الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التدخل الروسي .. حصاد السنة الاولى

التدخل الروسي .. حصاد السنة الاولى

28.09.2016
عيسى الشعيبي


الغد الاردنية
الثلاثاء 27/9/2016
تمر بعد يومين الذكرى السنوية الاولى للتدخل الروسي في الحرب ضد الثورة السورية، وأحسب أن هذه فرصة مناسبة كي يجري الكرملين حساباً مع النفس، يطرح فيه أسئلة ليست للإعلام، مثل؛ ما الذي حققناه سياسياً بعد عام من القصف الجوي، وما الذي لم نتمكن من تحقيقه بعد؟ هل هناك خشية من التورط في حرب مفتوحة زمنياً وسط رمال سورية متحركة؟ وهل الإنجازات العسكرية المتحققة كفيلة بإملاء حل يتوافق مع الرؤية الروسية؟ ومتى ستحدث نقطة التحول الاستراتيجية؟.
وربما هناك أسئلة فنية أخرى مطروحة على مائدة البحث، من قبيل؛ هل استمرار الرهان على جيش نظامي منهك، كثيراً ما أظهر الجبن وفر من القتال، رهاناً صائباً حقاً؟ وهل كسب الحرب بالاعتماد على ميليشيات طائفية ذات اجندات خاصة بها امر ممكن؟ وكيف يمكن الفوز في حرب غير متماثلة، وفي الذهن نماذج لعدة حروب شرق اوسطية حديثة فاشلة؟ وماذا عن كلفة الحرب في ظل أوضاع اقتصادية ذاتية حرجة؟ ثم هل هناك فخ محتمل لاستدراجنا في حرب افغانية بنسخة جديدة؟.
من المرجح أن الرئيس الروسي، وهو رجل الاستخبارات السوفياتية سابقاً، لن يقبل دون تمحيص تقارير جنرالاته، اذا قالوا له اننا قوضنا البنية التحتية للمسلحين، وقضينا على  عشرات الالوف منهم، وقد يعض بوتين على شفتيه اذا رددوا امامه ما يقولونه للإعلام الداخلي، بأن " الارهابيين" انهاروا وهربوا الى الحدود التركية، او غير ذلك من مبالغات "البروباغندا" المتماثلة مع ما تردده، بسذاجة مفرطة، ماكينة إعلام النظام السوري، قبل اندلاع الثورة وبعدها.
قد يقول سيرغي لافروف امام معلمه، عندما يأتيه الدور في الكلام؛ اننا اوقفنا انهيار الأسد، نفخنا روحاً في جيشه، واطلنا عمر نظامه، وان روسيا عادت مجدداً الى المياه الدافئة في الشرق الاوسط، وانها باتت صاحبة اليد العليا في القضية السورية، وهي تكسب سياسياً وتتقدم على اميركا المتراجعة في المنطقة، وان اوكرانيا دُفعت الى الهامش، وفوق ذلك اننا على وشك انتزاع اعتراف دولي بأن روسيا قوة عظمى، وانها بصدد استعادة الامجاد السوفياتية التليدة.
غير انه في النقاش المعمق ــ اذا كانت تقاليد العائلة المافياوية تسمح بذلك ــ ستثار اسئلة اكثر تعبيراً عن القلق المشروع لدى دولة كبرى تنافس اميركا، وتخشى مثلها التورط البري، مثل؛ ما تداعيات استمرار رفض الدول العربية والغربية الاقتناع بوجهة النظر الروسية؟ وهل هناك فصائل معارضة سورية يمكن ان تقبل بحل يبقي الأسد الغارق في دماء شعبه؟ وماذا الآن بعد آلاف الطلعات الجوية واستخدام اشد الاسلحة فتكاً، ولم نحقق سوى مكاسب تكتيكية متفرقة؟.
على الارجح ان احد مستشاري فلاديمير بوتن، يملك الشجاعة السياسية والحس بالمسؤولية، سوف يصارح الرئيس المفتون بصورته كلاعب كاراتيه بارع، بالقول انه قد آن اوان إجراء المراجعة واعادة تقدير الموقف وسط الرمال السورية المتحركة، وبالتالي فإن على القيادة اتخاذ قرار حاسم بإنهاء التدخل قبل نهاية العام الجاري، لحظة التقاط اول صورة نصر، حتى ولو كانت على ركام مدينة حلب. فمع جيش نظامي لا يستطيع ان يحتفظ بالمكاسب التكتيكية عندما تغادر القاصفات سماءها، ولم يسجل اي نصر في تاريخه الطويل، من المستحيل كسب هذه الحرب.
ولا شك في ان هناك جنرالات روسا، خاصة من المتقاعدين، لديهم تقدير موقف مختلف، احدهم نشر تقريراً مطولاً جاء في خلاصته؛ لتحقيق النصر لا يكفي التفوق العددي والتقني، بل ينبغي توفر عناصر الثبات وقوة الارادة والثقة بالنفس، والاصرار والشجاعة، والحيلة وإلهام الآخرين، وروح المبادرة، وكلها عناصر مفقودة لدى جيش يرابط نصفه على الحواجز داخل المدن، وينشغل في ابتزاز الناس وجمع الاتاوات منهم.
إزاء ذلك كله، فإنه يمكن القول، ان حصاد السنة الروسية الاولى كان حصاداً ضئيلاً، وان النتائج الميدانية لا تليق بصورة دولة كبرى، تقتل بلا تمييز ولا تقاتل، تتعرض لضغط دولي متعاظم، وتستهلك نفسها بلا هوادة، فيما المعارضة المسلحة تكيفت مع الوضع، استوعبت الضربات ولم تستسلم، بل تقدمت في بعض المحاور، ما يعني ان بوتين يدافع عن حصان ميت في دمشق، وأن طياريه يعملون كجناح جوي لقوى طائفية.