الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انسحاب أم إعادة انتشار؟

انسحاب أم إعادة انتشار؟

03.01.2019
عائشة المري


الاتحاد
الاربعاء ٢/١/٢٠١٩
أعاد قرار الانسحاب الأميركي من سوريا الحديثَ حول مستقبل السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، في ضوء مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دافع عن قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا، قائلاً إنه "يفي بتعهد قطعه خلال حملته الانتخابية". وصرح للصحافيين خلال زيارته المفاجئة للجنود الأميركيين في العراق بأن الولايات المتحدة ستظل في العراق، مضيفاً: "بإمكاننا استخدام العراق كقاعدة إذا أردنا القيام بشيء في سوريا". 
واعتبر العديد من المراقبين أن توقيت قرار الانسحاب خطأ جديد ترتكبه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يماثل خطأ الانسحاب الأميركي عام 2011 من العراق إبان عهد الرئيس أوباما، ثم اضطراره للدفع مجدداً بقواته للعودة في سنة 2016، بعد ظهور تنظيم "داعش" وتمدده في سوريا والعراق، إذ لم تضع واشنطن آنذاك خطة استراتيجية لمرحلة ما بعد الانسحاب. واليوم يكرر ترامب سيناريو الانسحاب من دون خطة واضحة المعالم لما بعد الانسحاب، وفي أجواء سياسية أكثر احتداماً وفوضى، خاصة وأن القرار يترافق مع مضي سنتين على إدارة ترامب في الحكم ونتائج الانتخابات النصفية التي أعادت الديمقراطيين للسيطرة على مجلس النواب.
تكمن أهمية القرار في أنه سيشكل حلقة مفصلية في صياغة العقيدة العسكرية الأميركية للسنتين القادمتين من رئاسة ترامب، ففي ظل أزمات الشرق الأوسط الممتدة لسنوات وعقود، فإن توجهات السياسة الأميركية تجاه المنطقة مقيدة بعدد من العوامل بغض النظر عن وعود ترامب الانتخابية الخارجية والتي طرحها كبديل لسياسة إدارة أوباما، خاصة وعوده بإلغاء صفقة البرنامج النووي الإيراني، وتغيير الموقف من الأزمة السورية، وإعطاء الأولوية لمحاربة تنظيم "داعش" على رحيل النظام السوري، ورفضه استقبال اللاجئين السوريين.. وهي وعود حاول تنفيذ معظمها، لكن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط ثابتة ومستمرة، وأهمها: حماية أمن إسرائيل، وضمان وصول النفط، والحرب على الإرهاب، والتحالفات مع الدول الصديقة والمعتدلة. وعليه فإن مساحة التغير في سياسة ترامب ستكون في الإطار الذي يحافظ على تلك المصالح. 
ويمكن النظر إلى السلوك العسكري الأميركي من ناحية تحقيقه المصالح القومية الأميركية العليا، فالتدخلات العسكرية الأميركية عبر العالم تترجم الدور العالمي للدولة الأقوى في عالم اليوم، سواء بنشر القوات الأميركية في مناطق النزاع، أو بالاعتماد على القواعد العسكرية الأميركية في الخارج. وخلال العامين الماضيين أظهرت القيادات العسكرية الأميركية تخوفاً من النزعة "الانسحابية والتجارية" التي هيمنت على خطاب الرئيس ترامب إزاء دور بلاده الاستراتيجي حول العالم، وهي نزعة تنذر بتغييرات جوهرية في صلب العقيدة العسكرية الأميركية. فإزاء إعلان ترامب الانسحاب من سوريا ظهرت الخلافات في معسكره؛ فاستقال وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومن ثم استقال المبعوث الأميركي للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، وظهر الجدل مجدداً حول الانسحاب وإعادة الانتشار.
وعوداً على بدء، ترى المؤسسة العسكرية الأميركية في الانسحاب من المناطق الساخنة، كأفغانستان وسوريا والعراق، زعزعةً للعقيدة العسكرية للجيش وتهديداً للأمن القومي الأميركي، لاسيما أنه يمنح روسيا والصين فرصةً للعب أدوار خارجية أقوى، مما سيقوض نفوذ واشنطن على المدى الطويل، وهي مواضيع خلافية ساخنة مع إدارة ترامب.
لكن الواقعية السياسية والعقيدة العسكرية الأميركية، وبغض النظر عن السياسات الانسحابية لترامب أو شعاره "أميركا أولا".. تفرض أدواراً موسعةً للقوات الأميركية، مما يعني الخضوع لمنطق المؤسسة العسكرية ولو بعد حين.
فرغم الميل الأميركي المستمر إلى الاتجاه شرقاً، بالتركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن الشرق الأوسط وأزماته سيظل ضمن أولويات السياسة الأميركية، وسيصعب عليها فك الاشتباك معه، أو الانسحاب منه، نتيجة للمصالح الأميركية في المنطقة، ولتعاظم الدور الروسي فيها بما قد يؤثر سلباً في نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها في الكثير من مناطق العالم الأخرى.