الرئيسة \  واحة اللقاء  \  واشنطن وموسكو على صفيح ساخن

واشنطن وموسكو على صفيح ساخن

18.10.2018
علي العبدالله


العربي الجديد
الاربعاء 17/10/2018
شكّل إسقاط طائرة التجسّس الروسية (إيل 20) ومقتل طاقم العمل، 15ضابطا، يوم 17 سبتمبر/ أيلول الماضي لحظة كاشفة لواقع العلاقات الأميركية الروسية، حيث تواترت التصريحات والمواقف التصعيدية من كلا الطرفين.
كشفت التعليقات الروسية على الحادث توجهاً روسياً تصعيديا عبّر عنه يوري شفيتكن، نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، بقوله "على الطائرات الأجنبية العسكرية التي تعبر الحدود السورية بنيات غير واضحة، ألا تشعر بقدرتها على الإفلات من العقاب، يجب أن تدرك من الآن أنه يمكن ضربها في أي لحظة، وأنها ستكون عرضة للهجوم إذا كان هناك تهديد لقواتنا. سيكون هذا أحد العوامل الرادعة للنشاط الإجرامي من الدول التي تشن هجمات على سورية أو تخطط للقيام بذلك"، وإبلاغها إسرائيل "أن مهاجمة أهداف في سورية أمر يتعارض مع مصالحها في المنطقة"، وتسريبها مؤشراتٍ على توجه روسي إلى تعزيز التعاون مع طهران في سورية، لجهة غضّ النظر عن تعزيز الوجود العسكري الإيراني في بعض المناطق، بحسب مصدر عسكري روسي، تحدث إلى صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا، وإعلانها، ردا على الموقف الأميركي من برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، حق إيران السيادي في تطوير قدراتها الصاروخية، وتعهدها لإيران بتوفير حماية جوية لمواقعها الإستراتيجية في سورية، وتقديم 
"ارتبط التصعيد الروسي بتحرّكات ومواقف أميركية تصعيدية، أعلنها صقور الإدارة" مظلة دفاع جوي لها، ما يُعد نكثاً بالتعهدات التي التزم بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم 11 يوليو/ تموز، وللرئيس الأميركي في قمة هلسنكي يوم 16 يوليو/ تموز، وإيقاف الاستخبارات العسكرية الروسية خطة كانت أعدّتها لمكافحة الأنشطة الإيرانية عبر إرسال وحداتٍ من القوات الخاصة البرية من "لواء العمق" لشن عمليات نوعية سرّية ضد شخصيات ومراكز قيادة ومنشآت استخباراتية إيرانية؛ والتزام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس الإيراني حسن روحاني يوم 7 سبتمبر/ أيلول بوضع الإمكانات الروسية تحت تصرف إيران، لمساعدتها في مواجهة العقوبات الأميركية التي ستدخل حيز التنفيذ في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وقرارها الأخير تسليم النظام السوري بطاريات صواريخ إس - 300، وإنشاء نظام إدارة موحّدة لقوى الدفاع الجوي ووسائله في جميع أنحاء سورية؛ بما في ذلك وسائل الحرب الإلكترونية، ووسائل إطلاق النار؛ بإنشاء نقطة قيادة مركزية موحّدة، سيتعرف جيش النظام من خلالها على الهدف. وفي الوقت نفسه، سيتأكّد الروس من هوية الطائرات المغيرة، ويؤكّدون لقوات النظام لمن تعود، لخصمٍ أو لصديق، ونشر أجهزة تشويش كهرومغناطيسية على طول الساحل السوري في شرق المتوسط، أجهزة متطوّرة قادرة على تعطيل كل أنظمة التحكّم في الطائرات والسفن الحربية والأقمار الاصطناعية؛ كما التشويش على الاتصالات بتردّدات على الموجات القصيرة والتردّدات العالية. كانت قد حشدت قوة عسكرية كبيرة قبالة الساحل السوري (26 سفينة، وغواصتان و34 طائرة، حاملات الصواريخ الإستراتيجية "تو - 160" وطائرات مكافحة الغواصات "تو - 142" و"إيل - 38"، إضافة إلى مقاتلات "سو-33" و"سو- 30")، وأجرت مناوراتٍ بالذخيرة الحية استمرت أكثر من أسبوع، أبقت على هذا الحشد البحري حاجز صد أمام السفن الأميركية والإسرائيلية والبريطانية والفرنسية التي تتخذ مواقع هجومية قبالة السواحل السورية، وشنّت حملة إعلامية وتصريحات نارية ضد الوجود الأميركي في سورية؛ غير الشرعي بنظرها، وانتقاد دورها شرق الفرات واتهامها بالعمل على تشكيل دويلة كردية هناك، والدخول في مغامرة خطيرة في كردستان العراق، عبر اللعب على فكرة ما يسمّى كردستان الكبرى، وفق تصريح وزير الخارجية، سيرغي لافروف. هذا بالإضافة إلى تراجعها عن تنفيذ التفاهمات التي توصلت إليها مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بخصوص اللجنة الدستورية السورية؛ عبر اشتراط موافقة النظام السوري على قائمة ممثلي المجتمع المدني، وتأييد طلبه الحصول على رئاسة اللجنة وأغلبية الثلثين فيها.
ارتبط التصعيد الروسي بتحرّكات ومواقف أميركية تصعيدية، أعلنها صقور الإدارة (مستشار الأمن القومي جون بولتون، وزير الخارجية مايك بومبيو، ممثل الولايات المتحدة الخاص في سورية جيمس جيفري) وجنرالات البنتاغون (وزير الدفاع جيمس ماتيس، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة جوزيف دانفورد، قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل)، ردا على الاستعدادات الروسية لشن عملية عسكرية في محافظة إدلب، ارتفعت حدّتها بعد إعلان روسيا عن نيتها تسليم صواريخ إس 300 للنظام السوري (بولتون: القرار "خطأ فادح"؛ ويهدّد بـ "تصعيد خطير" في المنطقة، بومبيو: توريد روسيا منظومة "إس 300" للدفاع الجوي إلى سورية "تصعيد خطير"، فوتيل: تسليم المنظومة "رد غير محسوب")، وشروع القوات الأميركية في إنشاء قاعدة جوية في منطقة الشدادي في محافظة الحسكة، واتخاذ المدمرة الأميركية "يو أس أس سوليفان" وقاذفة القنابل البحرية الإستراتيجية "بي 1- بي"، والسفينتين الحربيتين "يو إس إن إس كارسون سيتي"، و"سان أنطونيو"؛ مواقع هجومية في البحر المتوسط والخليج العربي، وتعزيز القدرات التسليحية للقوات الأميركية في شمال شرق سورية (أسلحة ثقيلة ورادارات ثابتة ومحمولة)، والحديث عن توجه أميركي لإحياء التحالف الثلاثي (الفرنسي- البريطاني-الأميركي) لتوجيه ضربةٍ ثلاثيةٍ جديدةٍ ضد النظام وحلفائه الإيرانيين. كانت حرباً كلامية واستخباراتية قد دارت بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث أشعر الروس القوات الأميركية خطياً يوم 6 سبتمبر/ أيلول بأنهم سينفذون ضرباتٍ دقيقة ضد "الإرهابيين في التنف" التي تعتبر منطقة "عدم تصادم"، ما دفع بالقيادة العسكرية الأميركية للتأكيد على أنها لن تتردد في "استخدام القوة للدفاع عن قواتنا وعن قوات التحالف أو قوات شركائنا كما برهنا على ذلك في حوادث سابقة"، وأعلن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد يوم 9 سبتمبر/ أيلول "أن إرسال قوات مشاة البحرية (المارينز) للقيام بمناورات بالذخيرة الحية يعتبر رسالة لكل من يعتقد أن قاعدة التنف هدف سهل"، واقتراب مجموعة من السفن الحربية الغربية، وفي مقدمها: فرقاطة "دي رويتر" التابعة للبحرية الهولندية، والمدمرات الأميركية "كارني" و"روس" و"ونستون تشرشل
"توقع صدام عسكري بين روسيا وأميركا، مباشر أو عبر وكلاء" المزوّدة بصواريخ توماهوك، وغواصة "تاينت" النووية البريطانية المزودة كذلك بصواريخ توماهوك، وثلاث غواصات نووية أميركية، إضافةً لسفينة ماونت ويتني القيادية التابعة للأسطول السادس الأميركي، يوم 16 سبتمبر/ أيلول؛ من الحدود السورية البحرية، في رسالة تحذير وردع لروسيا، وتسريب معلومات عن قيام البنتاغون بتطوير سيناريوهات عسكرية في سورية، من ضمنها استهداف سلاحي الجو والقوات الخاصة الأميركية والإسرائيلية العمود الفقري للقدرات العسكرية الإيرانية في سورية، وتوجيه ضربات موضعية للأذرع الخارجية للحرس الثوري، وفي مقدمتها "فيلق القدس" و"الباسيج"، ونحو 21 مليشيا شيعية عراقية وأفغانية وباكستانية، بما في ذلك "حزب الله" اللبناني، وتعهد الولايات المتحدة بتوفير مظلة دفاع جوي أميركي للغارات الإسرائيلية في عمق الأراضي السورية، وخصوصا التي تتم بالقرب من الحدود العراقية والتركية، أو المهام التي يتم تنفيذها ضد الأهداف الموالية لطهران في العراق، كما تعهدت الولايات المتحدة بوضع قواتها البرية في المنطقة على أهبة الاستعداد، تحسباً لأي تصعيد يمكن أن ينتج عن عمليات القصف الجوي، وفق اتفاق جون بولتون ــ بنيامين نتنياهو في شهر أغسطس/ آب الماضي، وتهديد المندوبة الأميركية لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو) كاي بايلي هاتشيسون بتوجيه ضربة عسكرية لتدمير نظام صواريخ متوسطة المدى مخالف للاتفاقات المعقودة بين البلدين حول الحد من التسلح النووي تقوم موسكو بتطويره سرا. هذا إلى جانب تحرك سياسي ودبلوماسي على عدة محاور: التحرّك في الأمم المتحدة لتثبيت ربط إعادة الإعمار بالانتقال السياسي، تشكيل جبهة دولية للتصدي للهجمات السيبرانية الروسية في ضوء هجماتها ضد الولايات المتحدة الأميركية ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والتحرّك لإقامة "تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي" (ميسا)، يضم الولايات المتحدة والكويت والسعودية والإمارات وقطر وعُمان والبحرين ومصر والأردن، بحيث يغطي عمله مناطق الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك المعابر المائية الثلاثة التي تربط هذه المساحات المائية، وهي مضيق هرمز، وباب المندب، وقناة السويس، لمراقبة الملاحة وتهريب الأسلحة، من جهة، وتشكيل قوة برية يمكن أن تنتشر إلى جانب القوات الأميركية في منطقة شرق الفرات، من جهة ثانية، وتفعيل القانون الفيدرالي المسمّى "مواجهة أعداء أميركا من خلال قانون العقوبات" بفرض عقوبات على كل دولة تشتري أسلحة من روسيا. ما دفع محللين إلى توقع صدام عسكري بين الجانبين، مباشر أو عبر وكلاء، صدام يوتّر الأجواء ويخلط الأوراق، تمهيدا لتفاهماتٍ جديدة.