الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحلول التقليدية لن تنقذ إدلب

الحلول التقليدية لن تنقذ إدلب

06.02.2020
عقيل حسين



سوريا تي في
الاربعاء 5/2/2020
يبدو وكأن الوضع في إدلب دخل الساعة الأخيرة، التوصيف قاسٍ بلا شك، لكنه الواقع ولن نقول الحقيقة، عسى أن تكون الحقيقة مختلفة، أو أن يحمل واقع اللحظات التي تلي دفع هذا المقال إلى النشر حقائق جديدة تكون في صالح الثلاثة ملايين إنسان المحشورين في هذه المنطقة.
لا يمكن الحديث بأي حال عن مفاجأة، فالجميع كان يتوقع سيناريو خطير لإدلب بعد تجميع الرافضين للنظام في شريط حدودي ضاق بهم، وما زال يضيق عليهم أكثر مع كل تقدم جديد للنظام وحلفائه.
وأيضاً لا يمكن الحديث عن الأسباب والمقدمات التي قادت إلى هذه النتائج، فالوقت لا يحتمل اللوم بقدر ما يتطلب اجتراح حلول، أو على الأقل التفكير بالخيارات الممكنة من أجل انقاذ إلناس وكذلك مصير الثورة الذي لم يكن في خطر مثلما هو عليه الآن.
لكن عند التطرق لهذه النقطة، تبدو كل الأفكار غير عملية أو مرضية تماماً، وأصلاً لم يعد لدى المعارضة والثوار خيارات كثيرة يمكن أن يناقشوها، بعد أن فقدت مؤسساتنا السياسية والعسكرية زمام الأمور، وتاهت بين خيوط اللعبة التي لا بد من القول إنها باتت ومنذ سنوات، أكبر من قدرات السوريين وطاقاتهم.
خيار الاستسلام: يطرح البعض خيار التفاوض المباشر مع الروس، باعتبارهم القوة المهيمنة على النظام، والتفاهم معهم على حل ما يحفظ أرواح الناس وما تبقى من جدران وأشجار وخيم تؤويهم، عارضين أمثلة لمناطق سورية أخرى اختارت هذا الطريق قناعةً بعدم إمكانية أو جدوى مقاومة دولة إمبراطورية وقوة عظمى، كدرعا وريف حمص، لكن حتى هذا الخيار لا يمكن أن نتوقع من موسكو الترحيب به لأسباب عديدة.
فمن ناحية، ينظر النظام وحلفاؤه إلى منطقة إدلب باعتبارها منطقة تجمع الأعداء الأكثر رفضاً لهم، وربما أيضاً يعتبرونهم الأكثر خطراً على مستقبل عودة النظام للسيطرة على الأرض، أي باختصار، منطقة تجمع كل من لا يمكن أن يقبل بسلطة النظام وسيقاومها في أي لحظة يمكنه فيها فعل ذلك، وبكل وسيلة قد تتوفر له، وهو ما أشار إليه إعلاميون روس في أحاديثهم ومداخلاتهم الإعلامية التي تعكس بلا شك رؤية الحكومة الروسية بشكل أو بآخر.
ومن ناحية ثانية، فإنه ومقابل توصل بعض المناطق لتسويات أو مصالحات أو اتفاقات مع الروس، فإن موسكو رفضت وبشدة القبول بمثل هذه الاتفاقات في مناطق أخرى، كما حصل في حلب وكذلك الغوطة الشرقية، وبالتالي فإن هذا الخيار المؤلم والقاسي لا يبدو أن قبوله مضموناً من قبل الطرف الآخر المنتشي بانتصاراته، حتى لو قبلت به الفصائل والحاضنة الشعبية تحت ضغط الواقع الكارثي على سكان المنطقة.
أضف إلى ذلك قضية المقاتلين غير السوريين، وأيضاً الفصائل المصنفة على قوائم الإرهاب الموجودة في هذه المنطقة، والتي لا تلوح في الأفق حتى الآن أي بوادر لإيجاد حل مقبول لها، وروسيا شديدة الاستثمار في هذه المسألة، إن كان دولياً، حيث تقدم نفسها على أنها تحارب (الإرهاب) في إدلب، وإن كان على صعيد تحركاتها المشتركة مع تركيا، حيث تعتبر موسكو أن أنقرة فشلت في إيجاد حل لهذه العقدة.
وبوصول الحديث إلى تركيا، فإن هناك طيفاً واسعاً من المعارضة السورية يعتبر أنه ورغم كل شيء، ما يزال، أو ليس هناك سوى أمل واحد لوقف هذه المذبحة المفتوحة، ويتمثل بخروج تركيا عن تحفظها وأن تتحرك بقوة لفرض وقف إطلاق نار جدي وحقيقي.
ينظر النظام وحلفاؤه إلى منطقة إدلب باعتبارها منطقة تجمع الأعداء الأكثر رفضاً لهم، وربما أيضاً يعتبرونهم الأكثر خطراً على مستقبل عودة النظام للسيطرة على الأرض
تحرك الفصائل خلال الأسبوع الماضي في حلب عند مدخلها الشمالي الغربي (جمعية الزهراء)، وكذلك في ريف مدينة الباب، يمكن قراءته في هذا الإطار بكل تأكيد، أضف إليه عودة فصائل ريف حلب الغربي إلى مناطقهم التي هجرتهم منها هيئة تحرير الشام، ويبدو أن الرسالة سواء، أكانت تركية أم من جانب المعارضة، كانت تقول بوضوح أنه بإمكاننا أيضاً خلط الأوراق إذا ما استمرت التطورات على هذا النحو الكارثي.
أيضاً دخول أرتال قوات عسكرية تركية إضافية إلى محيط مدينة سراقب، وهي قوات مقاتلة هذه المرة، وتبادل هذه القوات القصف مع قوات النظام ما أدى لسقوط ضحايا من الجانبين، لا يمكن إخراجه من سياق الحديث عن تصعيد تركي محتمل أو ممكن أو مطلوب من قبل المعارضة السورية.
لكن هل هذا يكفي؟!
لا تشير المعطيات إلى أن حلفاء النظام مقتنعون بخيار التوقف عن التصعيد العسكري رغم كل ذلك، خاصة أنهم يحققون تقدماً على الأرض، وبالتالي فإن الكرة مجدداً تعود إلى ملعب الفصائل التي تعاني للأسف من غياب السلاح النوعي ومن فارق موازيين القوى بشكل لا يمكن أن يقارن حتى، وحتماً تعاني من الضغط الشعبي الهائل من أجل إيجاد مخرج مقبول.
لكن من قال إن إنقاذ الناس والثورة هي مهمة الفصائل العسكرية وحدها اليوم، حتى وإن كانت هذه الفصائل تتحمل، وخاصة تلك التي حاربت الفصائل الأخرى وفككت كثير منها، المسؤولية الأكبر عما آل إليه الوضع اليوم؟
إن كل مؤسسات وقوى المعارضة السياسية والمدنية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى من أجل العمل على اجتراح حلول تحفظ أرواح الناس في إدلب وكرامتهم بطبيعة الحال، فحتى الآن لا تبدو الخيارات التقليدية كافية، أما المحاسبة، فيمكن تأجيلها بعض الوقت اليوم طالما أن الجميع يؤجلها منذ سنوات، دون أن يعني ذلك براءة ذمة لأحد.