الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأكراد بعد سُنّة العراق والشام

الأكراد بعد سُنّة العراق والشام

19.10.2017
د. أحمد موفق زيدان


العرب
الاربعاء 18/10/2017
صورتان مميزتان برزتا خلال الأيام الماضية؛ صورة من العراق روت الانهيارات المتتالية للبشمركة الكردية أمام تقدم القوات العراقية والحشد الشعبي، في ظل غياب الغطاء الجوي الأميركي عن دعم ومساندة البيشمركة الكردية؛ سبقته تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترمب حسم فيها موقفه من الصراع بين الكرد والحكومة المركزية في بغداد، حين قال إنه سيقف على الحياد. والوقوف على الحياد هنا بوضوح هو مساعدة للقوي الإيراني الحشدي مقابل البيشمركة.
أما الصورة الثانية فهي مكونة من جزئين؛ جزء منه في الرقة ودير الزور اللتين كانتا تتعرضان لـ 400 غارة جوية يومياً لأكثر من شهر متواصل، مما جعل تقدم قوات المليشيات الكردية نزهة في ظل الخراب والدمار والقتل والإبادة التي تكفّلت بها الغارات الجوية. واقتصرت مهمة "الفاتحين الجدد" على التعفيش -كما شاهد الجميع- من سوق الأبقار ونهب بيوت وتعفيش ثلاجاتها، بعد أن أُرغم أهلها على مغادرتها.
أما الجزء الآخر من الصورة، فهو الهجوم الغادر الذي نفّذه مئات من مقاتلي تنظيم الدولة "داعش" على منطقة الرهجان في البادية السورية شرق حماة، بعد أن قطعوا مسافات شاسعة في ممر لا يتعدى جناحاه الكيلومترات مُسيطَر عليه من قِبل المليشيات الطائفية الأسدية. وحين وصلوا إلى المنطقة سيطروا عليها وأعملوا القتل والسلب والنهب بمقاتلي هيئة تحرير الشام الذين فوجئوا بالهجوم الذي ما كان له أن يحدث لولا الدعم الأسدي! هيئة تحرير الشام لم تطلب ولم تحتج لغطاء جوي، ففي غضون يومين استعادت أضعاف مساحة الرقة ودير الزور من التنظيم، وطردته من المناطق التي سيطر عليها.
لعل الأكراد الآن يدركون من جديد -وللمرة المائة ربما- أن الصديق الوحيد لهم كما رددوها من قبل ليس جبالهم فقط، وإنما حاضنتهم السنية. وهذا ما ينبئنا عنه التاريخ بغض النظر عن شوفينية الطرفين العربي والكردي التي طرأت بعد سقوط الخلافة العثمانية، ولكن أنّى لها أن ترحل؟! لقد آن للأكراد أن يعووا اليوم أن أميركا تخلّت عنهم لصالح الحليف الاستراتيجي وهو إيران ومليشياتها الطائفية، وأن المشروع الأميركي - الإيراني كان -ولا يزال- همّه القضاء على أهل السنّة؛ إن كان في العراق أو الشام، ممثلين بالعرب السنّة أو بالأكراد أنفسهم، فقد بدأ الدور اليوم على الأكراد بصفتهم السنّية، وليس بصفتهم الكردية العرقية التي لا تعني شيئاً لا للأميركان ولا للإيرانيين.
مسلسل الخيبات والخذلان الذي أصاب التاريخ الكردي مرتبط بقيادات كردية لا تُحسن قراءة الواقع فضلاً عن قراءة المستقبل، والسيد مسعود برزاني -الذي كان يُعوَّل عليه كثيراً بتعميق ارتباطه بتركيا والعالم العربي- ارتكب حماقته بإجراء استفتاء تبيّن أن أهم ما يحتاجه وهم أكراد السليمانية ليسوا على الحياد وإنما ضده، بل ويصبّون مياههم في الطاحونة الإيرانية، تبدّى ذلك برحلة الاستجمام التي قام بها قاسم سليماني إلى معاقل الاتحاد الوطني بزعامة نجل الطالباني الراحل؛ فكان التسليم سريعاً لكركوك، ولم يقتصر التسليم على مناطق الطالبانيين وإنما حتى على منطقة سنجار البرزانية..
اليوم على البرزاني وعقلاء الكرد أن يعووا أن المرحلة حساسة، وأن الخطر وجودي على كل سنّي في المنطقة، ولا بدّ من مراجعة حقيقية في المواقف، يتم فيها التعالي على الجراح ومن قِبل الجميع، مع تقديم خطة تتمثل بالعودة إلى تركيا بوابته إلى العالم، بعيداً عن الحكومة الطائفية في بغداد، مع العودة إلى دعم الثورات العربية التي كان -ولا يزال- جوهرها رفع الظلم والحيف عن الأكراد تماماً، كرفعه عن كل المظلومين في العراق والشام. وإن كان من عدل في الأنظمة البائدة والقائمة فهو في توزيع الظلم بالعدل على الجميع خلال حكمها الاستبدادي..;