الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية.. عثرات وأخطاء قاتلة

الثورة السورية.. عثرات وأخطاء قاتلة

05.01.2019
أسامة المصري


مدونات الجزيرة
الخميس 3/1/2018
سبعُ سنوات مضت على نزيف الدم السوري في مواجهة الظلم والطغيان، خلال ثورةٍ شعبيةٍ جمعت أكثر من تسعين بالمائة من الشعب السوري بمختلف طوائفه وانتماءاته في انتفاضة أعادت معنى الحرية والعزة والكرامة للشارع السوري، وبثّت في عروقه كل مشاعر البطولة والوطنية ليصنع مستقبل وطنه بعد أن تهدَّم وتعرض للتجريف المتعمد لكل ثروات سوريا البشرية والطبيعية، وأصبحت سوريا وطنًا بلا هوية ولا ريادة.
حتى التاريخ نسى سوريا عبر أكثر من أربعين عامًا من حكم الطوارئ والقبضة الأمنية التعسفية وتوالي الإعدامات الميدانية في المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة، عقب انقلاب مارس 1971، بقيادة حافظ أسد أو ما سمي بالحركة التصحيحية، هذه الحركة العبثية التي أدخلت سوريا في نفق مظلم وتراجعت سوريا في كافة المجالات ولكن الشعب السوري استطاع بعد أربعين عامًا الثورة على الظلم والطغيان والذل والهوان وإهدار الكرامة والحريات وتدهور كافة مظاهر الحياة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، سرعان ما وقعت ثورة الشعب في أودية سحيقة وتلاقفتها أمواج الدول المتآمرة حتى خُرق مركبها. أكثرُ من سبع سنوات من المقاومة العسكرية والمناورة السياسية والمواجهة الإعلامية ولم تحقق الثورة السورية أهدافها لعدة أسباب، منها ما هي أسباب خارجية ومنها داخلي:
 أولًا: عدم فهم سياسة الدول، وعدم التمييز بين المصلحة والصداقة التي لا اعتبار لها بين الدول
إنَّ التدخل الخارجي للدول الإقليمية والعالمية في سوريا تبعًا لمصالح كل دولة، منها من دعمت عصابة الأسد ومنها من دعمت الثوار كل حسب مصلحته، وأهم وسائل التدخل كان بضخ المال السياسي وسلب إرادة الأطراف على الأرض، فرُهنَت قرارات الشعب السوري للدول التي يسميها البعض صديقة أو حليفة، واعتمادنا عليها في إنقاذ وطننا، وهو ما أدخلنا في دوامة الدفاع بدل الهجوم، بل حتى التَّراجع والانسحاب إرضاءً لاتفاقيات هذه الدول، كردّ جميل وقوفها لجانب الثوار.
وأعتقد أن المشكلة في ضعفنا السياسي وعدم قدرتنا على التمييز بين اتفاق مصالح وصداقة، فالأنظمة الكبرى في السياسات الدولية لديها فقط مصالح وخطوط حمراء، وهذا ما يهمها، في السياسة لا يسود إلا القوي، ولا يسوس إلا المحنَّك، وهذا ما يفتقد إليه من يفاوضون باسم الثورة السورية، فأسلموا القوة والقرار والشباب السوري لتركيا، ومن قبلها قطر والسعودية والإمارات.
 ثانياً: تضييع البوصلة لدى الثوار وانشغالهم بمشاريع ضيقة عن المشروع العام
إن انشغال الثوار نفسهم عن المصلحة العامة وعن قضية الشعب السوري والسباق السريع نحو تأسيس أحزاب وائتلافات وفصائل ومؤسسات ومجالس جعلت الشارع السُّوري ممزقًا، فبعد أن اتفق السوريون على ثوابت ومبادئ للثورة، انقسم السوريون على أنفسهم ما بين تكتلات أثبتت الأيام أنها كتل كرتونية لا قيمة لها خارج مقراتها وجرائدها، تعمل لمصالحها ومصالح داعميها بعيدًا عن الثورة والوطن.
ثالثا: عدم وجود منهجية واضحة أو خارطة طريق
ولا حتى أي شيء نستطيع من خلاله جذب الناس أو طمأنتهم، لذلك كان من يتحدثون في الخارج باسم المكلومين ينتقلون من فندق إلى فندق آخر يساومون على ثوابت ثورة من يعيشون في ظروف صعبة جداً داخل سوريا، ويبيعون كلامًا فارغًا من أي محتوى عملي.
رابعا: كثرة الجهات المانحة أو الداعمة يعني كثرة الجهات اللاعبة في القضية السورية
فلكل من يدفع نصيب، فالخلافات الدولية والإقليمية انتقلت للفصائل المقاتلة؛ أدى لتناحرها واقتتالها واستنزاف المخزون البشري والعتاد العسكري في معارك داخلية، وتصفيات وصراع نفوذ بينما الأسد لا زال قائمًا بين جيشه وشبيحته، وهنا أعود لأؤكد أنَّ إشراكُ الثُّوار في الصِّراعات الإقليمية والتَّنافُس الدُّولي حولَ سوريا هو الذي رسم الحدود مع النظام المجرم وشركائه.
خامسا: ضعف الإعلام "الثوري" البدائي مقابل وسائل إعلام توجهها دول وتدعمها
أيضًا كان له أثرٌ كبيرٌ في انتصار الحرب النفسية المعادية للثورة، والتي كان يقودها طيلة السنوات الماضية كبار الجنرالات الروس، وهنا أشير إلى ضرورة اجتماع إعلامي موسع لضبط الخطاب ووضع سياسة إعلامية وخطة لمواجهة التضليل الإعلامي الممنهج.
أقول.. إن الجهل وضعف الوعي الشعبي والفقر والاستبداد، ما هي إلا ثمرات تجهيل متعمَّد طيلة حكم البعث، وما يجري هو ناتج طبيعي لما نعيشه اليوم من نكسات وتراجعات، ولابد من أخطاء، ‏هذه الأخطاء تدعونا للنُّهوض لتصحيح المسَار وتصويب البوصلة وتوجيه المركب في الاتجاه الصحيح، لا أن نترك الثورة ومحاربتها والعودة لمستنقع العبودية.
فمهمتنا تكمن في الإصلاح والمعالجة، لأن مفسدة الرجوع للوراء كبيرة، وثمنها أكبر من ثمن المتابعة، ثمنها ليس على مستوى أفراد، وإنما على مستوى جماعات، لازال أمامنا متسعٌ لأن نعالج، وبين أيدينا الطاقات النخبوية الواعية والإمكانيَّات الهائلة. إذًا.. ضرورةُ نشر الوعي والعمل على مشاريع جادّة وحقيقية لإعداد القادة وتصويب البوصلة هو واجب المرحلة.