الرئيسة \  تقارير  \  واشنطن بوست :ألمانيا والغاز الروسي و”الناتو”

واشنطن بوست :ألمانيا والغاز الروسي و”الناتو”

27.01.2022
كاتيا هوير


الاتحاد
الاربعاء 26/1/2022
في يوم الأربعاء الماضي، عقد الرئيس جو بايدن مؤتمراً صحفياً - واعترف بشيء ما كان ينبغي له الاعتراف به: “هناك خلافات في الناتو فيما يتعلق بما ترغب الدول في القيام به، اعتماداً على ما يحدث”. على الرغم من أن هذا كان خطأ دبلوماسياً فادحاً قوض الجهود المبذولة لردع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن بايدن كان محقاً في تقييمه - وخاصة فيما يتعلق بدولة واحدة. لا يمكن الاعتماد على ألمانيا عندما يتعلق الأمر بفرض عقوبات على روسيا.
بينما أرسلت الولايات المتحدة وبريطانيا أسلحة دفاعية إلى أوكرانيا، لم يلتزم أي منهما بعمل عسكري مباشر لردع بوتين عن استخدام 100 ألف جندي حشدهم على الحدود الأوكرانية. لذا، فإن العقوبات الاقتصادية هي السبيل لتحقيق ذلك. لكنها لن تردع روسيا عن الغزو إلا إذا بدت مؤلمة بدرجة كافية.
لذا كل شيء يعتمد على برلين. ألمانيا هي ثاني أكبر شريك تجاري لموسكو (بعد الصين)، وتعتمد بشكل كبير على المواد الخام الروسية مثل النفط الخام والغاز الطبيعي. إذا استمرت ألمانيا في التجارة مع روسيا بينما طبقت دول أخرى في الناتو عقوبات، فإن الضرر الاقتصادي سينخفض كثيراً. وهذا من شأنه أن يجبر حلفاء ألمانيا الغربيين إما على تصعيد الموقف بالتدخل العسكري أو التراجع، مما يسمح لبوتين بالاستيلاء على الأرض مرة أخرى.
إن اعتماد ألمانيا العميق على إمدادات الغاز الروسي موثق جيداً. حتى إن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك اعترفت بذلك صراحة خلال زيارتها لموسكو هذا الأسبوع. من ناحية أخرى، فإن مستويات تخزين الغاز الألمانية منخفضة بشكل خطير حيث تعمل البلاد على التخلص التدريجي من مفاعلاتها النووية في خضم أزمة طاقة عالمية.
لقد أدرك بوتين الإمكانات السياسية في هذا الأمر، وهو يوفر قدراً من الغاز أقل مما يستطيع، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة الأوروبية. في غضون ذلك، يدفع الألمان بالفعل أعلى أسعار للكهرباء في أوروبا، وهذا يضغط سياسياً على الحكومة الألمانية الجديدة.
في يوم الخميس، حاول وزير الخارجية الأميريكي أنتوني بلينكين تسوية الأمور في اجتماعه مع المستشار الألماني الجديد، أولاف شولتز، في برلين. وقال بلينكين: “من الإنصاف القول إن الولايات المتحدة ليس لديها شريك أفضل، ولا صديق أفضل في العالم من ألمانيا”. لكن بينما ظل القناع الناعم للدبلوماسية في مكانه، كذلك بقيت التوترات التي وراءه. لم يعد شولتز على استعداد لتحمل نصيب من ثقل الأمن الغربي الجماعي أكثر مما كانت تتحمله المستشارة السابقة أنجيلا ميركل.
لنأخذ على سبيل المثال خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، والذي بمجرد اكتماله سيزيد من اعتماد ألمانيا على روسيا. عندما سألت وسائل الإعلام الألمانية بلينكن عما إذا كان شولتز على استعداد لتقديم أي تنازلات بشأن المشروع، أشار بلينكن فقط إلى تصريح أدلى به شولتز قبل يومين – ولكن ليس خلال اجتماع معه. وقال شولتز بشكل غامض يوم الثلاثاء عندما سُئل عن خط الأنابيب “كل شيء مطروح للنقاش إذا كان هناك تدخل عسكري ضد أوكرانيا”.
في ضوء ذلك، فإن ملاحظة بايدن المرتجلة في مؤتمره الصحفي بأن “توغلاً طفيفاً” في أوكرانيا من قبل الروس سيقابل استجابة مختلفة من حلف شمال الأطلسي مقارنة بالغزو الكامل تشير إلى أن واشنطن وبرلين تناقشان كيفية التعامل مع الحد الأدنى من الدعم الألماني للعقوبات الاقتصادية. لقد كانت الخلافات في التحالف جلية أمام الجميع.
تجد ألمانيا دعماً ضمنياً لرغبتها في استرضاء موسكو من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي اقترح أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يقود محادثاته الخاصة مع روسيا للحفاظ على السلام - مما يعني أن بروكسل ستتبع استراتيجية مختلفة عن الولايات المتحدة. هذا يقوض بشكل أكبر فكرة جبهة الناتو الموحدة وقد يشير إلى أن فرنسا مستعدة لتقديم تنازلات عندما يتعلق الأمر بالعدوان الروسي في أوروبا الشرقية.
يستعد ماكرون للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل، وتتوقف حملته على جعل فرنسا القوة الرائدة في أوروبا ما بعد ميركل. فهو يريد أن يكون الرجل القوي الذي يقود فرنسا والاتحاد الأوروبي للعودة إلى المسرح العالمي. وهذا له وقع جيد على ألمانيا، لأن المسؤولين في برلين كانوا يضغطون من أجل تجديد ما يسمى بمحادثات نورماندي التي تضم ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا وروسيا.
واقترح بعضهم أن بلينكن قد يقدم لألمانيا طريقة للخروج من المأزق السياسي للطاقة من خلال زيادة كمية الغاز الطبيعي المسال الذي تسلمه الولايات المتحدة إلى أوروبا على متن ناقلات المحيطات. لكن القيام بذلك لا يمكن أن يعوض عن الغاز الروسي المفقود إذا منع بوتين الإمدادات الروسية. يمكن أن تستهلك الموانئ الأوروبية 830 مليون متر مكعب فقط أكثر مما تفعله حالياً - وهو ما لا يكفي لاستبدال 1.7 مليار متر مكعب من الغاز الروسي. وتقول النرويج، التي تزود ألمانيا حالياً بثلث الغاز، إنها تجاوزت الحد الأقصى للإنتاج ولا يمكنها توفير المزيد.
إن بايدن محق: الانقسامات داخل الناتو عميقة. في حين أنه لم يكن بحاجة إلى إبلاغ العالم بهذه الحقيقة في مؤتمر صحفي، إلا أن نظيره الروسي يعرف ذلك بالفعل. مع تردد ألمانيا واستسلام الولايات المتحدة على ما يبدو لتقديم تنازلات إذا كان حجم الغزو الروسي يسمح بذلك، قد تعتقد موسكو أن الأمر يستحق المغامرة. إذا حدث ذلك، فإن التصعيد في أوروبا الشرقية لن يكون في جزء صغير منه بسبب رغبة برلين في النظر إلى الشرق بدلاً من الغرب. لقد أصبحت ألمانيا حلقة ضعيفة في خط دفاع الناتو.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة “واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس”