الرئيسة \  تقارير  \  أوبزيرفر : حرب أوكرانيا أثرت على قوة روسيا الناعمة في جوارها ودول وسط آسيا

أوبزيرفر : حرب أوكرانيا أثرت على قوة روسيا الناعمة في جوارها ودول وسط آسيا

13.03.2023
إبراهيم درويش

أوبزيرفر : حرب أوكرانيا أثرت على قوة روسيا الناعمة في جوارها ودول وسط آسيا
إبراهيم درويش
لندن- “القدس العربي”:
الاحد 12-3-2023
نشرت صحيفة “أوبزيرفر” تقريرا لأندرو روث، قال فيه إن روسيا خسرت قوتها الناعمة، مشيرا إلى أن حرب أوكرانيا أخافت حلفاء الاتحاد السوفييتي السابقين.
وقال إن الاحتجاجات في جورجيا الأسبوع الماضي، هي آخر مثال عن تأثير حرب فلاديمير بوتين الكارثية على العلاقات مع دول الكتلة الشرقية السابقة. وكان المحتجون في العاصمة الجورجية تبليسي قد تدفقوا باتجاه البرلمان احتجاجا على قانون “العملاء الأجانب”، وهتف المتظاهرون بشعارات “لا للقانون الروسي” وشجب الكثيرون حالة الديكتاتورية والإمبريالية التي يربطها الكثيرون في دول الاتحاد السوفييتي السابق، اليوم بروسيا.
وكان القانون هو محاولة من حزب الحلم الجورجي لملاحقة وقمع المجتمع المدني في الانتخابات المقبلة. إلا أن علاقة الحزب المفترضة مع موسكو وملامح التشابه بين القانون الجورجي وقانون روسيا المتعلق بالمنظمات الأجنبية “العملاء الأجانب” كانت بمثابة الصرخة  الشعبية للجورجيين الذين انضموا للتظاهرات.
وقال كورنلي كاكاشيا، البرفسور في جامعة الدولة بتبليسي، ومدير مركز السياسة في العاصمة: “كل شخص يعرف أن روسيا لا تحظى بشعبية هنا” و”يريدون تعريف الجورجيين ماذا سيحدث نتيجة لهذا القانون، فقط أنظروا إلى ما حدث في روسيا”. ولكن الغزو الروسي لأوكرانيا زاد من مخاوف دول المنظومة السوفييتية السابقة، من يريفان (أرمينيا) إلى تشيسناو (مولدوفا) وتبليسي وأستانة (قازخستان) وأدى إلى إعادة النظر بالدور الروسي كشريك مستقر، وزاد من ظاهرة بين الشبان الذين ولدوا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي للتعبير بقوة عن معارضتهم للتأثير الروسي في المنطقة.
وأضاف كاكاشيا: “لقد خسرت روسيا قوتها الناعمة، لم يعودوا يعرفون كيف يستخدمونها مع جيرانهم، فق استخدام القوة الغاشمة”.
وتضيف الصحيفة أن الأفعال الروسية ارتدت عليها عكسا وبطرقة متعددة، فقد سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون لتقديم كميات كبيرة من الأسلحة لكييف، وتخلت كل من فنلندا والسويد عن حيادهما وقدمتا طلبا للانضمام إلى حلف الناتو.
وأظهرت هذه الدول قوة في فرض العقوبات ورفضا لاستقبال النفط الروسي. واهتزت الجهود الروسية لبناء علاقات مع جيرانها وتنشئة نخبة مرتبطة وتابعة لموسكو بسبب غزو أوكرانيا. وقالت نرجس كاسينوفا، مديرة برنامج آسيا في مركز ديفيز للدراسات الروسية والأوراسية بجامعة هارفارد: “كيف تعيش إلى جانب دول سامة؟”، وتجيب: “من الصعب، نظرا لمكامن الضعف وقربنا لا نستطيع التحرك خارج المنطقة، وعلينا العيش إلى جانب روسيا، ولهذا فنحن مضطرون للبحث عن تسوية مؤقتة. هذا ليس سهلا، ولكنها قد تكون فرصة جيدة لبناء نوع من السيادة والابتعاد جزئيا عن روسيا”.
 في عام 2020، ساعد بوتين على إبرام تسوية بين أرمينيا وأذربيجان، ونشر 2000 جندي لحفظ السلام في منطقة ناغورني كاراباخ. وتم تصوير جهوده بأنه مفاوض ماهر. ونظرا لأنه حرف نظره باتجاه أوكرانيا، عاد التوتر إلى المنطقة من جديد. وتستغل أذربيحان الفراغ وتشعر بالجرأة بسبب ما فعلته روسيا في أوكرانيا. ومنذ كانون الأول/ ديسمبر، قامت الجماعات المسلحة الموالية لأذربيجان بإغلاق الممر الوحيد إلى ناغورني كاراباخ بشكل أدى لنقص المواد الغذائية والكهرباء هناك. ولم تتدخل القوات الروسية التي تعرضت للتهميش وتعاني من نقص الإمدادات.
ويقول ريتشارد جيراغوسيان، مدير مركز الدراسات الإقليمية في العاصمة الأرمينية: “لم ينحرف انتباه روسيا فقط، بل باتت مثقلة بغزوها الفاشل في أوكرانيا، وخسرت المبادرة الدبلوماسية فيما يتعلق بأرمينيا- أذربيجان وكذا ناغورني كاراباخ”.
إلا أن أرمينيا تعتمد على روسيا في مجال الدفاع والتجارة والأمن والتي تضاعفت خلال العام الماضي. وأي محاولة لمواجهة التأثير الروسي مباشرة، ستكون بمثابة “انتحار” كما يقول جيراغوسيان، و”بالنسبة لأرمينيا، فقد برزت روسيا كتحد خطير” والتحدي هو أن روسيا لم تعد قوة يوثق بها، ولم تعد منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، ذات معنى.
وفي الوقت الذي انحرف انتباه روسيا إلا أنها باتت أكثر عدوانية باتجاه جيرانها من ناحية “ابتزازهم” للولاء، بل والتهديد بسيناريو على الطريقة الأوكرانية. ففي مولدوفا، حذرت الرئيسة مايا ساندو من أن روسيا تخطط لانقلاب، و”تشمل الخطة تخريبا وعسكريين يرتدون الزي المدني للقيام بأعمال عنف والهجوم على مباني الحكومة واختطاف رهائن”، وذلك في مؤتمر صحافي الشهر الماضي دعت فيه لرفع مستويات الأمن.
وقالت الصحافة في المنطقة التي تدعمها روسيا في مولدوفا، بأن عملية أُحبطت لاغتيال زعيمها وحذرت الولايات المتحدة من أن لاعبين روساً على علاقة بالمخابرات الروسية يحاولون استخدام الاحتجاجات للتحريض على العصيان ضد حكومة مولدوفا.
وقال إيوليان غروزا من معهد السياسات الأوروبية والإصلاح في تشيسناو، إن روسيا تقوم ببناء ما يطلق عليها “تبعية الطاقة والكنيسة والإعلام واستخدام العدوان المهجن. منذ بداية الحرب العام الماضي، زادت كل المخاطر النابعة من روسيا، فالطموحات الإمبريالية الروسية ليس مقتصرة على أوكرانيا، ولكن لزيادة السيطرة وتوسيع تأثيرها بما فيها مولدوفا”. وفي الوقت الذي كان هذا هو الوضع قبل الحرب، إلا أن التهديد بالسيناريو الأوكراني لم يعد مقصورا على الدعائيين الروس، بل نابع من المسؤولين الروس البارزين.
ويرى الباحث أن استخدام روسيا المصادر للضغط، جاء بأثر سلبي عليها. فقد نفّرت المتعاطفين معها داخل البلد، وأجبرت مولدوفا على تقليل اعتمادها على الغاز الروسي رغم الكلفة العالية، وزيادة قانون تطبيق الرقابة السياسية في البلد مثل الأوليغارشي الهارب إيلان شو، المعروف بروابطه مع موسكو.
تحولت سياسة روسيا إلى أسلوب ليّ الذراع بدلا من نشر تأثيرها بشكل لطيف. ويرى بوب دين، الخبير بالمنطقة والزميل بمعهد كلينغديل: “كان على روسيا التحول من استخدام استراتيجية القوة الناعمة والنفوذ، ولكنهم لم يحتاجوا إلى سياسة الإكراه في كل الأوقات”، مضيفا أنهم قاموا في “مولدوفا بتربية عدد من السياسيين، وكان لهم حضور قوي في الإعلام ومحتوى روسي واسع، وكان هناك ميل حقيقي داخل قطاع واسع من الشعب”.
ويقول إن “كل هذا تلاشى بسبب الحرب في أوكرانيا”، حيث استخدمت روسيا نفوذها على تدفق الغاز كوسيلة تهديد سياسي بشكل أثّر على الاستقرار. وتأثرت صورة روسيا بعد الغزو بين أكبر حلفائها في وسط آسيا، كما يقول تيمور عمروف الباحث في وقفية كارنيغي للسلام العالمي، ومقره في قيرغيستان. وقال: “بالنسبة للكثير من الناس، بدت روسيا مستقرة نوعا ما، لكنها تبدو اليوم بلدا لا يمكن التكهن به، وليس النموذج الذي يريد الجميع اتباعه”.
ويوضح: “كما لعبت الفجوة بين الأجيال دورا في ذلك، حيث بات الجيل الشاب مهتما بتاريخ بلده. وفي الوقت نفسه، احتفظت النخب السياسية “بعنصر ثقة كبير بالنخب السياسية الروسية ولا أرى تغيرا في هذا”. مضيفا: “نرى أن دولا تبنت موقفا براغماتيا من أجل لمصالحها” في إشارة لزيادة التصدير من قازخستان وقيرغيستان إلى روسيا، وصفقات التعاون بين قازخستان وأوزبكستان.
ويقول عمروف: “كل ما تريده دول وسط آسيا هو تجنب الوقوع تحت طائلة العقوبات والحصول على مميزات قدر الإمكان من الأزمة السياسية”.
زدعا قادة دول يعتمدون على موسكو مثل إيمومالي رحمانوف إلى اهتمام بوتين والاستثمار. ووسعت روسيا العلاقات مع دول آسيا الوسطى، حيث زار بوتين في عام 2022 الدول الخمس، وعقد عبر “زووم” 50 لقاء مع قادة دول وسط آسيا. وتقول كاسينوفا: “نظرا لأن الغرب مغلق أمام روسيا، فهي تركز على وسط آسيا”.