الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية ومفاوضات في حقل ألغام مسار أستانة (4-4)

الثورة السورية ومفاوضات في حقل ألغام مسار أستانة (4-4)

09.10.2017
أسامة أبو زيد


العربي الجديد
الاحد 8/10/2017
بطلبٍ من قادة الفصائل الموقعة على اتفاق أنقرة، وبرعاية من الحكومة التركية، احتضنت العاصمة التركية اجتماعاً موسعاً، شاركت فيه شخصيات ثورية وسياسية وإعلامية من مختلف قطاعات الثورة السورية والائتلاف الوطني السوري والهيئة العليا للمفاوضات، لمناقشة المشاركة في الجولة الأولى من مفاوضات أستانة. ولم يكن من السهل اتخاذ القرار بالمشاركة، وسط تصعيد كبير على وادي بردى من حزب الله ومليشيات النظام، أو الامتناع عن المشاركة، وما يعنيه ذلك من عودة المواجهات العسكرية المفتوحة مع النابالم والفوسفور الأبيض الروسي.
استمر الاجتماع يومين، اختتمته الفصائل باجتماعٍ مغلق قرّرت، في نهايته، المشاركة في الجولة الأولى من المفاوضات، مع تحفظ من حركة أحرار الشام التي أعلنت دعمها الوفد المفاوض، من دون عضويته، لم تكن مشاركة القوى الثورية في أستانة تستند إلى اعتماد أستانة مسارا لحل شامل للقضية السورية، وإنما مستمدة من حاجة المناطق المحرّرة لهدنة حقيقية، تعيد الحد الأدنى من ملامح الحياة الطبيعية للمدن المحرّرة التي باتت مدمرة، بفعل آلاف من غارات سلاح الجو الروسي. ومن جهة ثانية، كانت الفصائل، وبعد خسارة حلب، في أمس الحاجة لالتقاط أنفاسها، بعد ملحمة كسر الحصار التي خسرت فيها أعداداً ضخمة من العتاد العسكري، وأيضاً من القادة الميدانيين.
كان التصعيد الهمجي ضد وادي بردى دافعاً لعدم المشاركة. ولكن، في الوقت نفسه، لم يكن لدى جميع الحضور إمكانية تقديم أيٍّ من أشكال المساعدة العسكرية له، أو للمناطق المحاصرة في ريف دمشق، لذلك كان "أستانة"، في نظر وفد القوى الثورية، فرصة ضئيلة، وليست مؤكدة، لإنقاذ وقف إطلاق النار في الوادي، وفي سواه من المناطق المحاصرة المرهقة، وهو بالتأكيد أمر كان يستحق المحاولة.
 
(2)
شارك في الجولة الأولى من مفاوضات أستانة المبعوث الأممي للقضية السورية، ستيفان دي ميستورا، وشهدت حضوراً خجولا من المبعوثين الأوروبيين الى القضية السورية، وشاركت القوى العسكرية بوفد موسع، تميز بوجود ممثلين لكل الفصائل العاملة على الأرض السورية، باستثناء حركة أحرار الشام، ورافقه وفد تقني من الهيئة العليا للمفاوضات، يضم خبرات قانونية وسياسية، وهو ما شكل رسالة واضحة للروس بأنه لا نية للفصائل بتجاوز الهيئة العليا للمفاوضات.
وكانت أنظار السوريين ومهتمين كثيرين بالشأن السوري متوجهة إلى القاعة التي ستشهد
"مشاركة القوى الثورية في أستانة، مستمدة من حاجة المناطق المحرّرة لهدنة حقيقية" الجلسة العامة، وسيكون فيها وفد القوى الثورية العسكري في مواجهة الوفد الإيراني ووفد الأسد. قبل الدخول، أبلغنا دي ميستورا ووزير الخارجية الكازاخستاني أن الإعلام سيخرج من القاعة بعد انتهاء كلمة كازاخستان، بوصفها الدولة المضيفة للمحادثات، وهو ما اعترضنا عليه لرغبة الوفد بأن لا تكون أبواب الجلسة العامة مغلقة على أبناء شعبنا. امتد النقاش مع وزير الخارجية الكازاخستاني بشأن هذه النقطة، وحسم المسألة بإتاحة التصوير عبر الهواتف المحمولة، لكنه لم يتوقع أن أبث الكلمة مباشرة من داخل القاعة.
مع بدء رئيس الوفد محمد علوش كلمته، قمت ببثها عبر صفحتي على "فيسبوك"، لتنقله فضائيات عربية، مثل الجزيرة والعربية الحدث، وهي كلمة قوية، سهر الوفد طوال الليل في صياغتها، وكان وقعها واضحاً، وفي وسع كل من كان في القاعة أن يقرأها عبر تعابير وجهي رئيسي وفدي النظام، بشار الجعفري والوفد الإيراني، وقطعت الطريق على بروباغندا "القاعدة" القائلة إن وفد الثوار سيبيع الثورة داخل القاعات.
بعد الجلسة العامة، اقتصرت الجولة الأولى على جلسةٍ لوفد القوى الثورية مع الأمم المتحدة والوفدين الروسي والتركي استمرت ساعات، أكد فيها الروس سعيهم الحثيث إلى إنفاذ وقف إطلاق النار وتثبيته، ونيتهم إرسال طائرات بدون طيار إلى وادي بردى، لمراقبة الوضع هناك. وقال لنا الوفد الروسي، حسب زعمه، إن وزارة الدفاع الروسية وجهت رسالة زجرية إلى مدير مكتب الأمن القومي في النظام، اللواء علي مملوك، ووزير دفاع الأسد، فهد الفريج، بخصوص وادي بردى، وضرورة وقف عمليات القصف على هذه المنطقة. وأقر رئيس الوفد الروسي، بحضور دي ميستورا والوفد التركي بأن وادي بردى لا توجد فيه جبهة النصرة.
ازدادت شكوكنا في التزام روسيا بالأقوال التي كانت تطلقها في جلساتنا المغلقة، وتحديداً في اليوم الثاني من الجولة الأولى، حينما أبلغَنا رئيس الوفد الروسي حاجتهم إلى الوقت، لاتخاذ قرار بخصوص مسودة خطة تثبيت وقف إطلاق النار التي انكب الوفد التقني المرافق لوفد القوى الثورية على صياغتها، وسلمناها للوفدين، التركي والروسي، في بداية جلسات اليوم الثاني، لتختتم بعدها الجولة الأولى من المفاوضات من دون نتائج عملية.
ويمكن القول إن الجولة الأولى من مسار أستانة، ربما كانت الجولة الوحيدة التي تضمنت مفاوضات حقيقية، وخاضتها فصائل الثورة السورية بوفد منظم قوي، وعلى تنسيق عالٍ مع الهيئة العليا للمفاوضات، تجلى برفدها وفد الفصائل بوفد تقني عالي الخبرة، لكن ذلك لم يشكل فارقاً، فالوعود الروسية بقيت شفهية لم تطبق، وفي مقدمتها عدم اقتحام وادي بردى، وإيقاف مسلسل التهجير القسري الذي تقوده إيران، الأمر الذي عزّز انعدام إمكانية تحقيق شيء في أستانة، كما أكد يقين قوى الثورة تجاه روسيا المتشبثة بموقفها الداعم لبقاء الأسد.
 
(3)
بعد جولتها الأولى، أصبحت مفاوضات أستانة في مهب الريح، فبعد انتهاء الجولة الأولى سافر قادة الفصائل في وفد أستانة إلى الرياض للمشاركة في اجتماع الهيئة العليا للمفاوضات،
"الجولة الأولى من مسار أستانة ربما كانت الوحيدة التي تضمنت مفاوضات حقيقية، وخاضتها فصائل الثورة بوفد منظم قوي" وتشكيل وفد جديد، تعبيرا عن وحدة الموقف مع قوى الثورة والمعارضة المختلفة، وهو ما شكل رسالة واضحة لروسيا التي راهنت على رغبة "المسلحين" في الاستئثار بتمثيل المعارضة، وأن ذلك، حسب الظن الروسي، سيدفعهم (المسلحين) إلى تعطيل مسار جنيف والمضي في مسار أستانة ومناقشة كل القضايا المتعلقة بمستقبل سورية فيه.
كان الرد الروسي واضحاً، من خلال توجيه موسكو الدعوة إلى شخصيات مقربة ومرتبطة بموسكو على أنها معارضة سورية، كما حاولت إدخال مسألة الدستور ضمن جدول الأعمال، وهو ما قابله اعتراضٌ قاسٍ من الحكومة التركية، لتبدأ الخلافات ترخي بظلالها على المسار برمته.
وصلت وفود المحتلين الإيرانيين والروس مع مساعديهم من وفد النظام، كما وصل وفدا تركيا والأردن إلى أستانة وسط الخلافات الحادة، بينما كان موقف الفصائل هو المشاركة بوفد تقني، في حال رافق الدعوة جدول أعمال مقبول وواضح، لتصل الدعوة بعد ظهر اليوم الأول من الجولة الثانية من مفاوضات أستانة، وإعلان وزير الخارجية الكازاخستاني تمديدها، مرفقة بجدول أعمال يتضمن قضيتي المعتقلين والمساعدات الإنسانية.
اقتصرت الجولة الثانية على اجتماع واحد مع الوفد الروسي استمر ثلاث ساعات، كان فيه الوفد التركي الذي جلس خلف وفد الثوار مصغرا، في تعبير عن استياء من محاولة روسيا ممارسة الإدارة الكاملة لمسار أستانة. وكان الجانب الروسي غاضباً، واتهم تركيا بالتقصير في دورها ضامنا، فيما كان يعتذر لنا عن عدم إخلاء سبيل المعتقلة رانيا العباسي، وعلل ذلك بعدم وجود معتقلة بهذا الاسم، بينما حاول أن يجعل قضية المساعدات الإنسانية تقتصر على دخول قوافل مساعدات إلى الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة، كما نقل الوفد الروسي رفض إيران والنظام مقترح وفد القوى العسكرية لتثبيت وقف إطلاق النار، بحجة مخالفته القانون الدولي!
وفد القوى العسكرية، بعد رفضه تذاكي الروس في اقتصار المساعدات الإنسانية على المدن الأربع، لأنها أساساً ضمن اتفاق آخر، لا علاقة للفصائل به، أكد أن روسيا لا يمكن لها أن تكون ضامنةً مع ممارسات ومبررات هزلية كهذه، خصوصاً في الوقت الذي تفشل فيه في إطلاق سراح امرأة معتقلة مع عائلتها، كان النظام مع زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، يعقد اتفاق تبادل أسرى أخلي بموجبه سبيل أكثر من 40 امرأة كن معتقلات لدى الأسد، وأنه، ووفق هذا السياق، لا يمكن أن تستمر مفاوضات أستانة، وأن الفصائل لا تراها مجدية أصلاً.
على وقع فشل الجولة الثانية، وعدم تحقيق أي تقدم في ملفي المعتقلين والمساعدات الإنسانية، ورعاية روسية مباشرة لاتفاق تهجير أهالي حي الوعر، قرّرت فصائل الثورة السورية مقاطعة الجولة الثالثة. قدمت استقالتي ناطقا باسم الوفد، بسبب طرح بعض الفصائل المشاركة بوفد تقني، الأمر الذي لم يحصل بسبب موقف معظم الفصائل الرافض هذا الطرح كليا. وراهنت روسيا على حضور بعض الفصائل، وبقيت وزارة الخارجية الروسية ومسؤولون روس يصدرون تصريحاتٍ بأن وفد الثوار سيحضر، كما حاولوا، في تصريحات بلهاء، دق إسفين بين فصائل الجبهة الجنوبية والجيش الحر في الشمال، حيث صرح مسؤول روسي بأن وفدا من الجبهة الجنوبية سوف يحضر، لكن الثوار خيبوا آمال روسيا، ولم يحضر أحد.
 
(4)
قبيل انطلاق الجولة الرابعة من أستانة، قصفت الولايات المتحدة الأميركية مطار الشعيرات،
"الوعود الروسية بقيت شفهية لم تطبق، وفي مقدمتها عدم اقتحام وادي بردى، وإيقاف مسلسل التهجير القسري الذي تقوده إيران" بعد ارتكاب النظام مجزرة الكيميائي في خان شيخون، وقرّرت بعدها المشاركة بشكل أكثر فعالية من قبل في مفاوضات أستانة، فالولايات المتحدة الأميركية قبل الجولة الرابعة كانت تشارك في جولات أستانة من خلال سفيرها في كازاخستان، وكان دوره مقتصرا على تلاوة رسالة قصيرة في افتتاح المفاوضات، يؤكد فيها دعم بلاده حلا سياسيا وضرورة وقف شلال الدم فيها.
التصعيد العسكري الأميركي ضد الأسد، والتصريحات المذلة التي أطلقها ترامب ضد الأسد، والتوجه الذي أعلنت عنه الإدارة الأميركية ضد إيران، وقرار المشاركة من خلال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، شكلت مجموعة عوامل، ربما كانت، وبتعاون مع الجمهورية التركية، ستفضي إلى وضع روسيا على المحك أمام تنفيذ التزاماتها، ودفع العمليات الإنسانية إلى الأمام، وضبط مسار أستانة بما يفضي إلى تثبيت وقف إطلاق النار، من خلال كبح الجموح الروسي الإيراني الهادف إلى تعويم مسار أستانة على حساب مسار جنيف.
على وقع هذه التطورات والمشاورات، قرّرت الفصائل الثورية مجتمعةً المشاركة في الجولة الرابعة من مفاوضات أستانة، كما أصدرت بيانا رفضت فيه استقالتي، وطالبتني بالمشاركة على الأقل حتى يتم تعيين بديل. وبعد اجتماع ضم عددا من الفصائل، بينها أحرار الشام وجيش الإسلام، أصدرت الفصائل بياناً تدعم فيه وفد الثوار إلى أستانة، مع التأكيد على مجموعة من الثوابت تجاه الحل السياسي وإيران، وأن أي اتفاق يتجاوزها سيكون مرفوضاً.
لم يمض وقت على وصول وفد الثوار إلى القاعة المخصصة له في مقر المفاوضات، حتى بدأت عمليات قصف مركز على ريف حماة وريف إدلب والقابون في دمشق، وهو ما دفع الوفد إلى المغادرة إلى مقر إقامته، وأبلغ كلاً من المبعوث الأميركي والمبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، بنقل الاجتماعات التي كانت مقرّرة معهما إلى مقر إقامة وفد الثوار.
لم يكن اللقاء مع دي ميستورا كما توقعنا يحمل أي جديد، لكن اللقاء مع القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي، ستيوارت جونز، كان كفيلا بتوضيح طبيعة الموقف الأميركي من القضية السورية، وسط تكهنات وتحليلات متضاربة بشأن استراتيجية البيت الأبيض في سورية، وتحديدا تجاه النفوذ الروسي الإيراني.
وفي اللقاء الذي استمر ساعات معه، أكد الدبلوماسي الأميركي، على عدة ثوابت، الموقف العسكري الأميركي لم يتغير بعد ضرب مطار الشعيرات، ودعم المشاركة في أستانة، وأن وجود إيران ضامنا أمر ليس مقبولاً، الإدارة الأميركية مهتمة لمناطق تخفيض التصعيد، وشعرت الإدارة بشيء مختلف في المبادرة الروسية الجديدة، وأنها ربما تكون وسيلة لتخفيف النفوذ الإيراني في سورية.
بالنسبة لي، كان واضحا أن الولايات المتحدة تشجع على المضي في اتفاق تخفيض التصعيد، ومتحمسة للفكرة، مع بعض التحفظ على الأداء الروسي الذي كان يشهد فجوة كبيرة بين التصريحات وما يتم تنفيذه. وبالنسبة للنفوذ الإيراني، كان واضحا أنه لا وجود لاستراتيجية واضحة لدى الأميركيين للحد من هذا النفوذ، سوى تصريحات ما زالت جوفاء.
كان دور إيران إشكالية أساسية لدى وفد القوى الثورية، وكان محل نقاش مطول مع الجانب
"استطاعت روسيا وإيران، ولأسباب تتعلق بالقدرات العسكرية على أرض سورية من جهة والرغبة الدولية والأميركية في أن يكون الحل السوري من زاوية روسية" التركي قبيل الاتفاق. ولعل هذه القضية كانت القضية الخلافية مع الجانب التركي، فالثورة لا يمكنها التعامل مع إيران من منطلق الندية، كما الحال بين تركيا وإيران أو أي دولة أخرى، ولا يمكن للثورة أن تتعامل مع إيران وفق قواعد الدبلوماسية واللعبة السياسية، ذلك أن إيران تنفذ مشروع تغيير ديمغرافي، ومشروعاً طائفياً في سورية، وهي ضالعة بشكل مباشر في عمليات قتل ممنهج للسوريين، ومليشياتها تحاصر المدنيين، وترتكب بحقهم جرائم حرب، ولا شك أن روسيا أيضا في نظر الثوار عدوّ أمعن في قتل السوريين، ودعم المستبد الطاغية في مشروع إخضاع السوريين بعد ثورة الكرامة، إلا أن الفارق الجوهري بين العدوين، الروسي والإيراني، في أن محاربة المشروع الإيراني هو ضمن الإمكانات المادية للثوار، ويحظى بدعم عربي ودولي، في حين أن مواجهة عسكرية مع روسيا أمر أكد جميع أصدقاء الثورة أنهم ليسوا مستعدين لدعم الثوار بأسلحةٍ تمكنهم من خوض هذه المواجهة، وحتى الغطاء السياسي لمواجهة عسكرية مع الروس لم يكن كثير ممن تبقوا من حلفاء الثورة مستعدين له، ما يعني أن الثوار والمدنيين في المناطق المحرّرة وحدهم سيواجهون الروس الذين كان لسلاحهم الجوي الدور الأكبر في إفشال عملية كسر الحصار عن حلب، على الرغم من شجاعة المقاتلين واستبسالهم وتضحياتهم، فلا يمكن لسلاح بسيط أن يواجه أحدث القاذفات الروسية بصواريخها الارتجاجية والفراغية.
ناقش وفد الفصائل الخيارات تجاه اتفاق تخفيض التصعيد، وكان الإجماع على رفض الاتفاق في صيغته الحالية، قرّر الوفد إعلان رفض الاتفاق، وعدم الاكتفاء بالصمت حياله، وعدم حضور الجلسة الختامية، وأجرى الوفد مؤتمرا صحفيا في القاعة نفسها التي أعلن فيها عن الاتفاق، ووزع بيان رفضه الاتفاق على الصحفيين هناك.
 
(5)
استطاعت روسيا وإيران، ولأسباب تتعلق بالقدرات العسكرية على أرض سورية من جهة والرغبة الدولية والأميركية في أن يكون الحل السوري من زاوية روسية، على الأقل في الوقت الراهن، استطاعتا حرف مسار أستانة، ولعل التحديات التي تواجهها الدولة التركية على عدة أصعدة لم تساعد على الوقوف في وجه المساعي الروسية الإيرانية، كما لم تستطع الفصائل بناء مظلة مرجعية، تجعلها أكثر قوة وتنظيماً عند خوض تحديات دقيقة وصعبة بحجم مسار أستانة، هذا بالإضافة إلى تقطع أوصال المناطق التي يسيطر عليها الثوار، الأمر الذي أدى إلى تعزيز الرؤى المناطقية، وضعف الثقة بأداء الفصائل عموما، والوفد خصوصاً، وهو ما نجمت عنه مشاركة بعض الفصائل في الجولة الخامسة من أستانة، في ظل مقاطعة معظم الفصائل، بسبب استمرار الضغط الروسي الإيراني الأسدي على درعا البلد، بهدف الوصول إلى معبر نصيب.
ليس من السهل تقييم مسار أستانة، واتخاذ موقف الرفض القطعي للمضي فيه، خصوصا في ظل وقف إطلاق النار المتحقق، وتحسن نسبي في الحالة الإنسانية في معظم المناطق المحرّرة. لكن من المؤكد أن استمرار مشاركة الثوار في المسار من دون مرجعية وطنية وقيادة موحدة واستراتيجية واضحة، سيبقي الوفد في زاوية المراقب لنتائج المسار لا أكثر.