الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انقذوا محافظة إدلب سلمياً قبل فوات الأوان

انقذوا محافظة إدلب سلمياً قبل فوات الأوان

06.03.2019
د. محمد صالح المسفر


الشرق القطرية
الثلاثاء 5/3/2019
تغوص منطقة إدلب في أعماق تاريخ بلاد الشام، وتعود تسميتها كما تذكر كتب التاريخ إلى روايات متعددة، أذكر منها أن تسمية إدلب تتكون من شقين في اللغة الآرامية (ادد) الإله المشترك عند الآرامية، وهو نفس الإله (هدد) إله العاصفة أو الرعد، والشق الثاني من الكلمة (لب) ويعني في ذات اللغة والسريانية أيضا لب الشيء، أي قلبه، أو مركزه، وبجمع الشقين تكون كلمة (إدلب) وتعني مكان عبادة الإله (ادد) ولا أريد الاسترسال في تاريخ التسمية فذلك خارج موضوعي الآن.
ومعروف أن محافظة إدلب تنقسم إلى خمس مناطق إدارية أوردها هنا وهي: إدلب وأريحا ومعرة النعمان وجسر الشغور وحارم، ويرقد الفيلسوف العربي أبو العلاء المعري في ثرى المعرة والتي سميت باسمه (معرة النعمان) وإلى جواره يرقد الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز الملقب بالخليفة الخامس لعدله وحكمته وورعه وتقواه (الخلافاء الأربعة هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ) رضي الله عنهم أجمعين،. وتعداد سكان محافظة إدلب مليون ونصف المليون إنسان، إلا أنه نزح إليها أكثر من مليون ونصف المليون من البشر هروباً من معارك النظام الحاكم في دمشق وأنصاره من المليشيات التي استعان بها النظام من خارج القطر السوري الشقيق فأصبح سكان محافظة إدلب يزيدون على ثلاثة ملايين نسمة، وتعتبر محافظة إدلب إحدى سلال الغذاء المهمة في القطر السوري، إذ تشتهر بكثرة أشجار الزيتون ومعاصره (بها أكثر من 3 ملايين شجرة زيتون) إلى جانب الكثير من الإنتاج الزراعي والصناعة.
وتعتبر إدلب البوابة الشمالية لسورية التي تطل منها على أوروبا عبر الأراضي التركية، يحدها شمالا لواء الاسكندرون الذي كان جزءاً من الأراضي السورية وكان يعرف (باللواء السليب) إلا أن نظام حافظ الأسد أسقطه من خريطة القطر العربي السوري ولم يعد يذكر في وسائل الإعلام السورية أولا ثم العربية فيما بعد، وتحد إدلب شرقاً محافظة حلب الشهباء، وجنوباً محافظة حماة وغرباً اللاذقية.

في تقدير الكاتب لم تتعرض أمة من الأمم لما تتعرض له الأمة العربية منذ فجر التاريخ الإسلامي، فجر النبوة، من حروب واعتداءات ومع ذلك ما برحت هذه الأمة واقفة تذود عن عرينها بكل ما تملك من قوة وإرادة، إنها تسقط لتقف من جديد في مواجهة جحافل العدوان والظلم والطغيان، إنها تحقق انتصارات على كل الصعد ولكنها منيت بخسائر كبرى. في عصرنا الحديث تكالبت القوى على أطراف الوطن العربي محاولة الوصول إلى القلب لتطعن هذا الوطن وهذه الأمة الخالدة طعنة مميتة.
نلاحظ احتلال سبتة ومليلة المغربيتين من قبل البرتغاليين ومن بعدهم الإسبان، وهو أقدم استعمار غربي في العالم حتى يومنا هذا والقادة العرب لم يحاولوا استرداد المدينتين الساحليتين على مداخل مضيق جبل طارق التابع للمملكة المغربية، وترك القادة العرب الشعب المغربي يواجه القوى الإسبانية والغربية بمفرده، وعرب استان الدولة العربية الخليجية المحتلة عام 1925 بقوى إيرانية واقتياد قادتها إلى طهران مكبلين وبقوا في السجون حتى وافتهم المنية، وهذه هضبة أو غادين التي استولت عليها إثيوبيا عام 1954 م بمعونة بريطانية وما برحت تهيمن عليها والقادة العرب عنها غافلون أو يتغافلون، وذاك لواء اسكندرون وعاصمته انطاكية صانعة التاريخ ورفيقة الزمان صمت عنها أهلها في دمشق وتناسوها في أواخر القرن العشرين، وراح الجولان عام 1967 برمته دون محاولة استرداد ه في زماننا الراهن، ولحقت به الجزر العربية الإماراتية المحتلة عام 1971 في الخليج العربي من قبل شاه إيران ومن بعده الوريث الشرعي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والهدف من هذا كله هو الوصول إلى القلب، والقلب هنا هو مكة والمدينة والقدس، ولا استثني القاهرة ودمشق وبغداد.

اليوم عيناي ترنوان الى (إدلب) شقيقة لواء الاسكندرون، الشرور تحيط بها من كل مكان، الفرس والروس والترك وعصابات مسلحة طائفية وشعوبية تريد النيل من إدلب، الروس والفرس لهم أطماع السيطرة ومآرب أخرى، والترك يخشون أن تمتد قوى الشر لتصيب السيادة التركية وتخشى من تضارب قرارات الإدارة الأمريكية وتباينها، وتحركات القادة العسكريين الأمريكيين على الأرض، تؤكد أن لدى واشنطن مخططات تخالف في طبيعتها وأهدافها ما هو معلن ويناقش في اللقاءات الثنائية، أمريكا تعمل جاهدة على تقسيم سورية انطلاقا من إقامة دويلة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وذلك لن تقبل به تركيا.
إدلب يتواجد بها آلاف من المقاتلين أتوا من كل فج عميق وعلى محيط إدلب يلف الجيش السوري والمليشيات الشيعية التابعة له ومن خلفهم خبراء روس ويتمركزون على ثلاثة محاور (1) ريف حلب الغربي الجنوبي (2) ريف حماة الشمالي الغربي امتداداً إلى نهر العاصي وصولا الى جنوب مدينة جسر الشغور (3) ريف اللاذقية الشرقية من مدينة صلنفة إلى الحدود التركية. والواقع اليوم على ساحة إدلب أن هناك ثلاث خطط، الأولى روسية وتهدف إلى السيطرة على محافظة إدلب تحت ذرائع متعددة مستخدمة في ذلك قوتها العسكرية بما في ذلك الجوية والصاروخية، أما الخطة التركية فتعمل على وقف إطلاق النار والغارات السورية والروسية وهي ستتولى ترتيب الأوضاع الأمنية في المنطقة وضمان أمن قاعدة حميميم العسكرية الروسية في محافظة اللاذقية من جميع المخاطر. وقوات النظام السوري ومعها مليشيات طائفية متعددة تسننزف القوى المتواجدة في إدلب بهدف إضعافها واختراقها وإكمال السيطرة على إدلب بمعونة روسية وإيرانية وهذا الفعل سيقود إدلب إلى الدمار الشامل كما حدث في حمص وحلب ومناطق أخرى وإلى من ستؤول السيادة على إدلب في مثل هذه الظروف.
آخر القول: انقذوا إدلب من الدمار قبل فوات الأوان، وعدم وقوعها تحت هيمنة أجنبية أياً كان نوعها، وعلى كل القوى المسلحة المتواجده داخل محيط إدلب أن تدرك أنها أمام قوة عاتية، وعلى من ليس من إدلب من المسلحين مغادرتها بالتنسيق مع الجار تركيا، حماية لهم وحماية لسكان إدلب وممتلكاتهم من الدمار، وعلى النظام في دمشق أن يدرك أنه لم يعد مقبولا في إدلب بعد كل الدمار الذي أحدثه في سورية الحبيبة.