الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجندي السوري: الضحية

الجندي السوري: الضحية

02.09.2014
ديانا مقلد



الشرق الاوسط
الاثنين 1-9-2014
  اكتشفت أني لست وحدي من يشعر بالتنبه والحذر لدى النقر صعودا أو نزولا على "النيوز فيد" الخاص بي على مواقع "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب". بات يغلبني التوجس حين أستعرض ما فاتني على هذه الصفحات خصوصا حين تلوح من أسفل شاشة الكومبيوتر صورة ما وفيها مقدمة وجه أو جسد، فسرعان ما أحبس أنفاسي مخافة أن يطالعني مقطع لرأس إنسان يجري التلويح به أمام الكاميرا، وارتأى أحدهم أن لا مشكلة في أن يرمي بهذه الصورة وغيرها أمامي وأمام مئات غيري.
وفي هذه الأيام الغارقة في القتل والدم تتنوع دوافع من انخرط في نشر صور حفلات قطع الرؤوس المصورة والصلب والإعدامات، فمنهم من ينشرها بصفة ذلك حدثا ومنهم من ينشرها استفظاعا ومنهم طبعا من ينشرها إعجابا..
وتعميم هذه الفظاعات ساوى بين أهداف متداوليها. وما إغفالنا لكيفية تبّدلنا وضعف حساسياتنا كبشر في القبول بنشر هذه المشاهد سوى دليل إضافي على كم أصاب العنف منا من مقتل. فها نحن نكاد نكمل السنة الرابعة من العيش على وقع هذا الموت العميم الذي بلغ في العامين الأخيرين ذروة مشهدية أعادتنا حرفيا قرونا سحيقة إلى الوراء..
أي بؤس هذا الذي نعيشه نحن من توهمنا في عام 2011 أننا نسير نحو أحلامنا وحريتنا في هذه البلاد فإذا بنا نقع في الظلمة والدم والموت الذي بات فائضا إلى حد أنه لم يعد يترك في نفس من يشاهده أكثر من غصة سريعة تنتهي بمجرد إشاحة البصر!!
حقا، ما السبيل لمواجهة هذا الانتهاك المجنون لأبسط حقوقنا كبشر وهو الحق في الحياة وكيف يجري هدرها بهذه البساطة وبهذه الكثافة بحيث أننا بتنا عاجزين عن التفكر بمعنى موت الفرد، أي فرد. ولعل في الجدل الذي أثارته مشهدية إعدام قتلة "الدولة الإسلامية" أو "داعش" لعشرات من الجنود السوريين بعد سيطرة التنظيم على مطار "الطبقة" ألف دلالة ودلالة على كيف باتت الأهوال التي نعيشها لا تحركنا ولا تثير فينا ما تفترضه من مشاعر وأسئلة. فها هم عشرات من الجنود السوريين جردوا من ملابسهم وألقي بهم في العراء ومنهم من أعدم بالرصاص ومنهم من ذبح في مشهدية جديدة تفوقت بها "داعش" على نفسها.. انهالت التعليقات على الصور التي عممتها "الدولة الإسلامية" وقسم كبير من مروجي ومتداولي تلك الصور برر الجريمة وساوى بين الجنود وقتلتهم من الدواعش..
هكذا وببساطة بات سهلا على كثيرين القبول بل والشماتة في موت عشرات من المجندين الإجباريين الذين نعلم تماما كم هم فاقدو الخيار وكيف يجري تجنيدهم من قبل النظام وسوقهم إلى موتهم دون أن ترف لهذا النظام القاتل جفن..
في لحظة كهذه نكتشف حقيقة من نحن وبماذا نؤمن. ليس الحق في الحياة ترفا وليست مرجعية حقوق الإنسان كتابا نعتمده في أوقات الفراغ، فالإدانة الأخلاقية للنظام وارتكاباته لا تبرر لجلادي "داعش" ارتكاباتهم وهي بالتأكيد لن تردع النظام عن المتاجرة بجنوده وقتلهم والتخلي عنهم حين يرتئي..
الطاغية صدام حسين في لحظة إعدامه الثأرية كان ضحية.. الطاغية معمر القذافي في لحظة سحله وتعذيبه وانتهاك جسده كان ضحية..
تلك أبسط المعاني التي لا يمكننا أن نشذ عنها. فمقاومة انحرافات الأنظمة وإفرازاتها من قتلة وشذاذ آفاق لن تكتمل من دون التسلح بمرجعية أخلاقية وقيمية مغايرة لتلك التي تعممها هذه الانحرافات..
نعم النظام السوري قتل ويقتل شعبه لكن بمقتلة كالتي ارتكبها داعش بحق الجنود لا تتحقق العدالة بل يتعمم الموت والخراب.. ما جرى كان قتلا فظيعا وقبولنا وتبريرنا له يجعلنا جمهورا ميتا نشاهد فناء أناس أمام أعيننا ثم نكمل شرب القهوة مع الأصدقاء..