الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التصعيد في إدلب يضع العلاقات بين روسيا وتركيا على المِحَك

التصعيد في إدلب يضع العلاقات بين روسيا وتركيا على المِحَك

10.02.2020
فالح الحمراني



القدس العربي
الاحد 9/2/2020
أثار التصعيد الأخير في إدلب، والانتقادات الشديدة التي وجهها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لروسيا، جدالا حول ما إذا كان تحالف دول التسوية في سوريا قد انفرط أم لا. ولكن حتى الآن تراهن الأطراف على الحفاظ على التعاون أكثر من العمل على تقويضه، رغم أن اختلاف المقاربات من تسوية الوضع المتعلق بإدلب ترك خدشا عميقا في العلاقات الثنائية.
وألقى حادث مقتل خمسة عسكريين أتراك وثلاثة خبراء مدنيين في هجوم شنه الجيش السوري في محافظة إدلب في الثالث من الشهر الجاري، والردً التركي بإطلاق النار على مواقع الجيش السوري و”احتواءها” حسب المصادر التركية، الظلال على مستقبل اتفاقات الرئيسين بوتين واردوغان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي في سوتشي، وتفاهمات صيغة أستانا بشأن تسوية الوضع المتعلق بمنطقة تخفيف التصعيد ـ إدلب. كما جعل الحادث الخلافات الروسية ـ التركية تطفو على السطح، وتكشف عن حقيقة أن هناك شراكة وتعاونا فعليا بين أنقرة وموسكو في المجال الاقتصادي، ولكن ثمة تناقضات عميقة في المقاربات السياسية بين الطرفين بشأن العديد من القضايا، بما في ذلك بصدد انضمام شبه جزيرة القرم، والأطراف المتحاربة في ليبيا وغيرها.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن ضربة للجيش التركي يمكن ان تكون قد وقعت لأن الجانب التركي لم يبلغ الروسي عن تحركاته في هذه المنطقة، وتم تقييم هذه الكلمات من قبل بعض المراقبين على أن موسكو قررت عدم المجاملة، وكانت في وقت سابق أكثر ليونة.
من ناحية أخرى، يعتقد خبراء عسكريون أن إنزال قوات بشار الأسد ضربة بالجيش التركي يمكن أن يكون بمثابة استفزاز أو خطأ، وإذا كانت استفزازا، فمن أجل تعكير أجواء العلاقات بين موسكو وأنقرة، وهناك افتراض يفيد بأن الهجوم السوري نُفذ بتأثير طرف ثالث، غير مرتاح لتحالف موسكو وأنقرة.
ويعتقد آخرون أن روسيا يمكن أن تكون قد باركت العملية السورية في إدلب (على الرغم من العواقب) بعد أن أصبحت تركيا مشاركًا نشطًا في النزاع في ليبيا وداعمة لأوكرانيا. وبالنسبة لتركيا، تعد إدلب نقطة مهمة، ووفقًا للخبراء، فهي تتيح لها تعزيز موقفها على طاولة المفاوضات بصدد مسألة الأراضي التي تسيطر عليها بعد العمليات العسكرية: “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”. كما يُلاحظ البعض وجود معنىً خفيً في كون الهجوم على الجيش التركي قد نُفِّذ عشية زيارة اردوغان إلى كييف، وإن تم ذلك عن قصد، فأن البرودة ستسري في العلاقات بين البلدين.
ولا يمكن أن لا تقلق هذه التطورات موسكو، وتسعى روسيا إلى التخفيف من حدة الموقف، والعودة إلى اتفاقات سوتشي وصيغة أستانا، بالرغم من أنها حَمَّلت بصورة واضحة أنقرة مسؤولية عدم الإيفاء بالالتزامات التي أخذتها على عاتقها في الاتفاقات الثنائية. وتعليقا على التطورات هناك قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في مقابلة مع صحيفة “روسيسكايا غازيتا”: إن تركيا فشلت في الوفاء بعدد من الالتزامات بشأن مشكلة إدلب. موضحا: لم تتمكن تركيا من الوفاء ببعض الالتزامات الرئيسية التي صُممت لحل مشكلة إدلب. والالتزام الأول، حسب لافروف، كان يقضي بفصل المعارضة المسلحة، التي تتعاون مع تركيا، والمستعدة للحوار مع الحكومة في العملية السياسية، عن جماعة “جبهة النصرة” التي قال الوزير “تم تجسيدها” في “هيئة تحرير الشام”. وأشار وزير الخارجية الروسية إلى أن كلا من المنظمتين مدرجة في القوائم الإرهابية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لذلك “ليس لجبهة النصرة، ولا تجسيدها الجديد في إدلب أي شيء تفعله”. وأضاف لافروف أنه يجب احترام “نظام التهدئة” في المنطقة، إلا أن ممثلي الجماعات المذكورة يواصلون الاستفزازات. وحسب تقديرات لافروف، فهناك سبب آخر للوضع الحالي، وهو أنه لم يتم إنشاء شريط منزوع السلاح من 10-20 كم داخل منطقة إدلب، وقال “لقد ذكرنا هذا أيضًا لشركائنا الأتراك”. ووفقا له، ستسعى وزارة الخارجية الروسية إلى الوفاء بجميع النقاط التي اتفق عليها رئيسا روسيا وتركيا. وانتقدت الخارجية الروسية تضامن واشنطن مع أنقرة، ووصفته في تعليق لها، بانه “وقاحة ورياء” معيدة الأذهان إلى فرض الولايات المتحدة العقوبات على تركيا، على خلفية قيامها بعملية نبع السلام.
تنفيذ الاتفاقيات
في غضون ذلك أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب اردوغان محادثة هاتفية، ناقشا خلالها التنسيق في سوريا، جاء ذلك في بيان صحافي على موقع الكرملين، ولفت الزعيم الروسي الأنظار إلى تفعيل الإرهابيين لحراكهم، الذي أدى إلى سقوط العديد من الضحايا بين السكان المدنيين، كما أكد على ضرورة تنفيذ الاتفاقيات الروسية التركية بشأن إدلب تنفيذاً صارماً. واتفق الطرفان على اتخاذ تدابير لزيادة تنسيق الإجراءات المشتركة في سوريا من خلال وزارات الدفاع، وأعربت كل من موسكو وأنقرة عن التزامهما بالحوار في الشأن السوري داخل إطار اللجنة الدستورية في جنيف. كما أشار الكرملين إلى أن المحادثة الهاتفية تمت بمبادرة من تركيا.
وحسب “رويترز” فقد ناقش اردوغان أيضًا مع بوتين الهجوم على القوات التركية في سوريا في 3 شباط/فبراير. وحسب الرئيس التركي، فإن هذه الأحداث تضر بالجهود السلمية المشتركة في المنطقة، موضحا إن أنقرة ستستخدم حقوقها في الدفاع عن النفس في حالة استمرار مثل هذه الهجمات.
وتدهور الوضع في سوريا في خريف عام 2019 عندما أطلقت تركيا عملية “نبع السلام” ضد الجماعات الكردية التي تعتبرها أنقرة إرهابية. واتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب اردوغان في خريف عام 2018 في سوتشي، على إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خط الاتصال في إدلب على عمق 15-20 كم لتنظيم دوريات مشتركة ورصد الامتثال لوقف إطلاق النار هناك، ووفقا لتلك الاتفاقات أنشأت تركيا 12 مركز مراقبة، يتواجد فيها الجيش التركي.
ويرى رسلان محمدوف، خبير المجلس الروسي للشؤون الخارجية “أن الوضع في سوريا ما زال كما كان قبل عام أو عامين، فقد كان من الواضح بالفعل أن الأطراف الضامنة لعملية أستانا، تحاول البدء في تحويرها وفقًا لأجندتها ومصالحها الخاصة. وأن الدول الأخرى ليست مهتمة بالتعاون في سوريا مثل الترويكا، وبالتالي، أن ترك هذا التنسيق لا يصب في مصلحة الأطراف الضامنة”. ويشير إلى أن تفاقم الوضع يرجع الآن إلى حقيقة أن دمشق تخلط الأوراق وأن “الترويكا” لا تفهم دائمًا كيفية الرد.
ويرى مراقبون إن الأسد شن هجومًا في إدلب، وأهدافه مشتركة من حيث المبدأ مع الجانب الروسي، حيث إن استعادة السيطرة على طريقي M4 وM5 التي ستكون من وجهة النظر اللوجستية مفيدة للحكومة السورية ولروسيا، علاوة على ذلك، تضعف الجماعات المناهضة للحكومة، وتشتت مواردها.
ويجمع المراقبون على إن الوضع في إدلب وفي العلاقات مع تركيا لم يخرج عن السيطرة تماما، وينطلقون بذلك من أن روسيا وتركيا اكتسبتا خبرة في التعاون المستمر حتى مع وجود أهداف متباينة، لأن البلدين يحتاجان إلى بعضهما البعض لحل المشكلات العملية.
وترجح بعض القراءات أن أنقرة ستحاول إبرام اتفاق جديد بشأن إدلب مع موسكو، ولكنها ترصد وجود فرص قليلة للقيام بذلك وفق شروط مواتية لأنقرة، وترجح ان أنقرة ستفقد بموجب الاتفاقية الجديدة، السيطرة على أهم المناطق الاستراتيجية في إدلب، وسيتم إنشاء منطقة عازلة على الحدود مع تركيا، وبالتالي يتوقعون تقسيم إدلب إلى عدة مناطق نفوذ.