الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الطريق نحو السلام في سوريا من الخارج إلى الداخل

الطريق نحو السلام في سوريا من الخارج إلى الداخل

06.06.2018
لينا الخطيب


الشرق الاوسط
الثلاثاء 5/6/2018
تشهد الديناميكيات السياسية في سوريا غياباً نسبياً للممثلين السوريين. كما أثبتت المفاوضات الأخيرة حول جنوب سوريا، على الرغم من أن النظام السوري لا يتصرف كلياً حسب أوامر روسيا، فإنه يفقد استقلاليته بشكل مستمر قبال موسكو. كما يُظهِر النظام أنه لا يزال غير مهتم بعملية السلام لإنهاء الصراع السوري، بينما المعارضة السياسية السورية ومختلف الفصائل على الأرض ليست لديها المقومات التي تسمح لها ببدء عملية سلام في سوريا. وقد أوضحت الأمم المتحدة من خلال عملية جنيف أنها غير قادرة على القيام بذلك أيضاً، في حين أن عمليات روسيا في آستانة وسوتشي لم تكن أبداً محاولات جادة للتوصل إلى السلام. طبعاً يجب أن يكون الممثلون السوريون والأمم المتحدة جزءاً من أي تسوية سلمية في سوريا، لكن لا يمكن توقع أن يكونوا هم المحرضين على عملية السلام. اللاعب الوحيد القادر على بدء عملية سلام ذات مغزى هي الولايات المتحدة. إذا افترضنا أن استراتيجية واشنطن المتغيرة تجاه إيران سوف تؤدي بالتالي إلى قيادتها لتسوية في سوريا، فماذا سيكون شكل خطة السلام؟
كما يوضح الوضع بين إسرائيل وإيران، من المتصوَّر أن عملية السلام يمكن أن تمر عبر تصعيد إضافي، وإيران متوترة إزاء هذا التطور، في حين أن روسيا بدأت تشعر بالانزعاج من انتشار وكلاء إيران في سوريا. ولكن الخيار الأفضل هو الاستفادة من انزعاج روسيا وقلق إيران وزيادة ضعف النظام سياسياً للبحث عن حل توفيقي.
إن ما تريده روسيا من سوريا في النهاية هو الوصول إلى الموارد الطبيعية، وامتلاك بوابة إلى البحر المتوسط، والتأثير على مؤسسات الدولة حتى تتمكن موسكو من استعادة دورها كوسيط ولاعب دولي. وعلى هذا النحو، فإن نموذج روسيا المتمثل في وجود مؤسسات دولة قوية في سوريا موالية لها يتناقض مع نموذج إيران الخاص بإنشاء الوكلاء الذين يأتون لتشكيل دولة موازية تعمل من خلال إبقاء مؤسسات الدولة السورية ضعيفة، وهذا النموذج يُرى بوضوح في مثال "حزب الله" في لبنان.
تُظهر التطورات على الأرض في سوريا أن روسيا تحاول احتواء وكلاء إيران. وهذا يعني أنه على الرغم من أن روسيا وإيران حليفتان اليوم، فإن هذا التحالف لن يكون بالضرورة مواتياً لروسيا على المدى الطويل. لم تهبّ روسيا لمساعدة إيران ضد الهجمات الإسرائيلية على وكلائها وضباطها في سوريا. بالعكس، ترى روسيا أن الهجمات مفيدة لأنها تحتفظ لها باليد العليا في علاقتها مع إيران. وهذا يعني أن روسيا ستكون مستعدة للتضحية بشراكتها مع إيران مقابل الحفاظ على نفوذ طويل الأمد في سوريا، تماماً كما قد تكون مستعدة للتضحية ببشار الأسد لنفس الغرض. هذه تنازلات لن يكون من المستحيل على روسيا القيام بها. أما بالنسبة إلى إيران، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى الاستفادة من الإجراءات الروسية والإسرائيلية ودفع إيران إلى الشعور بأنه إذا لم تتخلَّ عن معظم مكونات مشروعها في سوريا، فإن نظامها سيكون على المحك.
يجب أن ينحرف الطريق نحو السلام عن نموذج اجتثاث "البعث" الذي شهده العراق بعد عام 2003، ويقر بأنه من دون وجود فائزين أو خاسرين في هذه الحرب، فإن السبيل الوحيد للمضيّ قدماً هو من خلال التسوية والتمثيل الواسع، ولكن ليس على أساس الانتماء الطائفي. ففي أي اتفاق سلام، يجب أن تدرَج العناصر البراغماتية من النظام الحالي كجزء من حكومة انتقالية إلى جانب عناصر من المعارضة من خلفيات متنوعة، عسكرية وغير عسكرية.
يمكن أن تتضمن العناصر البراغماتية من النظام بعض الشخصيات السياسية القائمة من خارج أسرة الأسد بالإضافة إلى شخصيات عسكرية ممن هم قابلون بالتسوية. من جانب المعارضة، من المهم عدم قصر تمثيلها على أولئك الذين ينتمون إلى الائتلاف الوطني السوري أو المعارضة في الشتات، وإشراك القادة المحليين على الأرض مثل المجالس المحلية كما الزعماء الأكراد. ويجب إشراك المجتمع المدني في دور المراقبة من أجل مساءلة الحكومة الانتقالية، فضلاً عن لعب دور نشط في تصميم السياسات.
يبين مسار الصراع أن العودة إلى نموذج مركزي للحكم في سوريا لم تعد ممكنة. فيظهر كل من مشروع الحكم الذاتي للأكراد، وبروز المجالس المحلية، وزيادة محلية ديناميكيات الصراع أن هناك حاجة لأي حكومة انتقالية واردة لبدء مناقشة جادة حول اللامركزية الإدارية في سوريا. هذا النوع من الترتيبات من شأنه أيضاً ألا يترك لتركيا سبباً لاستمرار وجودها على الأرض في سوريا، لأن مشاركتها في الصراع تستهدف في المقام الأول منع إنشاء منطقة خاضعة لسيطرة الأكراد على حدودها.
بالطبع، ستظل هناك مجموعات على الأرض لن تدعم مثل هذا السيناريو للسلام. من المحتمل أن تسعى بقايا تنظيمي "داعش" و"القاعدة" إلى زعزعة استقرار سوريا لإظهار أنها لا تزال تملك السلطة. وإذا لم يتم التعامل مع إيران من خلال حزمة شاملة تضم لجم تدخلها في الدول المجاورة تتم الموافقة عليها دولياً، فلن ترغب الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في مغادرة سوريا. ومع ذلك، بتشكيل حكومة انتقالية، فإن الدولة السورية ستنهي عزلتها الدولية ويمكن أن تناشد بشكل شرعي المساعدة الخارجية لتعزيز أمنها واقتصادها. وبما أن العديد من السوريين انضموا إلى "الجماعات الجهادية" أو الميليشيات الموالية للنظام للحماية أو لتحقيق مكاسب اقتصادية، فإن دعم القطاعين الأمني والاقتصادي يشكلان عنصراً مهماً لتحقيق الاستقرار في سوريا وإضعاف هذه الجماعات والميليشيات من خلال تقليل أعداد مقاتليها.
ما يوضحه هذا المسار بشكل واضح هو أنه على الرغم من وجود حجر الأساس للسلام في سوريا خارج البلاد، لا يمكن تنفيذ أي خطة سلام لسوريا دون فهم دقيق للديناميكيات المحلية على الأرض داخل سوريا. وكلما يتعمق المرء أكثر في القضايا المختلفة التي يتعين على الحكومة الانتقالية مواجهتها، من تقديم الخدمات إلى توفير الأمن المحلي إلى التعامل مع المشردين داخلياً، يصبح من الواضح أن هذه القضايا تحمل ديناميكيات مختلفة إلى حد بعيد في مناطق مختلفة من البلد. لذلك، لا يمكن أن يكون هناك نموذج إداري واحد يناسب الجميع لتنفيذ اتفاق سلام في سوريا. أصبح السكان المحليون في كل منطقة اعتادوا الآن على الديناميكيات الدقيقة التي لا تردد تلك الموجودة في مناطق أخرى من سوريا. ولذلك من الأهمية أن تكون أي سياسة وطنية مبنية على المشاركة مع الناس. فعدم وجود هذا النوع من المشاركة هو ما دفع السوريين إلى الاحتجاج على النظام في عام 2011 في المقام الأول.
ما يعوق السلام في سوريا اليوم ليس دول الخليج، التي نفد صبرها مع النفوذ الإيراني في بعض دول المنطقة، أو تركيا، التي تعمل في نهاية المطاف بطريقة براغماتية إذا رأت أن مصالحها ستتم تلبيتها ومن المرجح أن تتخلى عن تحالفها القسري مع روسيا إذا رأت أن الولايات المتحدة تتعامل لضمان مصالحها. كما أن النظام السوري بمفرده ليس من يعوق السلام، لأنه كان سينهار منذ زمن طويل لولا دعم إيران وروسيا، وليس لديه قوة حقيقية على الرغم من التصريحات الطنانة لأمثال وليد المعلم وبشار الأسد قبل أيام قليلة. ما يعوق السلام هو غياب استراتيجية سياسية تقودها الولايات المتحدة ترسل رسالة قوية إلى روسيا وإيران بأنه ليس أمامهما من خيار سوى التسوية.