الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مساعدة الأسد على البقاء في السلطة ليست في أولويات موسكو

مساعدة الأسد على البقاء في السلطة ليست في أولويات موسكو

09.09.2019
فالح الحمراني



القدس العربي
الاحد 8/9/2019
على الرغم من الهدنة الرسمية، في إدلب لا أحد في عجلة من أمره لإلقاء أسلحته. وتتقاطع في منطقة تخفيف التصعيد التي تشمل محافظ إدلب، مصالح العديد من اللاعبين المهمين في وقت واحد. علاوة على ذلك، فإن “مرجل إدلب” ليس الصداع الوحيد لدمشق وحلفائها، بمن فيهم روسيا.
وتقع روسيا في المثلث السوري التركي، ولدى موسكو اتفاقا مع طرفي النزاع. ويقول مراقبون روس إن الهدف الرئيسي للكرملين هو تحقيق الاستقرار في الوضع في المنطقة، والحفاظ على السلامة الإقليمية والدولة في سوريا. فيما يرى المراقب العسكري لجريدة “الصحيفة الجديدة” بافل فلجينجاور: “إن الهدف الرئيسي من العملية المكلفة للغاية، والمتواصلة على مدى أربع سنوات تقريبًا، هو نشر وإبقاء القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، والقاعدة الجوية في حميميم”. وبناءً على هذه القواعد، كما يرى فيلجينجاور “من الممكن نشر تجمع بحري وجوي قادر في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​ومعارضة الناتو في الطرق البعيدة لمضيق البحر الأسود”. وفي رأيه “إن موسكو من حيث المبدأ، تقبل بأي حكومة صديقة في سوريا، وفي المنطقة الساحلية حيث توجد القواعد الروسية، ما يضمن عملها الآمن. وإذا أثبتت المعارضة المعتدلة فائدتها، إذن حسنًا، فليكن”.  في الوقت نفسه أوضح بوريس دولجوف، وهو باحث أول في مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الاستشراق لوكالة “ريا نوفوستي”: “إن مساعدة الأسد على البقاء في السلطة ليست في أولويات روسيا الرئيسية”. وعلى حد تقييمه “لا يهم موسكو، في الواقع، من هو في السلطة في البلاد، الشيء الرئيسي هو أن دمشق تواصل إتباع سياسة علمانية، وتعترف بالمساواة بين جميع الأديان وتمنع أسلمة البلاد”. وأوضح متحدث “ريا نوفوستي” أن “وصول الإسلاميين الافتراضي للسلطة يمثل تهديدًا للأمن القومي لروسيا”. منوها بأن كافة الجماعات الإسلامية تحدثت عن نواياها في إنشاء “دولة إسلامية” وممارسة الجهاد، بما في ذلك في آسيا الوسطى والمناطق الإسلامية في روسيا.
وأعاد الأذهان إلى أن الضامنين لاتفاقيات أستانا في الوقت الحالي هم روسيا وتركيا وإيران. وإن موسكو تتعاون مع جميع البلدان، ولكن في حالة أنقرة، يتعين عليها تقدم تنازلات، وغض الطرف عن بعض تحركاتها. مشيرا إلى ما وصفه بالوجود غير القانوني للقوات التركية في سوريا، لأن دمشق أو الأمم المتحدة لم تمنح الإذن للقيام بذلك. وقال بوريس دولجوف “ما نلاحظه الآن في إدلب هو بالتحديد رغبة روسيا في حل القضايا بالوسائل السياسية”.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كان هدف السلطات السورية هو استعادة السيطرة الكاملة على البلاد، التي تدعمها روسيا والولايات المتحدة وتركيا، وهدف أنقرة في الوقت نفسه هو الحفاظ على النفوذ بين الجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة، فماذا سيحدث عندما يتم تحرير إدلب ويصل الجيش السوري الى الحدود الشمالية للبلاد؟
إن موسكو تعمل مع دمشق، ويعمل المستشارون العسكريون الروس في سوريا لاستعادة السيادة. ولكن إذا تحدثنا عن الخطة الاستراتيجية، فهذه مشكلة صعبة بالنسبة لموسكو، كما يرى دولجوف. ويلفت: “لا يمكن لروسيا أن تضع شروطًا صارمة لتركيا أو لواشنطن. وإن مصالح القوى الخارجية تؤثر على موقف موسكو. لذلك، لا يزال من الصعب القول إن لدى روسيا خطة واضحة للمستقبل”.
ويطلق على المنطقة اسم “مرجل إدلب” لأن عدة مجموعات مسلحة هناك تعمل في وقت واحد. وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق على إنشاء مناطق لإزالة التصعيد في سوريا جرى في أيلول/سبتمبر 2017 في عاصمة كازاخستان، أستانا. وتقع ثلاث من مناطق تخفيف التصعيد على التوالي في الجزء الجنوبي من محافظة درعا وعلى الحدود مع الأردن، وفي ضواحي دمشق – في منطقة الغوطة الشرقية وشمال محافظة حمص. وكان من المقرر أن تقوم الشرطة العسكرية الروسية بمراقبة الوضع، وأن تراقب إيران وروسيا وتركيا بشكل مشترك في منطقة التصعيد الرابعة – إدلب.
ووافق الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان في ايلول/سبتمبر 2018 على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين قوات المعارضة المسلحة، وقوات الحكومة السورية بعمق يصل إلى 25 كم. وتعهد الجيش السوري بعدم مهاجمة إدلب، وكان من المفترض أن تغادر الجماعات المسلحة، ولا سيما جماعة “هيئة تحرير الشام” المنطقة المنزوعة السلاح. ويمكن أن تبقى في منطقة التصعيد، جماعات المعارضة المعتدلة التي تدعمها أنقرة، بما في ذلك الجيش السوري الحر، ولكن عليها سحب جميع الأسلحة الثقيلة من هناك. ويقوم الجيش الروسي والتركي بصورة مشتركة بالرقابة على تنفيذ الالتزامات.
لكن الهدنة لم تُحترم. ففي نهاية شهر أيلول/سبتمبر من ذلك العام، هاجم الجيش السوري مواقع “هيئة تحرير الشام” على حدود إدلب وحماة، وتصاعد الموقف مرة أخرى في صيف عام 2019. وفي 27 آب/أغسطس الماضي، وصل اردوغان على وجه السرعة إلى روسيا لمناقشة الوضع في إدلب مع بوتين. وحسب بعض التقارير فإن بوتين اعترف في الواقع بشمال سوريا كمنطقة نفوذ تركية، رغم أنه لم يُعلن علناً عن مدى امتداد هذه المنطقة. وتم توقف الهجوم السوري/ الروسي، وضمان أمن مواقع (قواعد) المراقبة العسكرية التركية في إدلب. وفي رأيهم ان كل شيء يتم فقط لإبعاد اردوغان عن الولايات المتحدة وحلف الناتو. وابتداء من 31 آب/أغسطس تم تطبيق نظام جديد لوقف إطلاق النار في المنطقة. وفي اليوم نفسه، أفيد أن الجيش السوري سيوقف القتال من جانب واحد، وسيسمح وقف إطلاق النار للمدنيين بمغادرة المناطق الخطرة، وجرى في شمال محافظة حماة فتح ممر إنساني بالفعل. وبالنسبة لتركيا، فإن تصعيد الوضع في إدلب محفوف أيضًا بتدفق هائل للاجئين عبر حدودها.
ويستنتج من الخريطة السياسية والعسكرية في الوقت الراهن إن جيش بشار الأسد يسيطر على جزء كبير من الأراضي السورية، ولكن ليس كلها. فيما يسيطر مقاتلو “هيئة تحرير الشام” على إدلب بالكامل تقريبًا، في حين تحتل تشكيلات الجيش السوري الحر، التي تدعمها تركيا، الأراضي الواقعة في الشمال والشمال الشرقي وجزءا كبيرا من جنوب إدلب. وتحتل “القوى الديمقراطية السورية” شمال شرق سوريا (من منبج إلى الحدود مع العراق) – فضلاً عن “وحدات الدفاع عن النفس” الكردية. ويرى مراقبون روس: “إن الهدف من أعمال أنقرة هو الحفاظ على الجماعات الإسلامية المسلحة التي تعتبرها تركيا معتدلة والتي تعتمد على دعمها”. وتتبنى الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة – المملكة العربية السعودية وإسرائيل وتركيا – موقفا يدعو إلى تغيير النظام في سوريا. والهدف الرئيسي لإيران هو دعم السلطات السورية في مكافحة الإسلام السني.
وبعد أقل من يوم واحد من إعلان وقف إطلاق النار في منطقة التصعيد في إدلب في 31 آب/أغسطس الماضي، قصفت القوات الأمريكية مبنى بالقرب من المدينة. ووفقًا للقيادة الأمريكية، كان هناك قادة للجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة. وذكر المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة، أن الهجوم أدى إلى العديد من الخسائر والدمار، بالإضافة إلى ذلك، لم يتم إخطار موسكو ولا أنقرة بالعملية المقبلة. ووفقًا لمركز مراقبة حقوق الإنسان السوري، فقد أسفر القصف عن مقتل 40 شخصًا.