الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإرهاب بين الدكاكين الصغيرة والمولات الكبيرة

الإرهاب بين الدكاكين الصغيرة والمولات الكبيرة

14.12.2017
د. أحمد موفق زيدان


العرب
الاربعاء 13/12/2017
ترى القذى في عين أخيك ولا ترى الجذع في عينيك، وما زلت أتذكر مقولة للشيخ الشهيد عبدالله عزام -رحمه الله- من أن "المستعمر للأرض كمن يذبح الشعوب بسكاكينه، وحين تنتفض الضحية لتضرب برجليها أو يديها وقت خروج روحها تجد المستعمر يشتمها لأنها لطخت ثيابه بالدماء".. أتذكر هذا ونحن نرى ما تجره سياسات الدول الكبرى والوسطى والصغرى على الشعوب، من إرهاب وإجرام يتقازم أمامه كل إجرام وعنف ترتكبه جماعات عنفية وإجرامية..
فهذه الجماعات التي تمارس إرهابها وعنفها أقرب ما تكون إلى سياسة الحوانيت والدكاكين الصغيرة، بينما الإرهاب الإجرامي على مستوى الدول يكون بمثابة إرهاب المولات، وبمثابة "أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك". فإرهاب الدول ليس كإرهاب الجماعات والعنف، ولو كان بأيدي هذه الجماعات كيماوي و"سكود" وبراميل متفجرة لما رأيتها ترسل أفرادها كانتحاريين؛ ولذلك نرى هذه الدول تستخدم كل ما تملكه خزينتها الإجرامية من يورانيوم منضب و"بي 52" وطائرات تجربها على أجساد أطفال الشام الغضة، كما أعلنها بكل صلافة ووقاحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين..
كثير من الدراسات والأبحاث تحدثت عن مخاطر الحرب الأميركية على أفغانستان عام 2001، فكانت الغارات على مناطق القبائل الباكستانية التي خلّفت الآلاف وربما عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وملايين من المشردين، وكل هؤلاء من الطبيعي والقدري أن يتحولوا إلى قنابل موقوتة، بل وصواعق في وجه السياسات الغربية، واستمر معه النزيف المالي حتى تحدثت الإحصائيات الأميركية نفسها عن مصاريف تصل إلى ربع مليار دولار لخزينة واشنطن في حربها على الإرهاب منذ 16 عاماً، مما يضع الأرقام إلى نصف تريليون دولار كلفة الحرب على ما يوصف بالإرهاب..
ننتقل إلى الربيع العربي؛ حيث اصطفت أميركا إلى جانب الاستبداد العربي ضد ثورات الشعوب، ففي اليمن توارت خلف الأمم المتحدة والتي ساوت بين الضحية والجلاد فاستمر صالح والحوثي بالمراوغة على ثورة الشعب اليمني المجيدة.
وفي ليبيا وبعد أن فازت القوى الليبرالية بقيادة محمود جبريل رأينا الانقلاب على خيار الشعب وتفجير البلد كله برعاية جنرالها خليفة حفتر الأميركي الجنسية والقادم من ولاياتها، وبدعم من وكلائها في المنطقة مصر والإمارات. أما في مصر فقد صمتت صمت القبور على رحيل مرسي، ودعمت السيسي ووقفت إلى جانبه ضد كل أحرار الربيع المصري.
وفي سوريا تجلى الخذلان الأميركي بأوقح صوره يوم حرمت كل العالم من دعم الثوار بأسلحة وصواريخ متطورة لوقف آلة القمع، وماطلت في الحلول السلمية وكذبت في خطوطها الحمراء وفي عدم إرسال قوات برية لها على الأرض، فرأينا كيف أرسلت إلى غلاة الكرد لوأد الثورة الشامية..
هل هناك إرهاب كإرهاب إعلان رئيس دولة بحجم أميركا عن نهاية عملية السلام في فلسطين وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، مما فجّر غضب مليار ونصف المليار مسلم؟! وماذا أبقى هو وأمثاله للإرهابيين بعد اليوم؟!
إن الشيء الوحيد المؤكد هو أن هذه السياسات الإجرامية هي من تصنع مصانع للإرهاب والقهر والغضب، وأن براميل الغضب البارودي المتراكمة والمتصاعدة بسبب هذه السياسات الخرقاء ستتحول إلى صواعق حقيقية قريبة، وبالتالي فلا تلوموا الحوانيت الصغيرة ما دامت المولات قد افتتحت، ومن الطبيعي أن يكون مصير الحوانيت الصغيرة السحق والإبادة؛ فالعولمة غدت في كل شيء خراباً ودماراً على حساب البناء والتنمية، لكن للشعوب ثورات ودورات تاريخية لا تنبئ عنها.. فانتظروا الموجة الثانية للربيع العربي.;