الرئيسة \  تقارير  \  مستقبل النموذج السويدي في ظل التحديات الخارجية والداخلية

مستقبل النموذج السويدي في ظل التحديات الخارجية والداخلية

26.09.2022
عبد الباسط سيدا


 عبد الباسط سيدا
القدس العربي
الاحد 25/9/2022
تعتبر السويد مثالاً إيجابياً يُقتدى به في الكثير من المجالات. فلديها سجل حافل في ميدان الأبحاث العلمية والاختراعات التقنية، كما أن شركاتها الصناعية الكبرى المرموقة تحظى باحترام وإعجاب كبيرين على المستوى العالمي. هذا في حين أن جهودها في مجال حقوق الإنسان، وحل النزاعات، ومساعيها الحثيثة لحماية البيئة، كانت وما زالت موضع التقدير. وهي تأتي في مقدمة الدول التي تعد الأفضل معيشة، والأكثر احتراماً لحرية التعبير وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين.
والسويد لديها برنامج طموح في ميدان تقديم المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في مختلف مناطق العالم، وقد بلغ حجم هذه المساعدة في ميزانية الحكومة خلال عام 2022 نحو 5 مليار دولار.
وإلى جانب ما تقدم، تلتزم السويد باستقبال اللاجئين عبر برنامج الأمم المتحدة، وتمنح اللجوء للأشخاص ممن يتعرضون للملاحقة والتمييز والاضطهاد في مجتمعاتهم، أو لأولئك الذين يحتاجون إلى الحماية نتيجة ظروف الحرب.
فقد استقبلت البلاد عام 2015 وحده في حدود 150 ألف لاجئ سوري، واليوم يشكل السوريون نحو 2.5 في المئة من عدد السكان العام، أي نحو 250 ألف من أصل نحو 10.5 مليون هم عدد سكان السويد الحالي، وذلك بموجب الإحصاءات الجديدة الصادرة هذا العام عن هيئة الإحصاء السويدية.
وبالإضافة إلى السوريين، هناك جاليات كبيرة من المهاجرين من مختلف الجنسيات والقوميات والأديان والمذاهب. وبموجب الإحصاءات السويدية تقدر نسبة المهاجرين في المجتمع السويدي بنحو 20 في المئة من مجموع السكان.
غير أن السويد تواجه راهناً، نتيجة تفاعلات الحرب الروسية المفتوحة على أوكرانيا، مخاطر انكماش اقتصادي حاد بفعل ارتفاع أسعار الطاقة، والتضخم غير المسبوق منذ عقود، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار معظم المواد الأساسية، وارتفاع نسبة الفائدة، وتراجع الإنتاج في بعض القطاعات، وستتمثل الحصيلة بطبيعة الحال في ارتفاع نسبة البطالة والمزيد من الصعوبات الاقتصادية.
وكل ذلك يستوجب وجود حكومة قوية تستطيع اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ليأتي التنفيذ موائماً لما هو مطلوب. ولكن حالة الاستقطاب التي تخيّم على الأحزاب السويدية، ونتائج الانتخابات العامة الأخيرة التي كانت في أوائل هذا الشهر، لا توحي بإمكانية حدوث هذا الشيء في يومنا هذا؛ وهذا مؤداه تفاقم المشكلات عوضاً عن حلها. فالانتخابات لم تسفر عن نتيجة حاسمة لصالح أحد التحالفين المتنافسين: الأول يضم المحافظين والديمقراطيين المسيحيين والليبرالبيين وحزب ديمقراطيي السويد المتشدد تجاه موضوع الهجرة والمهاجرين. هذا في حين أن الثاني يجمع بين الاشتراكيين الديمقراطيين إلى جانب أحزاب الوسط واليسار والبيئة. وبموجب نتائج الانتخابات، فاز التحالف الأول بـ 176  من أعضاء البرلمان مقابل 173 للثاني.
وهذا معناه أن الحكومة المقبلة ستكون ضعيفة غير مستقرة، قد تتعرض من حين إلى آخر لأزمات في حال امتناع بعض أعضاء البرلمان عن التصويت مع أحزابهم.
وليس سراً أن المجتمع السويدي يعيش راهناً أزمة استقطاب حادة بين توجهين متشددين، ليس من المستبعد أن يتحولا في وقت قريب إلى توجهين متطرفين خطيرين ينذران بعواقب سلبية غير مرغوبة بالنسبة إلى المجتمع السويدي بصورة عامة.
فبينما يعتمد حزب ديمقراطيي السويد سياسة متشددة تجاه المهاجرين القادمين من الدول الإسلامية، وهي سياسة محورها إثارة الهواجس التي تؤدي إلى تصاعد الإسلاموفوبيا؛ والربط بين ارتفاع نسبة الجريمة وحوادث القتل في السويد وبين تزايد أعداد هذه المجموعة من المهاجرين. وما يرسّخ هذه الدعاية في أذهان قطاع واسع من السويديين هو أن هذه الجرائم والحوادث تكون غالباً في المناطق التي تسكنها جاليات من الدول المشار إليها.
وفي مقابل هذه التوجهات المتشددة، هناك جهات إسلاموية وقوموية تسعى هي الأخرى تحت ستار حرية التعبير وتشكيل الأحزاب إلى طرح بدائل خاصة بها، ستزيد مستقبلاً من عزلة المناطق السكنية التي أغلب سكانها هم من الدول العربية والإسلامية، وهي أصلاً مناطق تعيش حياتها الخاصة، ولم تندمج مع المجتمع السويدي العام لأسباب عدة في مقدمتها إخفاق سياسات الاندماج.
وتعاني تجمعات المهاجرين في هذه المناطق من ارتفاع نسب البطالة، وتصاعد حدة الجرائم الناجمة عن الصراع بين عصابات تجارة الممنوعات، لا سيما المخدرات والأسلحة.
هذا في حين أن الأحزاب السويدية المستقرة على المستوى الوطني، الموجودة داخل البرلمان تتبنى في برامجها قضايا المهاجرين، وتدعو إلى مراجعة سياسات الاندماج، وتطالب بإيجاد الحلول لمعالجة أوضاع الغيتوات التي يعيش فيها المهاجرون في العديد من المدن السويدية، خاصة الكبيرة منها (ستوكهولم ويوتوبوري ومالمو وابسالا) وهناك خطوات واعدة في هذا المجال.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى وجود توافق شبه عام بين مختلف الأحزاب السويدية سواء تلك التي هي في الحكم أم في المعارضة حول ضرورة اتخاذ إجراءات إسعافية، وأخرى وقائية، لمنع حدوث المزيد من الانهيارات. كما تطالب تلك الأحزاب بإجراء تعديلات في القواعد الخاصة بالتحقيق والمحاكمة، منها المراقبة بمختلف الوسائل التقنية، والمحافظة على سرية أسماء الشهود، وتشديد العقوبات.
هناك شكوك كثيرة مشروعة تتمحور حول إمكانية استمرار التحالف اليميني الذي من المفروض أن يحكم السويد اعتباراً من بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل. فهناك قضايا خلافية بين الأحزاب المتآلفة سواء داخل الحكومة أو تلك التي ستساندها من دون المشاركة فيها، حول الكثير من القضايا الداخلية التي تهم السويديين، ومنها تلك الخاصة بقضايا البطالة والرعاية الصحية والتقاعد والضرائب والتعليم.
إلى جانب ذلك هناك تحديات كبرى تواجه السويد كدولة ومجتمع بصرف النظر عن الاختلافات والخلافات السياسية؛ ومن هذه التحديات الحرب الروسية على أوكرانيا، ومخاطر امتداداتها وتبعاتها، هذا إلى جانب الانكماش الحاد في الاقتصاد.
وهذا فحواه أن الأمور ستكون أصعب مستقبلاً، وأن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستشهد المزيد من الاستقطاب، وستكون النتائج لصالح القوى المتطرفة، وذلك في أجواء تصاعد النزعات القومية والدينية وتراجع الاهتمام بالقضايا الإنسانية. وما يجري في السويد لا يختلف كثيراً عن اللوحة العامة التي تشهدها العديد من الدول الأوروبية نتيجة تزايد أعداد المهاجرين والصعوبات الاقتصادية التي تواجهها أوروبا في مناخات الحرب الروسية على أوكرانيا.
وكل ما تقدّم يستوجب حلولاً جذرية تبدأ خارجياً بدعم التوجهات الديمقراطية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأمر الذي سيحد من أعداد المهاجرين بفعل الاستبداد والفساد والحروب.
أما على المستوى الداخلي فهناك حاجة ملحة لمراجعات جادة لسياسات الاندماج، وذلك لفتح الآفاق أمام المزيد من التواصل بين المهاجرين ومجتمعهم الجديد، وذلك عوضاً عن أن يعيشوا في عزلة ضمن تجمعات موازية تقتصر عليهم، يتواصلون فيها مع مجتمعاتهم الأم عبر مختلف وسائل الإعلام ووسائط التواصل، من دون أن تكون لهم أبواب، ولا حتى نوافذ مفتوحة على المجتمع السويدي، فهم نظرياً يعيشون في السويد، إلا أنهم في الواقع الفعلي يعيشون مشكلات وخلافات وعقليات وعقد مجتمعاتهم الأصلية، الأمر الذي سيؤدي إلى تقييد الأبناء والأحفاد، ويدعم العراقيل التي تمنعهم من التفاعل الإيجابي مع مجتمعهم الجديد. ولبلوغ ذلك لا بد من رفع مستوى تعليم اللغة السويدية لغير الناطقين بها، والتعريف بالمجتمع السويدي على صعيد المؤسسات والقوانين والعادات والقيم، والتشدد في إجراءات التمييز بسبب الانتماء الديني أو القومي أو العرقي. هذا إلى جانب تأمين فرص العمل التي تتناسب مع مؤهلات واختصاصات القادمين من المهاجرين، ليتحولوا بأسرع وقت إلى منتجين بدلاً من أن يكونوا مستهلكين.
وقطع الطريق في المقابل على القوى المتشددة في أوساط المهاجرين، وهي القوى التي تحاول بشتى السبل تنظيم المهاجرين وتجييشهم والحصول على الأموال منهم لصالح مشاريعها، وهي مشاريع لا تتقاطع مع مصالح السويدين بصورة عامة، ولا مع مصالح المهاجرين في السويد على وجه التحديد.
*كاتب وأكاديمي سوري