب القوات الروسية وترك الأكراد فريسة سائغة للقوات الإيرانية التي أعدمت مؤسسها "قاضي محمد" في الساحة العامة وهروب "مصطفى البرزاني" إلى جبال العراق إلا خير دليل على ذلك.
أما عن التقسيم فهو خيار وارد أيضًا ولا يمكن استبعاده خاصة وأن الحدود الحالية التي بموجبها تم تشكيل دول منطقة الشرق الأوسط وُضعت بالقلم والممحاة من قبل الدول الاستعمارية في اتفاقية "سايكس - بيكو" عام 1916 وليست حدود طبيعية تعود لآلاف السنين، وسبق أن قسمت سلطات الانتداب الفرنسي آنذاك سوريا إلى ست دويلات مستقلة حيث أراد الجنرال "غورو" تأديب السوريين على تصديهم لفرنسا في معركة ميسلون، وهذه الدول هي: دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين، ودولة جبل الدروز، ودولة لبنان الكبير، ولواء الاسكندرون المستقل، لكن عادت ووحّدت هذه الدويلات في العام 1924 ضمن ما عرف حينها بالدولة السورية.
وبالتالي فخيار التقسيم وارد أيضًا وهناك دول كانت تجمعها روابط ربما أقوى مما موجود في سوريا ولم تمر بالظروف الحرجة التي تمر بها سوريا حاليًا، لكنها تفككت كما حدث لجمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية عام 1992 التي تفككت إلى ست دول، وقبلها تفكك الاتحاد السوفيتي إلى 15 دولة، والسودان تفككت إلى دولتين عام 2011، والعراق حاليًا مهدد بالتقسيم الرسمي في أي لحظة بالرغم من أن التقسيم أصبح أمرًا واقعًا منذ غزوه عام 2003، واليمن يترنح وهناك أصوات تطالب بالعودة لمرحلة ما قبل الوحدة، كما يوجد لدينا حكومتين في فلسطين إحداهما في الضفة الغربية والأخرى في غزة منذ عام 2006، والقائمة تطول ولا مجال لذكرها.
رد الفعل التركي
عبر المسؤولون الأتراك مرارًا عن رفضهم قيام أي كيان كردي على حدودهم الجنوبية، وأتهموا أحيانًا بعض حلفائهم بدعم قيام هذا الكيان في إشارة واضحة للولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم الدعم العسكري والأمني والمستشارين والجنود لحزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا الذي تصنفه تركيا ضمن المجموعات الإرهابية وتعتبره الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني. وقد عبر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" عن استيائه مما تقوم به الولايات المتحدة متهمًا إياها (دون أن يسميها) بتنفيذ مشروع خطير  على حدود بلاده الجنوبية، وأشار "أردوغان" عقب حضوره مأدبة إفطار أقامتها إحدى الجمعيات الأهلية في مدينة إسطنبول قبل أيام إن "هناك مشروعًا خطيرًا يتم تنفيذه، جنوبنا (شمالي سوريا)، ومع الأسف يقف وراء تنفيذه، أطراف تظهر أنها صديقة لنا".كما انتقد رئيس الوزراء التركي الدعم الغربي للاتحاد الديمقراطي، في حين وصف وزير خارجيته ما تقوم به الولايات المتحدة في شمال سوريا بــــ"النفاق" متهمًا واشنطن بالكيل بمكيالين في محاربتها الإرهاب، جاء ذلك إثر نشر صور لجنود أمريكيين من القوات الخاصة يساندون قوات سوريا الديمقراطية ويضعون شارات وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة مجموعة إرهابية.
لكن بين تصريحات المسؤولين الأتراك الرافضة لقيام هذا الكيان وما يجري على الأرض من عمليات عسكرية وتهجير وتغيير التركيبة الديمغرافية وأسماء المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" وبناء قواعد عسكرية وتجهيز مطارات وسن قوانين ورسم حدود إدارية جديدة ما يوحي بأن الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الأتراك! ومع ذلك يبقى الخيار التركي بالتدخل البري داخل الأراضي السورية واردًا في حال وصلت الأمور إلى مستوى معين تضطر فيه الحكومة التركية إلى المخاطرة بالتدخل لدرء خطر أكبر يهدد كيانها وأمنها القومي.
غياب كامل للمقومات الأساسية
من الناحية الواقعية وبعيدًا عن العواطف والانفعال، لا شك أن إقامة دولة كردية هي حلم لكل الأكراد، وحقهم الطبيعي أن يكون لهم دولة تمثلهم، خاصة وأنهم ربما القومية الوحيدة في العالم غير الممثلين في دولة مستقلة، لكن هل الظروف اليوم مؤاتية لقيامها؟ وهل تمتلك في حال قيامها مقومات استمراريتها ؟ أم سيكون مصيرها كمصير جمهورية "مهاباد" وينعكس قيامها بشكل متسرع وبالًا على الشعب الكردي بدلًا من تحقيق طموحاته المشروعة؟
لقيام أي دولة من الناحية الدستورية لا بد من توافر مجموعة من الشروط والمتطلبات القانونية أهمها (الشعب، الإقليم، والسيادة) وهي الأركان الثلاثة لقيام أي دولة، لكن لا يمكن القول إن مجرد توافر هذه الشروط في كيان معين نصبح أمام دولة تستطيع الانضمام لهيئة الأمم المتحدة ويكون لها حقوق وعليها واجبات وتمثيل سياسي ودبلوماسي على أعلى المستويات، حتى وإن وصف هذا الكيان نفسه بوصف "الدولة" كما هو الحال في "الدولة الإسلامية" الممتدة على مساحات واسعة من سوريا والعراق وتسيطر على مساحة تفوق مساحة بريطانيا العظمى! ولديها من السكان ما يفوق على عدد سكان الكثير من الدول الأوروبية! ولها من السيادة الكاملة وغير القابلة للاقتسام مع أي فصيل آخر على الأراضي التي تسيطر عليها! كما تملك مناصرين في أغلب أنحاء العالم ولديها مؤسسات سياسية واقتصادية وخدمية وتطور إعلامي فاق ما توصلت إليه أحدث استوديوهات هوليود!.
فمن الناحية الديمغرافية وفقًا لإحصائيات وكالة الاستخبارات الأمريكية الواردة في كتاب "حقائق العالم" فأن نسبة السكان العرب في سوريا هي  تفوق 90.3% في حين يشكل الأكراد وغيرهم من باقي المكونات بما فيهم الأرمن حوالي 9,7 % يتوزع أغلبهم في دمشق وحلب واللاذقية والحسكة والرقة وبعض المناطق الأخرى. والأهم من ذلك أن المنطقة التي يدعي البعض أنها كردية خالصة وهي منطقة الجزيرة السورية نسبة القرى العربية فيها 67% ، في حين أن نسبة القرى الكردية وباقي المكونات الأخرى كالمكون المسيحي والمكون الكلدوآشوري السرياني لا تتجاوز 33% ونسبة السكان الأكراد في هذه المنطقة إلى باقي المكونات تتراوح ما بين 27-30%.
من الناحية السياسية والإدارية هناك حالة تشرذم غير مسبوقة وفشل في إدارة المناطق التي تسيطر عليها الأحزاب الكردية رغم المحاولات المتكررة للتواصل إلى توافق حول إدارة المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية وعلى رأسها "اتفاقية أربيل" بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني والمجلس الوطني الكردي التي تم التوقيع عليها برعاية "مسعود البرزاني" رئيس إقليم كردستان العراق في تموز/ يوليو 2012، والتي أنشأت بموجبها "وحدات الحماية الشعبية" وبدأت عملها تحت قيادة "اللجنة الكردية العليا" "لغرب كردستان"، واعتبرت كحكومة محلية للمناطق الكردية التي جرت السيطرة عليها منذ ذلك التاريخ، وما تبعها لاحقًا من توافقات كان آخرها ما أطلق عليه "المجلس التأسيسي للنظام الفدرالي" وإقرار وثيقة النظام الاتحادي الديمقراطي لـ"روج آفا – شمال سوريا" في شهر آذار/ مارس الماضي.
فاليوم لدينا العشرات من الأحزاب الكردية المتناحرة أو المتنافسة سياسيًا في الوقت الحالي وربما عسكريًا مستقبلًا  كما حدث في شمال العراق في تسعينيات القرن الماضي، وقد فشلت جميع المحاولات التي جرت خلال السنوات الأخيرة في توحيد شملها تحت كيان سياسي واحد يمثل المكون الكردي داخليًا وإقليميًا ودوليًا، فهناك أحزاب مثل "المبادرة الوطنية الكردية السورية" بقيادة "عمر أوسي" مُمثلة في مجلس الشعب التابع للنظام السوري، وهناك المجلس الوطني الكردي مُمثل في الائتلاف الوطني السوري المعارض، وهناك أحزاب تتبنى مشروع حزب العمال الكردستاني مثل الاتحاد الديمقراطي، وهناك أحزاب مرتبطة بحكومة إقليم كردستان العراق، أو مع روسيا، أو مع أمريكا، وهناك من يدور بين هذا وذاك.
 
والأهم من كل ذلك يفتقر الأكراد في سوريا إلى وجود شخصية سياسية جامعة تتمتع بكاريزما قيادية قادرة على قيادة الشارع الكردي ومواجهة التحديات التي تواجهه على خلاف اكراد العراق فهناك قيادات معروفة لها تاريخ نضالي طويل وتحظى بثقل شعبي واسع.
من الناحية الاقتصادية والخدمية والتعليمية، فقد أثبتت تجربة الإدارة الذاتية فشلها في إدارة أبسط الملفات في المناطق التي تسيطر عليها الأمر الذي دفع الآلاف من الشباب الكردي إلى الهجرة إلى أوروبا، في حين لا تزال المؤسسات التي يسيطر عليها النظام هي من تقوم بتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين المقيمين في أغلب المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية ورواتبهم يتقاضونها من وزارة مالية النظام، وبالمقابل هناك زيادة كبيرة في عدد السجون والمعتقلات وملاحقة الناشطين والإعلاميين الكرد ومصادرة الحقوق والتضييق على الحريات العامة .
من الناحية الأمنية والعسكرية: لا توجد قوات عسكرية نظامية أو شبه نظامية مسيطر عليها في المناطق الخاضعة للأكراد، وكل ما هنالك مجموعات غير متجانسة من الميليشيات تجمعها مصالح غير دائمة مثل ميليشيا الدفاع الوطني، الصناديد، جيش الكرامة، وكتائب المغاوير، كتائب البعث، قوات حماية المنشآت، ميليشيا مجلس الشيوخ ووجهاء القبائل العربية والسورية في الحسكة وغيرها من الميليشيات المحلية إضافة إلى قوات النظام وعناصر حزب الله اللبناني والمخابرات والحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي يجعل المنطقة تقف على حافة الاقتتال في أي لحظة وقد شهدنا خلال الفترة الماضية عدة اشتباكات بين قوات النظام والقوات الكردية أو بين القوات الكردية وميليشيا الدفاع الوطني.
أخيراً، لا بد من القول إن المكون الكردي جزء أساسي لا يتجزأ من الشعب في سوريا، تعرض كباقي مكونات الشعب السوري للظلم والقهر والممارسات الاستبدادية على يد نظام "الأسد" الأب والابن، وحرم قسم كبير منه من أبسط حقوقهم لفترات طويلة ورغم ذلك هناك حالة من التعايش بين العرب والأكراد في جميع المناطق قد لا يكون لها مثيل في العالم، وجميعنا مع حصولهم على حقوقهم  السياسية والثقافية غير منقوصة ولكن في إطار سوريا واحدة بعيداً عن التقسيم والنعرات القومية والطائفية مع ضرورة منح جميع المحافظات صلاحيات إدارية واسعة والابتعاد عن المركزية الإدارية المطلقة وضرورة حصول كل محافظة على جزء من ثرواتها لتنميتها وتحسين أحوال سكانها من كل المكونات.
وبالمقابل لا بد من مواجهة كل مشاريع التقسيم والتشرذم والاقتطاع بمسمياته وذرائعه المختلفة كالانفصال أو الفدرالية، التي لا تستقيم مع استقرار المنطقة وتؤسس لحروب واقتتال داخلي قد يستمر لعشرات السنوات بين مكونات الشعب الواحد، وتدفع الشعب الكردي نحو الهلاك خدمة لمصالح هذه الدولة أو تلك، وهنا لا بد من التنويه إلى أنه لا توجد مصلحة لأي طرف في نشوء دولة مستقرة في هذه البقعة الجغرافية بل يراد أن يكون فيها مجرد جيب يتم استخدامه لزعزعة المنطقة وإغراقها بحروب أهلية دائمة لخدمة مصالح بعض الدول المعروفة الأمر الذي سينعكس على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي بشكل عام.
ومن يقاتلون في صفوف "قوات سوريا الديمقراطية" يجب أن يدركوا جيداً أن الأمريكيين ليس لديهم حليف حقيقي ولا يهمهم سوى مصلحتهم، وتجربة الصحوات ومجالس الاسناد والإنقاذ في العراق خير دليل على ذلك، فبمجرد أن طردت القوات الأمريكية تنظيم القاعدة من الأنبار تخلت عن عناصر الصحوات ليصبحوا فيما بعد بين مطرقة حكومة المالكي التي رفضت ضمهم إلى الجيش وصرف رواتبهم وبين سندان القاعدة ليتم تصفيتهم الواحد تلو الآخر من قبل عناصر التنظيم فيما بعد.
بالنهاية نعتقد أن الساسة الكرد سيرتكبون خطأً كبيرًا إذا ما ساروا في مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بالاستعجال لإقامة كيان منفصل شمال سوريا، لأن الواقع والمنطق السياسي يفرضان أن يتفق جميع الأحزاب والقوى الكردية على صياغة رؤية مستقبلية تحفظ حقوق المواطن الكردي ضمن الهوية الوطنية السورية الموحّدة، والانخراط مع بقية الشركاء في مفاوضات جدية لتقرير مستقبل سوريا بعيداً عن الاستقواء بالخارج والابتعاد عن المشاريع الضيقة وعدم الانزلاق إلى هاوية التفتّيت والتقسيم التي ستكون لها ارتدادات خطيرة على الجميع، وفي حال التسرع بإقامة كيان منفصل دون مراعاة التوافقات الدولية والظروف التي تمر بها المنطقة وسورية على وجه التحديد، وتغليب المصلحة الوطنية العليا فوق المصالح القومية سيكون مصير هذا الكيان محتوماً  كمصير غيره من التجارب الكردية السابقة.