الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سياسات النظام السوري في الانهيار المجتمعي

سياسات النظام السوري في الانهيار المجتمعي

28.11.2018
رضوان زيادة


سوريا تي في
الثلاثاء 27/11/2018
كنت أقرأ تقريراً مطولا نشر في جريدة "عنب بلدي" عن انتشار ظاهرة المخدرات اليوم في المجتمع السوري، في الحقيقة أذهلتني الأرقام إذ يذكر التقرير نقلاً عن قاضي محكمة الجنايات، ماجد الأيوبي، لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام، إن ظاهرة تعاطي المخدرات ازدادت في الآونة الأخيرة وخاصة بين طلاب الجامعات والمدارس، الذكور والإناث، وكشف عن بلوغ نسبة متعاطي المخدرات بين الشباب 60% من الدعاوى المنظورة أمام القضاء”.
ووفق إحصائية صادرة عن وزارة الداخلية، في حزيران من العام الحالي (2018) تمت إحالة 3329 شخصًا إلى القضاء بتهم التعاطي
انتشار العنف والمخدرات والانفلات الأمني هي نتيجة سياسات للنظام اتبعها سابقاً في التأجيج الطائفي والانقسام المجتمعي عبر تأليف قسم من المجتمع ضد آخر
والمتاجرة، في حين تم ضبط 679.740 كيلو غراماً من الحشيش المخدر، وأكثر من مليون و875 ألف حبة مخدرة، و21.323 كيلو غراماً من القنب الهندي، و18 كيلو غراماً من مواد أولية لصناعة المخدرات
تكشف هذه الأرقام عن حجم الانهيار المجتمعي الذي يتعرض له المجتمع السوري اليوم بسبب التفكك والفقر والتشرد وانعدام الأمن، المسؤولية السياسية في ذلك لا تحتاج إلى الكثير من التفكير فانتشار العنف والمخدرات والانفلات الأمني هي نتيجة سياسات للنظام اتبعها سابقاً في التأجيج الطائفي والانقسام المجتمعي عبر تأليف قسم من المجتمع ضد آخر، وساعدت بنية النظام السوري أو تركيبته الطائفية وخاصة لعائلة الأسد في ذلك مما انعكس على قراراته الأمنية والسياسية خلال العقود الطويلة من استلامه الحكم منذ عام 1970 وحتى اليوم، كما أن هدف النظام كان تعزيز الانقسام الطائفي وليس وأد الثورة كما هو هدف أي نظام سياسي شرعي يرعى  حقن الدماء بين المواطنين بهدف ضمان الأمن والاستقرار، فهو لم يُقدم إلى اليوم أياً من مرتكبي هذه المجازر الطائفية إلى العدالة وفق محكمة علنية بهدف تحويل النظر من البعد الطائفي الجمعوي إلى المسؤولية الفردية كما هي حال كل الجرائم الجنائية في العالم.
 لقد كان واضحاً أن النظام كان يهدف بشكل رئيسي وخاصة الأجهزة الأمنية والمخابرات إلى "عسكرة المجتمع العلوي مبكراً"، وهو ما يفسر الارتفاع الكبير في نسبة المتطوعين المبكرة لعلويي حمص وخاصة من منطقة الزهراء في ميليشيات ما يسمى "الشبيحة" التي أطلق عليها النظام "الدفاع الوطني" وهي شبيهة تماماً بما يطلق عليه مليشيات موالية للحكومة وهي قوة شبه عسكرية ذات هيكل تنظيمي، وتكتيكات ، وتدريب، وثقافة فرعية، ووظيفة (غالباً) تشبه تلك الخاصة بالجيش المحترف، ولكنها لا تُدرج كجزء من القوات المسلحة الرسمية للدولة. وإلى هذه الميليشيات بالتحديد تنسب أكثر المجازر الطائفية ترويعاً ووحشية من مثل مجزرة كرم الزيتون والحولة وكلاهما حدثتا في عام 2012 ولعبا دوراً رئيسياً في التهجير الديمغرافي وتغيير المعالم الاجتماعية لمدينة حمص.
لقد لعبت هذه المجازر الطائفية دورا رئيسياً في تدمير البنى الاجتماعية الهشة أصلاً
لا يكترث النظام كثيرا لكل هذه القيم المجتمعية فهو لم يكن يوماً وطنياً في انتمائه بقدر ما يعبر عن وعي عصابة مجرمة تستغل موارد الدولة لضمان استنزافها لمصالحها الشخصية
في المجتمع السوري ومع انحلالها تبددت معها كل قيم التضامن المشتركة أو قيم الوطنية السورية التي تجمع السوريين فيما بينهم، فلم يعد السوري يرى في السوري الآخر شقيقاً أو أخاً أو مواطناً يشترك معه في الحقوق والواجبات، تعززت معاني العداء والخصومة مع هذا الانقسام الطائفي، الذي لا يمكن جسره بدون تطبيق معاني العدالة والمحاسبة.
بالعموم لا يكترث النظام كثيرا لكل هذه القيم المجتمعية فهو لم يكن يوماً وطنياً في انتمائه بقدر ما يعبر عن وعي عصابة مجرمة تستغل موارد الدولة لضمان استنزافها لمصالحها الشخصية.
القيم العامة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحياة السياسية وكيف تتحاور النخب وتتجادل بمعنى القيم العامة وإمكانية تطبيقها، ففي ظل ميوعة تطبيق "الإرهاب" على كل معارض للأسد من قبل وسائل الإعلام السورية ينتفي أي معنى أو جدوى لتحديد ماهية الإرهاب الحقيقي وبنفس المعنى يستخدم النظام معنى الطائفية لتبريرها واستخدامها ضد المعارضة بدل أن تتحول القيم المشتركة للسوريين إلى مفاهيم وطنية ضد التمييز الطائفي.
ربما تكون إعادة الإعمار الاقتصادي ممكنة، لكن إعادة الإعمار المجتمعي هي أكثر صعوبة واستحالة مع بقاء نظام الأسد، لأنها تتطلب إحياء قيم جديدة ودفن أخرى، تتطلب تعزيز الشراكة المجتمعية بين السوريين وهو ما يقوم الأسد بعكسه كمبرر لبقائه في الحكم وأخذ سوريا بعيداً نحو الهاوية، وعندها سيدفع السوريون ثمناً كبيراً ليس لإعادة إعمار بلدهم وإنما لبناء المصالحة الضرورية بينهم، والتي لا يمكن تحقيقها دون تحقيق العدالة والمحاسبة لكل من ارتكب جرائم بحق السوريين.