الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التفاوض الأخير على سورية

التفاوض الأخير على سورية

30.11.2017
عمار ديوب


العربي الجديد
الاربعاء 29/11/2017
ستُقرّر روسيا وأميركا مصير سورية. وليس ذلك من اختصاص تحالفات روسيا مع إيران وتركيا، بما فيها بيان رؤساء الدول الثلاث في سوتشي أخيراً، وطبعاً لن تقوم مؤتمرات المعارضة السورية في الرياض، ولا في سوتشي، وقبل ذلك في أستانة، بهذه المهمة الرئيسة. والأجواء التي أحاطت بمؤتمر المعارضة في الرياض (23-24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017) واستقالة الشخصيات الأساسية في هيئة التفاوض العليا، وانتخاب هيئة جديدة، ووفد تفاوضٍ متأثرٍ بالضغوط الدولية والإقليمية عليه، هي أجواء تعني أن القراءة الروسية للقرارات الدولية ولمصير مسار جنيف هي ما تم إقراره في "الرياض 2"، وتحت يافطة أن لا شروط مسبقة في المفاوضات.
استند بيان الرياض إلى القرارات الأممية والدولية، سيما بيان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2118، فلم يتضمن أيّ تراجعات عن "الرياض 1" تُبرّر الاستقالات، غير أن التشويش هو في القول إنّه لا شروط مسبقة في المفاوضات! أي إنه سيتم التوافق على ما سيُقرر لهم عبر روسيا وأميركا. ويتم تأكيد الفكرة الأخيرة مراراً وتكراراً عبر الهواتف الساخنة والمستمرة بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، أو بين مسؤولي الدولتين العُظمَيَيْن بخصوص سورية.
إذاً هل بيان "الرياض 2" قابل للتفسير بكل التأويلات؟ مهلاً؛ هناك تأويل أساسي، يقول إن غياب شروط مسبقة، ومنها إجراءات الثقة، كإطلاق سراح المعتقلين، أو الالتزام الصارم بوقف إطلاق النار على مناطق خفض التوتر، أو إيصال المساعدات وسواها، يقول إنّ القراءة الروسية هي المعتمدة دوليّاً، وبيان الرياض يقرّ فيها، وهو ما سيتحقق في اجتماع جنيف. ولكن: ما هي القراءة الروسية الأخيرة لمصير سورية، وهل يمكن أن تتجاهل الموقف الأميركي؟ هذا غير ممكن.
وقد أكدت قمة سوتشي أن الحل السياسي في سورية يتشكل من حكومة موسعة بقيادة الأسد، 
"المفاوضات الحقيقية ستكون على الأغلب سريّة، وستحقق حلاً سياسياً في العام المقبل" وإصلاحات دستورية، وربما إبقاء الرئيس الحالي مع صلاحيات أكبر لرئاسة الوزارة، وبما يجعل موقع الرئاسة صورياً. ويُراد من مؤتمر سوتشي المرجأ إلى فبراير/ شباط المقبل، وهو الخاص بالمعارضة وممثلين عن النظام، شرعنة الوجود الروسي في سورية، سيما أن روسيا استدعت إلى سوتشي، قبل أيام، رئيس النظام الحالي، وممارسة ضغوط إضافية على المعارضة والعالم، وتحديداً على الأميركان، ليتراخوا في مواقفهم إزاء سورية. وقد حدّد الموقف الأميركي بدقة، فما بعد نهاية "داعش" يجب البدء بحل سياسي في سورية، ولكن يجب تحجيم إيران بشكل كبير، وضمان مصالح إسرائيل والسعودية والسوريين كافة، وحتى ضمان مصالح حلفائهم الكرد، وهذا غير ممكن من دون خروج إيران، وإجبار الأتراك على الموافقة على ذلك. وروسيا تدوّر الزوايا، قبل توافقها الكامل مع الأميركان، أي هي تمهّد، عبر المؤتمرات الخاصة بالسوريين، أو برؤساء الدول، لتؤكد أن هناك توافقات دولية، (مع أوروبا وأميركا) لا يمكن تحقيق انتقال سياسي من دون أخذها بالاعتبار، وكذلك الضغط على الأميركان للتسليم باحتلال روسيا سورية؛ فروسيا تعلم أن وجودها نفسه في سورية لا يتشرعن من خلال النظام، بل بموافقة أميركا عليه أولاً وأوروبا ثانياً. ومن هنا، وظيفة تدوير هذه الزوايا هي إيجاد توافق أميركي روسي حقيقي بخصوص سورية، وليس مستبعداً حصول محادثات سرية مستمرة بين واشنطن وموسكو، بخصوص الصيغة النهائية لاحتلال سورية.
مؤتمر الرياض 2 وقبله كل اجتماعات أستانة، بل وسوتشي لاحقاً، لم ولن تهتمّ جديّاً بقراءة مبرّرات الاحتلال الروسي، أو بقية الاحتلال لسورية. ولهذا نجد صيغة بيان الرياض 2 تتضمن كلاماً يخص إيران، أو إجلاء القوات الأجنبية بشكلٍ "لطيف"، وهذا يُوضح الدور الانتهازي للمعارضة، واستعدادها للتوقيع على ما سيُقرره الروس والأميركان لاحقاً.
هناك مصالح متعارضة بين روسيا وأميركا باعتبارهما يقرّران شكل السيطرة الدولية على العالم. وفي منطقتنا حدّدت أميركا مهمتها الراهنة، والماثلة في تحجيم إيران بعد نهاية "داعش"، وتشكيل أنظمة تابعة وهامشية، لكن الروس ما زالوا في مرحلة التجريب لما يريدون من منطقتنا. ولهذا نجد مواقفهم مربكةً إزاء مصالح الدول الإقليمية في منطقتنا، ولاسيما المواقف مما يحصل في العراق أو اليمن مثلاً. وبين الدولتين العظميين ما زالت هناك قضايا معقدة للغاية، وستظلّ كذلك زمناً. وبالتالي ستكون المهمة الراهنة هي ترتيب شؤون المنطقة. وليست هذه القضية سهلة، ولكن لا يجوز تركها في حالة توترٍ عاليةٍ، تُهدد المنطقة بأكملها. ومن هنا تأكيد أن أميركا تتعاون مع روسيا، لطي صفحة الحرب في سورية، وتشكيل نظام جديد.
أما إيران فتجد نفسها تمتلك قوة فائضة، وأن من حقها أن تلعب دوراً مستقبلياً في كل الدول العربية، وهي تتخوف كثيراً من المرحلة الحالية؛ فهي الهدف الأول للأميركان، وهي محط نقد مستمر من إسرائيل ومن السعودية. روسيا ذاتها لا يمكنها الاستمرار في تبرير الوجود الإيراني في سورية أو اليمن. وبالتالي، في حال رغبت بتوافقاتٍ قوية مع أميركا أو إسرائيل أو الخليج، فهناك مصالح يجب التضحية بها، وأولها تحجيم إيران في سورية؛ يدعم هذه الفكرة أن إيران تنافس روسيا على سورية، وأن أموال إعادة الإعمار وتسهيل الاحتلال الروسي لسورية ستأتي من الدول المشار إليها! إذاً لا بد من التضحية بإيران، والسؤال كيف؟
توضح مقرّرات مؤتمري الرياض 2 وسوتشي أن الدور الروسي فيهما كبير، وبالتالي سيتهمش دور إيران التي لم تكن موجودة في الرياض، ولن تكون في سوتشي، وبالتأكيد سيكون تحجيمها من نتائج مفاوضات جنيف. وضمن هذه المعطيات، ستتهمش إيران. ومن مصلحة السوريين، معارضة ونظاماً، وقد دُولّت سورية، أن تتحجم إيران منها، سيما أنها مارست سياسات تغيير ديموغرافي وطائفية وعنصرية، ولم يسلم النظام بأجهزته من هذه الممارسات.
تسير تركيا نحو توافقات أكبر مع روسيا، وهي ليست في خلافٍ مع الخليج، ولا مع إسرائيل، وإنما مشكلتها في أن خلافاتها مع الولايات المتحدة تُهمشها أكثر فأكثر، وتُلحقها بروسيا. وبالتالي، هناك ضعف كبير في سياساتها هذه، ويُستثنى منها موقفها الحاسم إزاء الأكراد؛ وهذا ما يجعلنا نرى أن مآلات الوضع السوري لن تكون تركيا فيه حجر عثرة كما إيران؛ فالأخيرة ستبحث عن صفقاتٍ كبرى تُبرّر تهميشها من سورية تحديداً؛ وطبعاً لم يعد يكفيها المحافظة على حزب الله في لبنان، لكن طموحها هذا يُقابلُ برفضٍ سعودي لوجودها في اليمن، ورفضٍ أميركي لهيمنتها على العراق، ورفضٍ إسرائيلي لوجودها في سورية خصوصاً، وكذلك لبنان.
... ما تقدم من أفكار يقول إن خيارات روسيا في إدارة الحل السياسي المزمع في سورية ليست سهلة، ولو أضيف دور السوريين خارج سيطرة النظام، وهم المتضرر الأكبر من احتلالها بلدهم، فإن روسيا لا تُحسد على وضعها، وهي ستحسم مواقفها من قضايا كثيرة، وليس أقلها إضعاف تحالفها مع إيران، وإجبار النظام على تقديم تنازلاتٍ كبرى لإشراكه في الحل، وستضطر لإرضاء المعارضة لضبط الشارع، ولإرضاء الدول الداعمة لها، وتسهيل احتلالها الكامل لسورية.
إذاً سيكون هناك حل سياسي، وليس بعيداً، لتسهيل معركة أميركا ضد إيران، ولتجديد رئاسة 
"ليست سورية مشرفةً على نهوضٍ وفق ما تتموضع عليه الأمور، بل هي مشرفةٌ على نهبٍ جديدٍ واحتلالٍ مستمر" بوتين في مارس/ آذار 2018، في الانتخابات الرئاسية. وحجم التدخلات الروسية في الوضع السوري كبير، فهي لم تعد تبني قواعد عسكرية، وتدمر المدن وتقتل، بل أيضاً تشرف على المصالحات مع النظام، ولها دور مهيمن على الطيران السوري، وهناك من يؤكد سيطرتها على مفاصل كبرى في الجيش وأجهزة الأمن. ويساعدها تدخلها الكبير هذا في تذليل خلافاتها المستقبلية مع إيران، وإجبار النظام على تقديم تنازلات، وكذلك إجبار المعارضة على الموافقة على دور روسيا كاحتلال، فالمعارضة، كما النظام، مهتمة بالوصول إلى حل سياسي، لا تخرج منه بلا حمّص، وبمناصب في الدولة المستقبلية، وهو ما يدفعها إلى تقديم تنازلات كبرى.
ومهما حصل في مفاوضات جنيف، فإن نتائجها ستخصم من صلاحيات الرئيس الحالي، ومن الأجهزة الأمنية، وستُعطي للمعارضة أدواراً ليست هامشية فيها، بحيث تكون هناك حكومة تجمع مصالح كل من النظام والمعارضة، مع إلغاء فكرة رحيل الأسد، وعدم تجاهل مطالب المعارضة في تغييرٍ عميق في النظام؛ وربما سيكون هناك تفاوض بخصوص العدالة الانتقالية ومحاكمات المسؤولين عن الجرائم، وهذا أساسي لحدوث الحل السياسي، برعاية روسية وأميركية، وهنا المعنى المطابق لما ورد في بيان "الرياض 2"، أي عدم وجود شروط مسبقة؟
وسواء أكان لوفد التفاوض الجديد والعتيد دورٌ أم لا في المفاوضات، فإن المفاوضات الحقيقية ستكون على الأغلب سريّة، وستحقق حلاً سياسياً في العام المقبل، وستكون الفئات السياسية الجذرية أمام مسؤوليات كبرى، أولها إعادة النظر بكل ما حدث خلال السنوات السبع الأخيرة، والابتعاد عن كل تفكير فئوي، والتفكير بشكل وطني في مصير سورية المحتلة. ليست سورية مشرفةً على نهوضٍ وفق ما تتموضع عليه الأمور، بل هي مشرفةٌ على نهبٍ جديدٍ واحتلالٍ مستمر. وبالتالي، ربما سيُنهي الحل السياسي وضعاً كارثياً وهو كذلك، لكنه سيفتح المجال لصراعاتٍ سياسيةٍ ووطنية جديدة. تعب السوريون من مأساتهم، لكنهم مضطرّون للنهوض الذاتي بخيارهم الوطني مجدّداً؛ وسيبدأ هذا كلّه حالما يُنجز الحل السياسي.