الرئيسة \  تقارير  \  أميركا وأوروبا.. وصعوبة عمل البنوك المركزية

أميركا وأوروبا.. وصعوبة عمل البنوك المركزية

15.06.2022
الاتحاد


الاتحاد
الثلاثاء 14/6/2022
مقال اليوم ليس عما يجب أن يفعله مجلس الاحتياطي الاتحادي أو البنك المركزي الأوروبي. صحيح أنني أعتقد بأن الاحتياطي الاتحادي يصيب فيما يفعل تقريباً وأن البنك المركزي الأوروبي يبالغ في رد فعله. لكن هذا نقاش كبير وغير حاسم. وقد لا يُحسم أبداً، لأن الناس بارعون جداً في إقناع أنفسهم بأنهم على حق. ما أريد التركيز عليه بدلاً من ذلك، هو لماذا تبدو وظيفة كل بنك مركزي صعبةً للغاية في الوقت الحالي؟ ولماذا تواجه كل مؤسسة خيارات مؤلمة فيما يبدو؟ لقد ظل التضخم يبدو لفترة طويلة كما لو أنه مشكلة أميركية إلى حد كبير. صحيح أن الأسعار كانت ترتفع في أوروبا أيضاً، لكن ليس بقدر ما شهدته الولايات المتحدة. ولم يكن البنك المركزي الأوروبي، على عكس الاحتياطي الاتحادي، يتحدث عن رفع أسعار الفائدة. لكن التضخم الأوروبي ارتفع في الآونة الأخيرة حتى ضاهى مستواه في الولايات المتحدة.
ويشير بعض الاقتصاديين إلى التضخم الأوروبي كدليل على أن العجز في الميزانية الأميركية لم يكن قط هو الجاني، وأن التضخم تحركه قوى عالمية خارجة عن سيطرة إدارة بايدن. والذين يحمّلون زيادة الإنفاق مسؤوليةَ التضخم في الولايات المتحدة، يقدّمون الحججَ نفسَها حول أوروبا. فمازال التضخم الأساسي منخفضاً، والأمر كله يتعلق بالصدمات المؤقتة من التعافي من الجائحة وحرب أوكرانيا وما إلى ذلك.
لكني أعتقد أن الوضع ليس مسلِّياً لجيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي، ولا لكريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي. وكلاهما يواجه خيارات مؤلمة. ولا يعرف أيهما، بأي درجة من الثقة، مدى خطورة التضخم الذي يواجهه، وبالتالي، مقدار ما هو مطلوب لتهدئة الاقتصاد. ولا يمتلك باول ولا لاجارد تقديرات موثوقة لمقدار ما هو مطلوب لرفع أسعار الفائدة، الأداة الرئيسية في السياسات النقدية، لخفض التضخم بدرجة ما.
لكن لماذا لم يكن الأمر هكذا دوماً؟ بالطبع لم تكن إدارة الاحتياطي الاتحادي مهمةً سهلةً في يوم من الأيام، لكنها لم تبد قط محفوفةً بالمخاطر هكذا. حسناً أقدِّم لكم هنا إجابةً: كانت وظيفة الاحتياطي الاتحادي تبدو أسهل لأنها لم تكن تنطوي على مخاطر كبيرة. وعلى وجه التحديد، كان يتبع الاحتياطي الاتحادي سياسات متحفظة (بالمعنى غير السياسي) جعلت الاقتصاد يعمل بأقل من قدراته الكامنة. وكان هذا الركود في الاقتصاد يعني قلة احتمالات ظهور تضخم كبير، وبالتالي قلة الحاجة لإجراء تغييرات رئيسية في السياسات. كل ما كان على الاحتياطي الاتحادي فعله هو الضغط برفق على الكابح إذا اقترب الاقتصاد فيما يبدو من قدراته الكامنة أو دعمه بالقليل من الوقود إذا بدأ في الانزلاق.
صحيح أن هذه النزعة المحافظة جعلت حياةَ مسؤولي الاحتياطي الاتحادي سهلةً نسبياً، لكن كُلفتها كانت هائلةً، وقد تمثَّلت في ضياع ملايين فرص العمل كان بوسعنا إيجادها ومليارات الدولارات من منتجات كان بوسعنا إنتاجها. صحيح أن مهام البنوك المركزية تزداد صعوبة كذلك بسبب حدوث صدمات كبيرة، وآخرها ارتفاع أسعار السلع الأساسية بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. لكن هذه ليست المرة الأولى التي تحّدث فيها مثل هذه الصدمة. والصدمة الحالية كبيرة، بلا شك، لكنها ليست أكبر بكثير من الصدمات التي حدثت في أعوام 2008 و2010 و2011، فلم يمنح أي منها البنوك المركزية القدرَ نفسَه من المرونة التي تمر بها الآن.
ولنأخذ في الاعتبار أنه لم تظهر علامات على اندلاع تضخم بين عامي 2013 و2019، على الرغم من انخفاض معدل البطالة في النهاية إلى أقل من 4%. وهذا يعني أن الاحتياطي الاتحادي دأب على تقليص تقديره لما يستطيع الاقتصاد الأميركي تحقيقَه، على الرغم من أن تقديراته أدت تدريجياً إلى خفض معدل البطالة الفعلية. وقد تصرَّف بناءً على اعتقاده الخاطئ. فمن عام 2016 إلى عام 2019، رفع الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة تدريجياً لتفادي مخاطر التضخم المحتملة. وكانت ميزة هذه النزعة المحافظة بالنسبة للاحتياطي الاتحادي أنها تحمي صانعي السياسة من الإحراج.
لكن إدارة الاقتصاد بأقل من قدراته الكامنة كانت لها كلفة ضخمة مستترة. ولنفترض أن معدل البطالة كان أعلى بمقدار نقطة مئوية واحدة مما كان يمكن أن يكون عليه. وهذا يعني أنه كان من الممكن توظيف نحو مليوني أميركي من العاطلين عن العمل، وأيضاً من الذين كانوا سينضمون إلى القوى العاملة لو كان سوق العمل أقوى. ونظراً لأن كل نقطة مئوية في معدل البطالة تسجل عادة نحو نقطتين من الناتج المحلي الإجمالي، فقد كنا نتخلى عن نحو 400 مليار دولار سنوياً من السلع والخدمات التي كان من الممكن إنتاجها. والخبر الجيد هو أن الاحتياطي الاتحادي والبنك المركزي الأوروبي على دراية بخطاياهما الماضية، وقد دخلا مرحلة الجائحة عازمَين على تقليص تحفظهما وتحمل المزيد من المخاطر لصالح اقتصاد قوي. والنبأ السيئ هو أن التوقيت كان مؤسفاً. فقد جاء بعد أن وقع التضخم بالفعل.
وأعتقد أن الاحتياطي الاتحادي يستجيب بشكل مناسب. ففي مواجهة الأدلة على تضخم الاقتصاد، يرفع أسعار الفائدة لكبح التضخم. وأنا، على سبيل المثال، متأكد من أننا بلغنا ذروةَ التضخم. وأنا أقل تفاؤلاً تجاه البنك المركزي الأوروبي. فقد ارتفعت عائدات السندات طويلة الأجل، وهي الأهم للاقتصاد الحقيقي، في أوروبا بقدر ارتفاعها في الولايات المتحدة، مما يشير إلى أن الأسواق تتوقع من البنك المركزي الأوروبي تضييقاً يضاهي ما فعله الاحتياطي الاتحادي. لكن إذا كان التضخم الأوروبي يعكس، كما يبدو عليه الحال، صدمات مؤقتة وليس اقتصاداً متضخماً، فلا ينبغي للبنك المركزي الأوروبي أن يكون مطابقاً للاحتياطي الاتحادي. ولذا، إذا كان الاحتياطي الاتحادي يبلى بلاءً حسناً، فالبنك المركزي الأوروبي يبالغ في رد فعله.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة “نيويورك تايمز”
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/06/10/opinion/federal-reserve-policy-ecb.html