الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية.. بناء في وجه الدمار

الثورة السورية.. بناء في وجه الدمار

08.12.2019
د. أحمد موفق زيدان


العرب القطرية
السبت 7/12/2019
قدرة الشمال السوري المحرر السريعة والناجحة في التعامل مع الأزمات التي يواجهها السكان في مناطقه، تلخص سوريا الحاضر والمستقبل التي أرادها الثوار، وهتفت لها ملايين الحناجر إبان الثورة السلمية، ولا تزال تهفو إليها أفئدة الأحرار السوريين، بينما تعكس معاناة السكان في المناطق المحتلة من قبل العصابة الأسدية وسدنتها المحتلين، مشفوعة بالدمار والقتل والقصف المتواصل تعكس حال سوريا التي أرادوها لنا أن نعيشها تحت حكمهم وجبروتهم، مستندين في ذلك على احتلالات أجنبية متعددة وفصائل طائفية عابرة للجنسيات والحدود.
الافتقار إلى جرة الغاز في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وإن وجدت فبأسعار خيالية وكذلك الوقود، بالإضافة إلى ارتفاع في أسعار المواد الأخرى، وفي موازاته انهيار كامل لليرة السورية، بعد أن باع النظام كل أرصدة وأصول الدولة السورية للاحتلال المزدوج، فرحاً مسروراً وهو ينتظر مبعوث الكرملين ليستقبله كل شهرين أو ثلاثة، بينما يقضي الساعات وربما الأيام متجمداً أمام هاتفه يستجدي اتصالاً يمنّ عليه به أحد، لكن ربما في الأيام الأخيرة حظي بمدح يذكّرنا تماماً بهتافات البعثيين الخشبية في الستينيات والسبعينيات، حين هتف له أحد (السفراء) في دمشق خلال حفل استقلال بلده، فوصفه بالقائد الحكيم، في الوقت الذي كانت طائراته وطائرات سيده الروسي تفتك بالأجساد الغضة لأطفال معرة النعمان وسراقب، وهي تصرخ شوفو شو صار بأبي الذي كان قد ودع الحياة تاركاً خلفه أيتاماً يشهدون على حقد النظام الطائفي وسدنته، وحقد العالم الصامت على هذه الجريمة الناطقة لعقد، وهي تبث على الهواء مباشرة بلا انقطاع وقودها الدم.
النظام الذي خال أن عودة درعا وريف دمشق وحمص وغيرها إليه سيعيد له بعضاً من الاعتراف الدولي بقوته وسيادته، لكن فاته أن الثورات لا يمكن أن تقتلها احتلالات أو رصاصات، فها هي حوران تعيدها جذعة، والأغرب من هذا هو عودة المظاهرات المطالبة برحيل الأسد والمتضامنة مع إدلب والمناطق المحررة في كناكر بريف دمشق ذاته، تضاف إليه حملة الاعتقالات في دوما والغوطة، وعودة العمليات المسلحة على امتداد المناطق التي أخضعها الاحتلال بالخدع التفاوضية أو بالخدع العسكرية، وهو ما ينذر بموجة ثورية جديدة قد تكون أعتى من الأولى وأقوى منها، لا سيما وأن ثورات وانتفاضات لبنان والعراق وإيران قد شكلت حافزاً قوياً للسوريين، لا سيما مع انعكاسها على الثورة السورية بتجفيف الدعم للعصابة، انعكس بانهيار الليرة السورية، توازى ذلك مع توزيع إيران لأول مرة رواتب الميليشيات الطائفية التي تقاتل وإياها في سوريا بالليرة السورية، وليس بالدولار الأميركي.
لا يمكن أن تعود سوريا إلى وضعها الطبيعي دون أن يسبق ذلك كله الحرية، والتحرر من عصابة حاكمة وسدنتها المحتلين، ودون أن يكتب السوريون تاريخهم ومجدهم وحاضرهم ومستقبلهم بأيديهم، فلديهم من الحبر ما يوازي دم مليون شهيد كافٍ لكتابة دساتير العالم كله، وبنظرة منصف إلى المناطق الخاضعة للنظام والمناطق الخاضعة للثوار، يظهر مدى التباين الشاسع، إن كان على مستوى الحرية التي يتمتع بها سكان المنطقتين، أو على مستوى النزاهة والشفافية في مسالك الحياة كلها من التعليم والقضاء وغيرهما، أو من حيث الجرائم التي تهدد مناطق النظام، بينما نرى الأمن والاستقرار في مناطق الشمال المحرر، باستثناء الغارات الجوية، وإن كان هذا كله طارئا، أما بناء الإنسان السوري الحر الذي يقول ما يفكر فيه بلا خوف ولا وجل، فهو أكثر ما يميز الشمال المحرر اليوم، وفوق هذا الثقة بالنفس التي يتمتع بها ساكن الشمال المحرر، وهو ما يفتقر إليه ساكن المناطق المحتلة، فأولى خطوات التعليم الصحيح وبناء الأجيال تبدأ من زراعة الثقة بالنفس والاعتماد عليها دون خوف أو خشية أحد، ولعل بالثقة بالنفس وبالحرية التي يزرعها الشمال تورق شجرة الحرية لتستظل بظلها سوريا المستقبل جميعها.