الرئيسة \  مشاركات  \  التصدي السعودي الصلب لإيران يربك خططها

التصدي السعودي الصلب لإيران يربك خططها

29.09.2016
د.عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب


اعترف الفريق مايكل فلبي قائد العمليات العسكرية الاستخباراية خلال حرب العراق لأحدى الصحف في نوفمبر 2015 بأن غزو العراق من الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية وانه سيجلب عقابا قاسيا لأمريكا، واعترف بان التاريخ سيعاقب أمريكا على الإطاحة بصدام، واعتبر أنه لو لم تقم الولايات المتحدة بغزو العراق لما ظهرت منظمة داعش الإرهابية.
ولم يذكر مايكل بأن غزو العراق تسبب في امتداد النفوذ الإيراني وتمكنت من تشكيل مليشيات طائفية لا تقل خطورة عن منظمة داعش، ولم يتعامل أوباما مع المشكلة بل تعميق المشكلة خصوصا عندما اتجه نحو احتواء إيران على حساب حلفائها في المنطقة لكن كشفت وثيقة حصلت عليها وكالة اسوشيتد برس أن مجموعة من القيود الأساسية على برنامج إيران النووي المفروضة عليه دوليا، ستبدأ مفعولها بالتراخي قبل سنوات من انتهاء مفعول الاتفاق الذي مدته 15 عاما، مما سيعزز قدرة طهران على بناء قنبلة قبل نهاية الاتفاق، بمعنى أن زمن الهروب النووي لصناعة قنبلة يصل إلى النصف قبل انتهاء الاتفاق النووي.
منذ هذا الاتفاق لم تركن دول الخليج لأي تطمينات قدمتها الولايات المتحدة لها حول سلامة البرنامج النووي الإيراني، بل أعلنت بأن لديه الوسائل التي يمكن من خلالها تحري الأخطار المحدقة بأمنها للتعامل معها، والحفاظ على أمنها واستقرارها، ولم توضح دول الخليج كيف تواجه أخطار البرنامج النووي، أبقتها سرية ولكنه أكيد ستكون فاعلة بنفس القدرات بل تتفوق عليها خصوصا وأن دول الخليج مجتمعة تمتلك من الاحتياطيات ما لا تمتلكه إيران وتمتلك من الحلفاء يمكن تزويدها بما تريده من اجل خلق التوازن الاستراتيجي وهو حق لدول الخليج لا يمكن أن تتنازل عنه.
وفي الجانب الآخر اتجهت دول الخليج إلى تشكيل لجنة رباعية في يناير 2016 بموجب قرار من الجامعة العربية تتكون من وزراء خارجية السعودية ودولة الإمارات والبحرين ودولة مصر إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية لمتابعة تطورات الأزمة مع إيران خصوصا في ظل تصعيد إيراني كبير وخطير تجاه المنطقة العربية بأسرها، وطالبت اللجنة إيران بالكف عن دعم الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وكذلك الكف عن التصريحات العدائية والتحريضية والاستفزازية تجاه الدول العربية.
 تراقب إيران الدبلوماسية السعودية التي استطاعت في 2015 تفكيك الأخطار وصياغة التحالفات المتعددة حتى أصبح سياق تطور العلاقات الدولية والتحديات يجعل كل الملفات تمر بالرياض، وهي ما تمثل إعادة رسم الجغرافيا السياسية، خصوصا بعدما استطاعت بناء مشروع شراكة القرن ال21 مع أمريكا، ونجحت في عقد مؤتمر الرياض لإنقاذ اليمن أي مداواة جراح اليمن من الرياض من خلال عاصفة الحزم.
كما تتابع إيران بقلق التحالف السعودي التركي، وكيف أن منظمة التعاون الإسلامي ينتقد إيران بسبب تدخلها في الشأن العربي ويتحالف مع تركيا أيضا ويعتبر منظمة غولن جماعة إرهابية، خصوصا بعد توافق المعارضة والحكومة برسم أفقا سياسيا جديدا في تركيا ولدته محاولة الانقلاب الفاشلة ما يعني أن السعودية وتركيا تبقيان رقما صعبا في تحالفاهما ضد النفوذ الإيراني الإقليمي، ويقفان عائقان أمام طموحات الملالي.
حيث صار جليا أن مقصود إيران بتصدير الثورة هو تصدير الأزمات للخارج وإغراق الجيران بالصراعات الطائفية كمدخل لنفوذ إقليمي وتحقيق طموحات تاريخية خصوصا وأن نموذج ولاية الفقيه لم يعد نموذجا يحتذى أو جاذب حتى يمكن تصديره بسبب هشاشة في الواقع الاقتصادي والاجتماعي في إيران نفسها حيث البطالة والفقر في تزايد رغم أنها تمتلك ثاني احتياطيات الغاز بعد روسيا وتمتلك احتياطيات ضخمة من النفط، رغم ذلك فإن السعودية وتركيا ضمن مجموعة العشرين، فيما هي لا يزال اقتصادها أقل من نصف الاقتصاد السعودي، أي أن نظام الملالي حمل الاقتصاد الإيراني فواتير الإرهاب.
كما أنها خسرت قوتها الناعمة في سوريا وبسبب خطابها الطائفي من أجل الاستقطاب الطائفي والمذهبي الذي عمق أزمة دولة إيران، وأصبحت تعاني من أزمة هوية المتأثرة بالسياق الإقليمي، حيث أنها تعاني من هويات تسير نحو الانصهار في حركات عابرة للحدود، وأخرى ترتد عكسيا نحو التقوقع في مشاريع طائفية.
تحولت تلك الهويات العابرة للحدود إلى مواطنة الحد الأدنى التي تحولت إلى مسمار أخير في نعش الدولة، بعدما أصبح حزب الله والحوثي ومليشيات الحشد الشعبي في العراق أداة طيعة في يد الملالي وتوجهاته مثال صارخ على مواطنة مبتذلة.
تفرض هذه الازدواجية التي يتزايد وقعها إعادة النظر في العدة النظرية لمقومات المواطنة المخترقة على أكثر من صعيد، أي أفراد متعددو الانتماءات، ولنقل بصيغة أدق مواطنون بفائض من الهويات الجزئية، هويات جديدة خارج الأطر التقليدية المعروفة.
هناك انصهار قسما كبيرا من البشرية في العالمية بأفقها الإنساني الرحب، لكن الولاء الطائفي منشغل في الانخراط في مشاريع مذهبية أو أيديولوجية قوامها نشر الرعب والتخريب والعنف داخل الدول، وبين الأفراد في المجتمعات، لكنه على حساب الوطن وروح المواطنة التي رضع هؤلاء حليبها في الصغر قبل أن يتنكروا له في الكبر، بل هو استيلاب طائفي ليشمل التنكر للأخوة في الوطن، بل حتى في بعض الأحيان تنكر لأقرب الأقربين المقربين في العائلة وهو نفس الاستيلاب في بنية داعش.
بعدما نجحت السعودية في تجييش المجتمع الدولي تجاه إيران بعد محاصرة إيران من خلال اعتماد الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي استنكار ما أقدمت عليه إيران في التعدي على القنصلية السعودية، وأنهما يرفضان تسيس الحج، فلم يكن أمام إيران سوى الاتجاه إلى حرب الأفكار والحملات الشعواء على الوهابية وعلى النظام السعودي الذي يتبنى تصدير الفكر المتطرف إلى أنحاء العالم من قبل اللوبي الإيراني القوي في الولايات المتحدة الذي يبلغ نحو خمسة ملايين إيراني في أوساط الحزبين الجمهوري والديمقراطي يخدموا الأجندة الإيرانية الذي يريد تعزيز التحالف بين إيران والولايات المتحدة على حساب السعودية على غرار العلاقة التي كانت بين الشاه وأمريكا، الذي يصر على إدخال الحشد الشعبي في العراق في تحرير الموصل بينما ترفض السعودية محاربة التشدد بالتشدد أو التوحش بالتوحش.
السعودية تستثمر إخفاقات أوباما التي بدأت استراتيجيته في الباسفيكي تغرق في ساحل الفلبين، وأقامت تحالفا استراتيجيا مع الصين، كما أقامت كلا من السعودية والصين قاعدة عسكرية في جيبوتي استعدادا لمرحلة مقبلة من اجل تنفيذ مشروع اقتصادي مشترك بينهما لدعم مشروع طريق الحرير البري والبحري.
 ونتيجة تصاعد حدة التوتر على طرفي الحدود بين روسيا والناتو في المقابل هناك لعبة جديدة تجري في جنوب آسيا خصوصا بعدما حصلت الهند على مقاتلات الرفال الفرنسية التي تقدر ب7.87 مليار دولار يمكن أن تساعد الهند على تغيير قواعد لعبة التوازن العسكري في جنوب آسيا، وهناك مناورات عسكرية مشتركة بين روسيا والباكستان التي تحمل عنوان الصداقة 2016 بعدما توترت العلاقات بين الباكستان والولايات المتحدة عندما حجب المشرعون الأمريكيون الأموال لبيع ثماني طائرات مقاتلة من طراز إف 16 ما جعل الباكستان تتجه نحو روسيا وتشتري مروحيات مي 35 الهجومية وهي تستكشف شراء طائرات سوخوي 35 المقاتلة.
ما يعني أن هناك إعادة ضبط التوازن الاستراتيجي العالمي قد بدأ، الأمر الذي جذب كلا من الصين وروسيا والباكستان قريبا من بعضهم، وكيف أن روسيا التي كانت بلا صديق لكن نتيجة أخطاء سياسة أوباما أصبحت دولة تتجه نحو توسيع مصالحها الاستراتيجية في جنوب آسيا، وهو ما جعل روسيا تتحدى أمريكا في سوريا.
نتيجة سياسات أوباما الرخوة فإن حتى إيران تستغل رغبة أوباما الوحيدة في التخلص من داعش فهي تخطط لمرحلة ما بعد السيستاني والعبادي فهي تعيد تأهيل المالكي رغم اتهامات الصدر، وهي تسعى تأخير تحرير الموصل من أجل ترتيب خططها، في المقابل نجد أن الحرس الثوري يواصل تصريحاته بأن إيران لن تتخلى عن البحرين واليمن وسوريا للتغطية على خططها في العراق وسوريا لذلك لم يذكر الحرس الثوري لا العراق ولا لبنان.
في المقابل نجد السعودية وبقية وزراء دول الخليج خصوصا وزيري دولة الإمارات والبحرين في التصدي لإيران فبعد أن مارس وزير خارجية إيران انتهازيته في صحيفة نيويورك تايمز ولم يذكر في مقالته ما يروجه ملالي طهران من اتهامات وتحريض على السعودية، تصدى له وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في نفس الصحيفة وأوضح بأن إيران لا تستطيع تبرئة سجلها من الإرهاب، بل أكد بأن إيران تستخدم الإرهاب للمضي في سياساتها العدائية، وفضح ظريف عندما قال بأن طهران تحارب التطرف اعتبرها عادل الجبير دعاية كاذبة.
وخرجت مظاهرات غاضبة خارج مقر الأمم المتحدة يطالبون بتحرير إيران من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان، وحملوا صورا للمعتقلين السياسيين وأخرى ساخرة من روحاني، حتى أن هناك انتقادات داخلية بدأت تطالب بانسحاب إيران من سوريا، وتحدى إصلاحي قائد فيلق القدس قاسم سليماني بإثبات استراتيجيته العسكرية التي تدعي الدفاع عن الأسد.
ــــــــــ
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة