الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مشكلتنا مع إيران... "طوابيرها الخامسة"

مشكلتنا مع إيران... "طوابيرها الخامسة"

27.04.2015
محمد مشموشي



الحياة
الاحد 26-4-2015
لا عيب في أن تكون لدولة ما، أية دولة في العالم، طموحات سياسية، وحتى أطماع، خارج نطاق حدودها الجغرافية، لا سيما في زمن القرية الكونية الحالي وحاجة الكل للكل فيه، كما بات معترفاً به الآن. العيب، الذي يصل الى حد الجريمة ان لم يكن الخيانة الوطنية، أن تتبنى أطراف وقوى سياسية في هذا الخارج، وإن بدعاوى ايديولوجية أو سياسية أو طائفية، تلك الأطماع بكل ما فيها من أخطار على بلدانها، ثم أن تدافع عنها على طول الخط، بل تحمل السلاح الذي تتلقاه من هذه الدولة تحديداً، من أجل هذه الغاية.
هذه هي حالنا الآن، بين ايران الحالمة بدور اقليمي (امبراطوري فارسي وفق قولها) من ناحية، وبين ما يشهده لبنان والبحرين وسورية والعراق واليمن من ناحية ثانية. والواقع أنه ينبغي القول، من دون تحفظ أو تردد، ان مشكلتنا ليست مع ايران، بل أساساً مع تلك القوى السياسية والحزبية والميليشياوية (والحكومية، كما هي الحال في سورية والعراق) التي تؤيد مــشروع ايران هذا وتردد ليل نهار أنها ليست سوى "جنود" في جيش "الولي الفقيه" في ايران.
وفي السياق، لا بد من القول انه اذا كانت لنا مشكلة حقيقية مع هذه الدولة، فهي أنها أنشأت هذه القوى تحت عناوين وادعاءات مختلفة، ثم سلحتها ومولتها ودربتها لتشكل ما يجوز اعتباره "طوابير خامسة" في بلدانها من جهة، وللقيام بالمهمة المرسومة لها ايرانياً من جهة ثانية.
أكثر من ذلك، فقد بقيت ايران وخطتها هذه في الظل طيلة العقود الثلاثة السابقة، تارة تحت عنوان فلسطين وتحرير الأراضي العربية المحتلة، وتارة أخرى بدعوى التراجع العربي في مواجهة ما تسميه "الاستكبار العالمي". "الوكلاء" هؤلاء كانوا يقومون بالمهمة، ولم تكشف هي عن وجهها الا بعد أن اضطرتها الى ذلك أحداث "الربيع العربي" مطلع العام 2011. ادعت أولاً أن الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن هي مجرد صدى لثورتها الخمينية العام 1979، لكنها لم تجد ما تفعله عندما وصلت الثورة الى ما تعتبره عقر دارها في سورية الا أنها دخلت مباشرة في حرب نظامها المجنونة ضد شعبه، بمقاتليها وخبرائها و"حرسها الثوري" في جانب من الحرب، كما بوكلائها اللبنانيين والعراقيين والباكستانيين والأفغان في جانب آخر منها.
لكن معضلة المنطقة في الواقع تبقى في تلك "الطوابير الخامسة" التي زرعتها طهران في أكثر من بلد فيها، والتي تعطيها اما عناوين مظلومية مذهبية تاريخية، أو شعارات أقلوية تشمل فئات غير اسلامية أيضاً في مواجهة الأكثرية السنية الطاغية في الإقليم. وصحيح أن القوى والميليشيات التي رعتها ايران في هذه البلدان لا تعبر حكماً عن الرأي العام الشيعي فيها، إلا أن الصحيح أيضاً أنها تمكنت بمساعدة المال والسلاح الإيرانيين، كما بالترغيب والترهيب، من ادعاء النطق باسمها حتى في القضايا المحلية الضيقة التي تخص بلدانها، وليس بإيران ومشروعها في عموم المنطقة فقط.
هكذا، على سبيل المثال لا الحصر، شكلت حملة الشتائم التي قادها "حزب الله" ضد السعودية على خلفية "عاصفة الحزم" اليمنية، وقبلها حفلات التصفيق لإعادة انتخاب رئيس النظام السوري بشار الأسد ولفوز رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي في انتخابات بلاده، وفي المقابل تأييد الأسد والمالكي لكل سياسات "حزب الله" المدمرة للبنان، أكثر من "وحدة موقف" كما يقولون في وصفها... انما اشارات لما ستكون عليه الحال عندما يكشف "الولي الفقيه" عن أوراقه في المنطقة.
ولهذا، لم تخرج من الأطراف الثلاثة كلمة واحدة عن اعلان طهران قيام "الإمبراطورية الفارسية، وعاصمتها بغداد"، ولا قبله عن سقوط أربع عواصم عربية (والخامسة على الطريق) في يدها، أو عن قيام "الحرس الثوري" بتحرير 85 في المئة من الأراضي السورية من أيدي ثوارها، كما لم تقل عن "الاتفاق/الإطار" مع الولايات المتحدة سوى العبارات التي ردّدها بعد التوقيع عليها معلّمها ووفده المفاوض في طهران.
لكن الأنكى أن هذه الأطراف، وكلها عربية، تزعم أن ما تفعله ايران وتدعمها هي فيه انما يصب في خدمة ما تسميه "القضايا العربية" وليس "الولي الفقيه" أو حتى أعداء العرب. بل انها تدعي أنها هي التي تمثل نبض الشارع العربي وتطلعاته القومية وليس نخبه السياسية والثقافية أو حتى أنظمة الحكم فيه.
هذه هي المعضلة التي يصح القول ان منطقة كاملة في العالم لم تشهد مثلها على مر التاريخ الا ما شهدته أوروبا في الحرب العالمية الثانية على أيدي النازية. ولا تحديداً، قام "الطابور الخامس" فيها بما يقوم به لدينا سوى مثيله ربما في فرنسا وفي غيرها.
ومشكلتنا مع ايران، ومع هؤلاء، هي هذه من دون ما عداها... بما في ذلك طموحات "الولي الفقيه" في أن يكون له دور كبير أو صغير خارج حدود بلاده.