الرئيسة \  تقارير  \  “واشنطن بوست”: سيناريو ما بعد الغزو.. كيف ستحكم روسيا أوكرانيا؟

“واشنطن بوست”: سيناريو ما بعد الغزو.. كيف ستحكم روسيا أوكرانيا؟

27.01.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاربعاء 26/1/2022
لن يُحبِّذ أغلب الشعب الأوكراني رئيسًا تابعًا أو مواليًا لروسيا في السلطة، لكن هل ستدعم الولايات المتحدة تمردًا مناهضًا لروسيا داخل أوكرانيا؟ وما الذي سيحدث في حال حدوث توغل روسي في أوكرانيا؟ يُجيب ديفيد إيه ليك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، عن هذه التساؤلات في تحليله المنشور في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
وفي مستهل التحليل، يستشهد الكاتب بما أشار إليه أحد التقارير أن إدارة بايدن ستُفكر في أن تجعل نظام الحكم في أوكرانيا غير مُستَتِب من خلال دعم مجموعات المقاومة المحلية وتزويدها بالأسلحة، وقد تدعم الولايات المتحدة أي مقاومة محلية إذا غَزَت روسيا أوكرانيا، بدلًا من استخدام قوات الناتو لردع العدوان الروسي أو التحالف علنًا مع الحكومة الأوكرانية.
ويُؤكد الكاتب أنه إذا فعلت إدارة بايدن ذلك، فسيبدو الأمر وكأنه يُمهد الطريق لتكرار دعم الولايات المتحدة لمجموعات متمردة أخرى، كالذي أدَّى إلى إنهاء الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979، وكان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، والجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، قد حذَّرا نظرائهما الروس من أن أي توغل من شأنه أن يعقبه تمرد. بل إنها سياسة ذات تكلفة باهظة، فضلًا عن كونها خطوة من المحتمل أن تسفر عن تمزيق دولة أوكرانيا.
إستراتيجية روسيا: الحكم غير المباشر
يقول الكاتب: يُشير البحث الذي أجريتُه على نظام الحكم غير المباشر إلى أنه من المستبعد أن تفكر روسيا في ضم أوكرانيا بصفة رسمية (أو أي تابع سابق آخر) في نسخة جديدة من الإمبراطورية السوفيتية، وعلى الرغم من أن الموانئ والمنشآت البحرية في شبه جزيرة القرم كانت تستحق عناء الاستيلاء عليها، فإن ما تبقى من أوكرانيا يُعد مجرد رمز أكثر من كونه أمرًا أساسيًّا لأمن روسيا واقتصادها.
وبدلًا من المخاطرة بأن تصبح موضع ازدراء دولي لاعتدائها على سيادة عضو معترف به في المجتمع الدولي، قد تحاول موسكو على الأرجح تقويض سلطات الحكومة الحالية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وإدارة حكم البلاد بصورة غير مباشرة من خلال وكيل أوكراني موالٍ لروسيا، كما حدث في عهد فيكتور يانوكوفيتش، رئيس أوكرانيا من عام 2005 إلى عام 2010. وبالقدر الذي يسعى به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى عرقلة أي توسع لحلف الناتو في الشرق، يضمن هذا النهج أن القادة الموالين لروسيا في الدول المستهدفة سيرفضون أي دعوات غربية موجَّهة إليهم.
ويصف الكاتب الإستراتيجية التي تتبناها روسيا بأنها إستراتيجية تقليدية قديمة تعتمد على إنشاء مناطق نفوذ من خلال الحكم بصورة غير مباشرة، وعلى الرغم من تعمد بوتين إخفاء دوافعه، فإنه يبحث على الأرجح عن إقامة أنظمة حكم عمِيلة تعتمد على روسيا ولديها الاستعداد لاتباع نهج الكرملين في السياسة الخارجية، وفي أغلب الأحيان، تُمارس القوى العظمى نفوذها من خلال قلب الموازين السياسية داخل الدولة المُستهدَفة لصالح الأحزاب المتعاطفة مع أولوياتها السياسية. وبمجرد وصوله إلى السلطة، يضع هذا الحزب المنتصر بعض السياسات التي تعود بالنفع عليه، وعلى القوة العظمى التي تقف وراء انتصاره السياسي.
ولا تعتمد جميع حالات الحكم غير المباشر على التدخل العسكري المباشر، إذ يُعد تدخل روسيا في بيلاروسيا في عام 2020 لدعم ألكسندر لوكاشينكو والحملة الروسية الأخيرة في كازاخستان لدعم الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، نموذجَيْن صارخَيْن على الحكم غير المباشر، وحينما تضمن روسيا أن لها عميلًا في السلطة لن يستمر في الحكم بشكل مستقل، فمن المرجح أن يتبع ذلك تنفيذ نهج روسيا في قضايا السياسة الخارجية.
ويلفت الكاتب إلى أنه إذا واجه هؤلاء العملاء اضطرابات داخلية، فسوف تتدخل القوة العظمى (روسيا) لضمان استمرار حكمهم، على سبيل المثال، أرسل التدخل الروسي السريع، الذي حدث قبل أسبوع في كازاخستان، إشارة أفادت دعم بوتين للرئيس توكاييف، وساعد ذلك على إخماد الاضطرابات والاحتجاجات الواسعة النطاق. ونظرًا إلى أنه يعلم أن نظامه لم يصمد إلا بمساعدة روسيا، أصبح توكاييف حاليًا ممتنًّا لموسكو ومَدينًا لها، واستخدمت روسيا هذه الإستراتيجية في بلدان أخرى، منها دعمها لبشار الأسد في سوريا ونيكولاس مادورو في فنزويلا.
خيارات أمريكية قليلة في أوكرانيا!             
يُنوِّه الكاتب إلى أنه إذا كانت روسيا تُخطط لغزو أوكرانيا لتعيين حكومة صديقة، فستكون الولايات المتحدة في وضع حرج لا تُحسَد عليه، ومن غير المرجح أن تُسفر العقوبات الغربية المتزايدة عن إثناء موسكو عن ذلك. وربما يُؤدي منع روسيا من التعامل مع الشبكات المالية الدولية إلى الإضرار بالاقتصاد الروسي، لكن بوتين أخذ تلك الأضرار المتوقَّعة في حساباته السياسية بالفعل.
وفي ظل أن اللجوء للعمل العسكري المباشر ضد أي توغل روسي في أوكرانيا أصبح خارج حساباتها بصورة واضحة، يبدو أن إدارة بايدن قد سلَّمت بأنها لن تدافع عن المنطقة، بينما تُبدي روسيا عزمًا أكبر في إطار بناء قواتها العسكرية، وبدلًا من ذلك، يشير بحثي –بحسب الكاتب- إلى أن الولايات المتحدة قد تستمر في دعم نظام الحكم العميل التابع لها في أوكرانيا ضد نظام الحكم الذي ستدعمه روسيا.
إلا أن “حرب المزايدات” التي تدعم فيها الولايات المتحدة زيلينسكي – بينما تدعم روسيا منافسًا له- ستصبح مكلفة، في ظل إنفاق كلتا القوتين العظمَيْين مبالغ هائلة من المال وبذلها جهودًا مضنية للحاق بعضهما ببعض مع التأثير تأثيرًا ضئيلًا في القوة النسبية للخصمين. ويبدو أن لدى روسيا أيضًا تصميمًا أكبر في هذا الصدد، ومن المرجح أن تتفوق على الولايات المتحدة.
واشنطن وزعزعة نظام الحكم في أوكرانيا
تُشير بعض التقارير الأخيرة إلى أن إدارة بايدن ربما تُناقش إستراتيجية أخرى: العمل على أن تكون سيطرة موسكو على أوكرانيا، أو أي نظام عميل محتمل آخر موالٍ لروسيا، أمرًا صعبًا، وإذا دعمت الولايات المتحدة المقاومة المحلية في أوكرانيا، فقد تُقرر موسكو في نهاية الأمر أن الإبقاء على حكومة صديقة في أوكرانيا لا يستحق كُلفة الدماء والأموال.
وأكدَّ الكاتب أن أي زعيم موالٍ لروسيا لن يحظى بشعبية لدى عديد من الشعب الأوكراني، لا سيما في المناطق الغربية من البلاد، وقد يُؤدي انهيار النظام الديمقراطي وفقدان الحريات السياسية والعلاقات الاقتصادية مع الغرب، على الأرجح، إلى ترك أجزاء واسعة من السكان يعانون من العزلة والاضطهاد، وربما يميلون أكثر إلى دعم تمرد ضد حكومة عميلة.
وربما يُجادل بعض مسؤولي إدارة بايدن بأن تقديم المعونات العسكرية وغيرها من المساعدات إلى المجموعات الموالية للغرب داخل أوكرانيا ستكون تكلفته منخفضة نسبيًّا، بالإضافة إلى أنه يضمن عدم تمكن أي زعيم موالٍ لروسيا من تعزيز سلطته. وسيؤدي هذا الأمر إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة من دعم حكومة في أوكرانيا أو في أي دولة أخرى إلى مجرد تقديم الدعم للجماعات أو المتمردين الذين قد يجعلوا حياة أي حاكم تدعمه روسيا حياةً تعيسة.
ويرى الكاتب أنه في هذا السيناريو، من المحتمل أن تؤدي مساعدة الولايات المتحدة للمتمردين إلى زيادة التكاليف التي تتحملها روسيا لدعم عمِيلها في السلطة، وقد تضطر موسكو فيما بعد إلى دعم ذلك الرئيس عسكريًّا، من خلال تزويده بالأسلحة والقوات “المتطوعة”، بالإضافة إلى دعم الاقتصاد، والذي سيكون على الأرجح من خلال توفير الغاز الطبيعي الرخيص المشحون بالفعل عبر البلاد، ويحدو الولايات المتحدة الأمل في أن يؤدي هذا السيناريو إلى إضعاف أي نظام وزيادة التكاليف التي تتحملها موسكو بالقدر الكافي الذي يدفعها للتخلي عن عميلها والعودة إلى أراضيها، كما حدث في محاولة الاتحاد السوفيتي الفاشلة في أفغانستان أو في “حروب واشنطن الأبدية”.
غير أن الجانب السلبي لهذه الإستراتيجية، بطبيعة الحال، يكمن في احتمالات النجاح نفسها، وعملًا بقاعدة متجر البيع بالتجزئة الشهير بوتري بارن (إذا كسرته، اشتريته) التي استشهد بها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، كولن باول، (عندما حذر الرئيس جورج دبليو بوش في صيف 2002 من عواقب عمله العسكري المخطط له في العراق)، قد تجد الولايات المتحدة نفسها تُصلِح ما فَسَد في أوكرانيا، على غرار ما حدث في أفغانستان والعراق إلى حد كبير، وهذا الأمر قد يجعل واشنطن، إذا كانت غير مستعدة للاضطلاع بمهمة أخرى شبه مستحيلة، أمام خيار واحد وهو التعايش مع أوكرانيا الجديدة الموالية لروسيا، بحسب ما يختم الكاتب تحليله.