الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السنّة كانوا دائماً موحَّدين ومنقسمين!

السنّة كانوا دائماً موحَّدين ومنقسمين!

30.08.2016
سركيس نعوم


النهار
الاثنين 29/8/2016
قبل الحروب في لبنان كان السنّة قادة المسلمين موحَّدين ومنقسمين. توحّدوا على عروبة لبنان التي آمن بها مسيحيوه، لكنهم خافوا إسلاميتها التي يمكن أن تهدد دورهم السياسي الوطني. وأن تذيبهم لاحقاً في خضم عروبة مسلمة متطرّفة أو معتدلة لا فرق وخصوصاً اذا نجح روّاد القومية العربية بل دعاتها في إقامة دولة الوحدة. وبرّرت الوحدة اليتيمة التي قامت في تلك المرحلة بين مصر (الراحل) جمال عبد الناصر وسوريا المشرذمة سياسياً والمخترق جيشها سياسياً وإقليمياً قلق المسيحيين وخوفهم ولا سيما خلال "ثورة" 1958 في لبنان وعدم الاستقرار السياسي والأمني الذي ساد البلاد.
وتوحَّد السنّة والمسلمون عموماً قبل الحروب على إزالة الغبن اللاحق بهم في الدولة بمؤسساتها الدستورية والادارية والأمنية، وجعل مشاركتهم في حكم البلاد مساوية لمشاركة المسيحيين. لكنهم كانوا منقسمين سياسياً إذ توزعوا على زعامات متنافسة في بيروت وطرابلس والبقاع ومناطق أخرى. وكان الانقسام حاداً أحياناً، لكنه لم يصل الى حد الصراع لأن المشتركات الوطنية والقومية كانت كثيرة.
في أثناء الحروب بين 1975 و1990 "ذاب" المسلمون مع الوجود الفلسطيني المسلّح اذ اقتنعوا بأن تحصيل "حقوقهم" من المسيحيين مستحيل بالتفاهم، وبعدما أكد لهم قادته أنه سيحصل لهم. ولاحقاً انقسموا بين الوجود المذكور وسوريا (الراحل) حافظ الأسد التي اتهمها بعضهم بمساعدة المسيحيين. وبعد تطورات إقليمية مهمة معروفة منها، زيارة السادات (الراحل) للقدس، وغزو اسرائيل لبنان عام 1982 أحكمت سوريا قبضتها على لبنان بمسلميه كلهم وبقسم مهم من مسيحييه ولا سيما بعد مجزرة إهدن عام 1978. واستعملت للنجاح في ذلك التعاون المسيحي – الاسرائيلي وضرورة مواجهة احتلال اسرائيل أجزاء لبنانية وإقامة لبنان جديد متوازنة شعوبه بل متساوية. وعندما انتهت الحروب باتفاق الطائف كان المسلمون انقسموا عملياً بين شيعة وسنّة وإن تحت مظلّة دمشق، وكانوا فقدوا غالبية زعاماتهم التقليدية والشعبية. وكانت القيادة السورية بدأت إعداد "قيادات" جديدة سنية وشيعية وكذلك مسيحية حيث استطاعت الإمساك بلبنان بواسطتها وفي الوقت نفسه لإقناع اللبنانيين بأنها ضد الاقطاع وما الى ذلك.
متى بدأ الصراع الفعلي السنّي – الشيعي في لبنان؟
بعد انهاء سوريا حروبه الأهلية وغير الأهلية بدعم عربي – دولي، وبعد انقسام المسيحيين أفرقاء واحد رافض سوريا ودورها ومحرّض على التمرّد عليها داخلاً وخارجاً، وآخر ساع الى استخدام تغطية اتفاق الطائف لحصر تمثيل المسيحيين به، وثالث معتكف عن الاشتراك في الدولة ومقاطع لأول انتخابات عامة فيها بعد الحرب، بعد ذلك بدأ الصراع السنّي – الشيعي. إذ صار واضحاً أن دمشق اختارت الشيعة بجناحيهم السوري والايراني حلفاء بعدما فقدت ثقتها بالمسيحيين في مقابل مساعدتهم على إزالة الاحتلال الاسرائيلي، والتحوّل أصحاب الكلمة الأكثر وزناً في لبنان. انزعج السنّة لكن سطوع نجم الرئيس (الشهيد) رفيق الحريري ونجاحه جرّاء مواهبه الكثيرة وجرأته وكدّه وعلاقاته الخارجية أعاد للسنّة دوراً ومكّنهم من منازعة الشيعة على ملء فراغات الادارات التي أحدثها اعتكاف المسيحيين. كما أنه وحّد أكثريتهم الساحقة حوله، وسمحت له سوريا الأسد بذلك لحاجتها إليه هو الذي ساعدها في المحافل الاقليمية والدولية أكثر مما ساعدت نفسها. ولكنها كانت دائماً تخاف طموحاته وتخشى توسعها في اتجاهها، وتقلق من نجاحه يوماً ما مع المجتمع الدولي في إنهاء هيمنتها على لبنان. ولذلك كانت دائماً تستخدم حلفاءها المسيحيين (في السلطة طبعاً) وحلفاءها السنّة على قلّتهم وقلّة شعبيتهم وحلفاءها الشيعة داخل الدولة وخارجها وغيرهم من أجل التضييق عليه ومحاربته عند الحاجة وإخراجه من السلطة إذا صار خطراً داهماً.
ويبدو أنه نجح عام 2004، وبعدما استهدفه سياسياً الأسد الإبن منذ تسلمه السلطة قبل أربع سنوات مع حلفائه اللبنانيين، في إقناع المجتمع الدولي بضرورة التغيير الإقليمي في لبنان، فكان القرار 1559. ودفع حياته ثمناً له وآخرون ولم يتمكّن القضاء الدولي حتى الآن من الاهتداء الى المخططين والمنفذين ومعاقبتهم.
هل توحّد السنّة بعد ذلك؟ وهل سينجحون في مواجهة الوحدة الشيعية الحالية السياسية والأمنية والعسكرية المدعومة من أسد دمشق وإيران الإسلامية؟