الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللجنة الدستورية السورية.. الاستحقاق الصعب

اللجنة الدستورية السورية.. الاستحقاق الصعب

03.11.2019
بهاء العوام


العرب اللندنية
السبت 2/11/2019
في كلمات ممثلي وفدي الحكومة والمعارضة في اجتماعات اللجنة الدستورية العليا بجنيف، ما يبعث على التفاؤل بأن الطرفين قدما إلى المفاوضات دون شروط مسبقة أو أجندات غير واقعية.
بصياغة أخرى، لم تشترط المعارضة رحيل بشار الأسد قبل إعداد الدستور، ولم تُخوّن دمشق المعارضة، التي حضرت لبحث صياغة دستور للبلاد، تعديلا على الحالي أو تأسيسا لآخر جديد.
السبب ذاته، والذي يبرر التفاؤل في مفاوضات اللجنة الدستورية، يستدعي القلق. فهذه المرونة التي يبديها الطرفان قد تبطن قرارا بالمماطلة والتراخي في بلوغ الهدف المطلوب. لا شيء يستدعي الإسراع بالأمر من جهة دمشق على الأقل، فخلال الأسابيع القليلة الماضية حمل الميدان كثيرا من المؤشرات التي تجعل النظام يتفاءل بمستجدات إيجابية دون أيّ تنازلات في الأزمة.
لو كان بشار الأسد يدري أنه سيستيقظ يوما ليرى الولايات المتحدة تغادر الشمال السوري، وروسيا تحمل جيشه إلى مناطق الجزيرة والحدود مع تركيا، ربما كان قد تمهّل كثيرا في اختيار ممثليه للجنة الدستورية. أو ربما طالب بحصة أكبر في اللجنة على حساب المعارضة أو المجتمع المدني. جميع الاحتمالات كانت واردة ولكن لم يعد أيّ منها متاحا. قُضي الأمر وتشكلت اللجنة.
لا نبالغ في القول إن المهمة الملقاة على عاتق اللجنة الدستورية ليست مستحيلة. فالعديد من مواد الدستور المنشود متفق عليها سلفا. حتى أن الحديث عن تعديل الدستور الحالي للبلاد لا يعدّ تنازلا للأسد كما يروّج البعض. الدستور السوري الحالي ينطوي على نقاط جيدة ويمكن الاستعانة بها، دون أن يحتسب ذلك كفرا أو خيانة للوطن أو طعنا في المؤيدين للمعارضة أو الحكومة
نقاط الخلاف التي ستواجه اللجنة الدستورية عديدة، بدءا باسم الدولة بين عربية سورية أو سورية فقط، وصولا إلى صلاحيات رئيس البلاد، ومرورا طبعا بتفاصيل تتعلق بهوية الدولة بين علمانية ومدنية. هذه الخلافات لن تحل بسهولة طبعا، واللجنة لن تنجز عملها بجهود سورية بحتة دون تدخلات خارجية، وخاصة من قبل رعاة أستانة. لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك سلبيا.
يتوقع الجميع إجبار الحكومة والمعارضة على حلحلة نقاط خلافية في الدستور المرتقب، كما أجبروا على حلحلة الخلافات في عدة قضايا ميدانية وسياسية خلال السنوات الثماني للأزمة. القاعدة التي اعتدنا عليها طوال السنوات الماضية من الأزمة تقول إنه عندما تقرر الأطراف الدولية أن تتقدم خطوة باتجاه حل الأزمة، يتوجب على الأطراف المحلية تذليل جميع الصعوبات أمامها.
في هذا السياق يمكن القول إن تشكيل اللجنة الدستورية هو الخطوة التي تم الاتفاق عليها بين الأطراف الدولية المعنية، وليس موعد ولادة الدستور وبنوده. تمتلك هذه الأطراف رؤيتها للدستور المرتقب، حتى أن روسيا أعدت دستورا سوريا منذ نحو ثلاثة أعوام وتحتفظ به في أدراج الأروقة السياسية المظلمة. وعندما يحين الوقت سيظهر هذا الدستور بغرض الاسترشاد به على الأقل.
بعيدا عن ضغوط الأطراف الخارجية فإن الخلاف حول مواد الدستور المرتقب، لا ينحصر فقط بين الحكومة والمعارضة. قوى المعارضة تتباين بينها حول نقاط عدة مثل علمانية الدولة أو مدنيتها، ومثل موقع الدين الإسلامي كدين للدولة، أو أحد مصادر التشريع في الدستور، إضافة إلى المواد التي يفترض أن تحفظ حقوق الأقليات دون أن تشعر الأكثرية السنية بالاضطهاد.
ولا تعني الإشارة إلى تباين الرؤى بين كتل المعارضة، الاعتراف بقوة موقف الحكومة في مفاوضات صياغة الدستور. وفد دمشق لن يناقش مقترحات ممثلي المعارضة والمجتمع المدني بديمقراطية، وإنما اعتمادا على مرجعية واحدة لا يمكن المساس بها. هذه المرجعية التي عرفها السوريون على مدار خمسة عقود، وفحواها باختصار أن “الأسود” هم فقط من يعرفون ويقررون صالح البلاد.
ثمة أمر آخر يستحق الملاحظة في الجولة الأولى من مفاوضات الدستور، وهو أن شخصيات من اللجنة تحلم بالترشح إلى رئاسة الدولة أو الوصول إلى رئاسة البرلمان أو الحكومة. يجب أن يكون هذا الحلم مشروعا لجميع السوريين، وبالتالي لا بدّ أن تكون مواد الدستور الجديد واضحة إلى حدّ لا يدع حاجة لاعتراف من مرجعية دينية، ولا يستدعي تعديلا لاحقا بضغط من الشارع.
بينما يجلس السوريون لإعداد دستورهم الجديد في جنيف، يشتعل لبنان والعراق في تظاهرات تسببت بها قبل كل شيء دساتير لم تلبِّ تطلعات الشعب في كلّ من البلدين. يستحق الأمر من أعضاء اللجنة الدستورية التأمل جيدا. صياغة الدستور استحقاق يحتاج منهم ومن السوريين جميعا تضحيات وتنازلات كثيرة. ثمة فرصة أمام السوريين لتفادي أخطاء الجوار، والتأسيس لمستقبل لا تنقم فيه الأجيال القادمة على كل من شارك في إعداد الدستور، بشكل مباشر أو غير مباشر.