الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الذكرى الثامنة لانطلاق الثورة – العمل المسلح: الإخفاقات والنتائج

الذكرى الثامنة لانطلاق الثورة – العمل المسلح: الإخفاقات والنتائج

19.03.2019
خالد المطلق



جيرون
الاثنين 18/3/2019
ثلاث سنوات أزهر فيها الربيع السوري انتصارات، أثلجت صدور التواقين إلى الحرية والحالمين بالتخلص من الاستبداد والظلم، ثلاث سنوات حررت سورية من الخوف الجاثم على صدور شعبها طوال أربع عقود، ثلاث سنوات حررت أغلب الأراضي السورية من نير الاستبداد الأسدي، ثلاث سنوات كانت مشرقة في تاريخ سورية الحديث وتاريخ الإنسانية، بانتصارات “الجيش السوري الحر” وسطوع أحلام كادت أن تصبح واقعًا ملموسًا، فمَن كان يحلم بأن ينتفض الشعب السوري، ويخرج من قمقمه على أعتى نظامٍ في العالم، يملك من أدوات ردع لشعبه ما لم يمتلكه العالم بأسره؟ نظام عمد طوال فترة حكمه إلى التحضير لمثل هذه الساعة، على المستويات العسكرية والأمنية، خاصة المؤسسات التي كانت ترفع راية “المقاومة والممانعة” كغطاء لها، فالأسلحة التي تم شراؤها من جيوب الشعب السوري لم تُطِلق طلقًة واحدًة في وجه من يفترض أنه عدو هذا الشعب، وإذا بحثنا قليلًا ودققنا في صفقات الأسلحة التي عقدها الأسد الأب والابن من بعده؛ وجدنا أن جُل هذه الأسلحة تقليدية، لا يمكن لها أن تواجه تقدم وتطور الأسلحة التي يمتلكها عدو الشعب السوري التاريخي، ويمكن أن نقول إن سبب ذلك واضحٌ للعيان، ولا حاجة إلى توضيحه، من خلال المواقف التي اتخذها الكيان الصهيوني بعد انطلاق الثورة السورية، وهي تكشف حقيقة العلاقة الوثيقة، بين الصهاينة وعائلة الأسد، والدور المحوري الذي لعبته تل أبيب في بقاء الأسد في سدة الحكم، وهذا هو أحد أهم الأسباب التي حولت انتصارات الثلاث سنوات الأولى من عمر الثورة، إلى هزائم أدت إلى إعادة سيطرة الأسد على أغلب المناطق المحررة، فالسنوات الأربع الأخيرة من عمر الثورة لم تكن إلا كوارث متتالية على الشعب السوري وثورته، خاصة على الصعيد العسكري والأمني الذي كان أحد أهم أسباب وصول الثورة إلى ما هي عليه الآن.
إذا أردنا أن نبحث في الأسباب التي أدت إلى ذلك، من الناحية العسكرية والأمنية؛ فسنجد أن كثيرًا منها أسباب داخلية وأسباب خارجية، وأعتقد جازمًا أن أهم الأسباب الداخلية التي غدرت بالثورة يتعلق بقادة الفصائل ومن حولهم، ويمكن أن نقول، على أقل تقدير، إن هؤلاء لم يكونوا بمستوى الثورة وإرهاصاتها، نتيجة عدم امتلاكهم المؤهلات الفكرية والعلمية التي يمكن أن تجاري متطلبات الثورة، من حيث عدم استيعابهم لمسألة تقاطع مصالح الشعب السوري مع مصالح أصحاب القرار في العالم، ولهذا تم احتواء هؤلاء وتدجينهم. ويمكن أن نقول أيضًا إن أحد أهم الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الاختراقات الأمنية التي أصبحت ظاهرة على نطاق واسع، ابتداء من أصغر فصيل بالثورة، وصولًا إلى رأس هرم الثورة ومؤسساتها الرسمية السياسية والعسكرية والإغاثية، وهناك المئات من الأمثلة والحوادث التي تثبت ذلك، ويمكن أن نقول إن السبب الرئيس هو عدم وجود جهاز أمن خاص بالثورة، يقوده مختصون في شؤون الأمن والاستخبارات، ومع الأسف، نجد أن مَن عارض تشكيل هذا الجهاز موجود الآن على رأس مؤسسات الثورة، وقد ثبت فشله، وثبت أن رفضه لتشكيل جهاز كهذا لم يكن صدفة إنما كان لأسباب شخصية وحزبية، إذ لا يريد هؤلاء ترك أي إثبات على ما يقومون به من تجاوزات سياسية وأمنية ومالية، بحق الشعب السوري وثورته، وليتفردوا في قرارات الثورة السورية، بحسب مصالحهم الخاصة والحزبية، ومع الأسف كان هؤلاء الخنجر المسموم الذي أصاب الثورة في مقتل من صدرها، نتيجة انشغالهم بمصالحهم عن علم ودراية كاملة، بل كانوا جزءًا أساسًا من السيناريو الذي تم تنفيذه، واستُخدموا كغطاء للقرارات التي تُتخذ، نتيجة الصفة التي يحملونها كممثلين رسميين لمؤسسات الثورة.
أما الأسباب الخارجية التي حرفت مسار الثورة، وأضاعت جهد ودماء وإنجازات ثلاث سنوات من الكفاح، فيمكن أن نلخصها بوصول أصحاب القرار في العالم إلى قناعة -بعد الأعوام الثلاثة الأولى للثورة، وبعد الدراسات والتجارب والغربلة على جميع الشخصيات والكيانات، ممن تصدروا المشهد في الثورة عسكريين وسياسيين- بأن هذه الثورة ليس لها قيادة حقيقية، ومن يقودها لا يملك الإمكانات التي تؤهله لقيادة دولة مثل سورية، بموقعها الجيوسياسي الخطير، ومن حاولت بعض الدول الاعتمادَ عليه، لامتلاكه هذه المؤهلات، أسقطه من احتكر مؤسسات الثورة على مبدأ: “أنا ومن بعدي الطوفان”، وهذا ما رسخ قناعة هؤلاء بأن بقاء الأسد ونظامه إلى حين، يمكن أن يحافظ على سيطرتهم على الدولة السورية ومؤسساتها، ريثما يتم تحضير البديل الملائم الذي سيحكم هذا البلد، ومن هنا بدأ المطبخ الدولي يحضر لسيناريوهات تتلاءم مع مصالحه، متجاهلًا مصالح الشعب السوري وثورته، وبدأت الثورة السورية بمرحلة التراجع، من بداية العام الرابع لانطلاقها، وفق مخطط شارك الجميع فيه، فظهرت الفصائل الراديكالية التي تم تحضير قادتها وشرعييها في أقبية سجون مخابرات الأسد ومالكي العراق ونظام الملالي في إيران الوثيق العلاقة مع تنظيم القاعدة، ومن بعد زج هؤلاء في الساحة السورية بوجههم القبيح؛ انبرى الأسد وحلفاؤه إلى إعلان الحرب على الإرهاب الذي يمثله هؤلاء، وتماهى مع ذلك كثيرٌ من الأطراف الإقليمية والدولية، حتى أصبحت هذه الفصائل تسيطر على أغلب المناطق المحررة، إلى أن شُكل التحالف الدولي لمحاربة هذه التنظيمات، وخاصة (الدولة الإسلامية في العراق والشام/ داعش) التي انسحبت من المناطق التي سيطرت عليها، بعد تدميرها وتهجير سكانها، وبهذا تكون هذه التنظيمات المصطنعة قد أدت الدور المطلوب منها في وأد الثورة، بانتظار آخر فصل من فصول هذه التنظيمات التي لم يتبق منها إلا ما يسمى (هيئة تحرير الشام/ النصرة).
خلاصة القول إن المراحل التي مرت بها الثورة السورية، وبخاصة السنوات الأربع الأخيرة التي كانت أشد وطأة وأكثر وبالًا على الشعب السوري، لم تأت من فراغ بل خُطط لها بدقة متناهية، وشارك في تنفيذها بعض أصحاب المصالح الضيقة، من عسكريين وسياسيين متسلحين بغطاء التقية تارة والوطنية الزائفة تارة أخرى، وقد ساعدهم في ذلك عدم وجود جسم متماسك لقيادة الثورة، عسكريًا وسياسيًا، وهذا بدوره أدى إلى عدم وجود مؤسسة أمنية وعسكرية موحدة للثورة السورية، التي يبدو أنها تشارف على مراحلها الأخيرة، إن بقي من يتصدر المشهد دون حساب أو عقاب رادع، ومن الممكن أن يعيد الثورة إلى طريقها ومسارها الصحيح. وأعتقد بأن هذا لن يحدث إلا إذا هبّ الشعب الثائر مرة أخرى، لعزل هؤلاء ومحاسبتهم، وإعادة الثورة إلى أصحابها الحقيقيين، ومن خلال ذلك يمكن رسم الخطط والاستراتيجيات التي تخدم الثورة السورية وانتصارها، ويمكن أن نقول إن أحد أهم هذه الاستراتيجيات هي المقاومة الشعبية التي يجب أن تنطلق من كل بيت وحي وقرية ومنطقة، معتمدة على سواعد أبناء الثورة، مبتعدين من التبعية والاستزلام للداعمين، ويمكن بهذا أن نحقق النصر الذي طالما حلمنا به ودفعنا الغالي والنفيس من أجل تحقيقه.