الرئيسة \  مشاركات  \  الربيع العربي واللاءات الثلاثة

الربيع العربي واللاءات الثلاثة

19.11.2019
د. محمد أحمد الزعبي




يشير مفهوم (الربيع العربي) في عنوان هذه المقالة ، إلى كلا الموجتين الشبابيتين في الوطن العربي : موجة 2011 ( تونس ، مصر ، ليبيا ، اليمن)، و موجة 2019 ( العراق ، لبنان ، الجزائر ، السودان ) ، وتمثل ( سورية ) هنا القاسم المشترك والجسر الواصل بين هاتين الموجتين ، ذلك أن ثورتها التي انطلقت في مارس 2011 ماتزال مستمرة حتى يومنا هذا ، وأن شعارها الشهير ( الشعب يريد إسقاط النظام ) قد بات شعار ثورات الربيع العربي كلها ، بل و شعار الثورات العابرة للحدود العربية ، كما هي حال الثورة الشبابية الإيرانية ، التي شهدت النور منذ يومين من تاريخ هذه المقالة فقط . وبتوقفنا قليلاً عند هذه الثورة الشبابية الإيرانية ، العابرة للحدود العربية ( وهنا حدود العراق ) ، نلحظ أن الثوار الإيرانيين قد استعاروا من نظرائهم في الثورة السورية ، شعارهم الذي بات مألوفاً ومعروفاً ، والذي أشرنا إليه أعلاه ، ألا وهو ( الشعب يريد إسقاط النظام )، بينما استعار السيد ولي الفقيه آية الله الخامنئي ، من نظيره السوري بشار الأسد وصفه لمئات ألوف ثوار مارس2011 ب (العصابات المسلحة!!) ولكن بعد تحويل هذا التعبير خامنئياً إلى (المخربين !!) . أما اللاءات الثلاث في عنوان هذه المقالة ، فتشير بصورة أساسية إلى (لا) للاستبداد ، (لا) للفساد ، (لا) للنظام السياسي الذي أنتج كلّاً من الفساد والاستبداد ، وغيّب بالتالي الشعب برجاله ونسائه ، بشيبه وشبابه ، عن ساحة الفعل والتصحيح ، أي غيّب عملياًّ (الديموقراطية) التي تمثل العمود الفقري لهذا الفعل والتصحيح .
إن صراع الربيع العربي ، وفي موجتيه ، الأولى والثانية ، مع أنظمة الفساد والاستبداد ، إنما كان – واقع الحال - صراعاً بين الحق والباطل ، بين صيحة جاهلية تقول : ( ونشرب إن أردنا الماء صفواً ، ويشرب غيرنا كدراً وطينا !!) ، وأخرى إنسانية قائمة على قيم العدالة والمساواة بين الناس تقول : (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم / الحجرات 13 ) .
لقد استطاع بشار الأسد عبر استخدامه الرصاص الحي في قمع الثورة الشعبية في سورية ، جر هذه الثورة من ثورات الربيع العربي ، إلى مواقعه الطائفية ، المدججة من جهة ، بمختلف أنواع الأسلحة البرية والبحرية والجوية ، و من جهة أخرى ، بمختلف القوى الأجنبية القادمة من وراء الحدود ولا سيما من إيران ولبنان وروسيا والعراق ( عراق 2003) ، الأمر الذي أخرجها عن طابعها السلمي ، بل وحتى عن طابعها الوطني والقومي .
من تتبعنا لمجريات الموجة الجديدة من ثورات الربيع العربي ( موجة 2019 ) في السودان والجزائر والعراق ولبنان ، تبين لنا أن هذه الموجة الجديدة من ثورات الربيع العربي ، قد استفادت من دروس الموجة الأولى ، حيث كان دور الجيش في الثانية يختلف عنه في الأولى ، وكان الإصرار على السلمية في الثانية أكثر تجذراً منه في الأولى ، والإصرار على تصفية النظام الذي قامت الثورة ضده بكل عناصره ورموزه ، كان مطلباً ثابتاً ومتكرراً في كل أيام وجمع وآحاد التظاهرات الشعبية في السودان والجزائر . لقد كانت موجة 2019 هي بنت موجة 2011 من موجات الربيع العربي ، والذي كانت الثورة السورية في شكلها ومضمونها القديم والمتجدد تمثل الجسر الواصل بين هاتين الموجتين اللتين تتطلع شعوبهما المضطهدة نحو الطي العاجل لصفحة الاستبداد والفساد في كل أقطار الوطن العربي ، وبما في ذلك " الجمهورية العربية السورية ".