الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أستانة أم نور سلطان.. الوضع سيّان

أستانة أم نور سلطان.. الوضع سيّان

05.08.2019
فاطمة ياسين


العربي الجديد
الاحد 4/8/2019
منذ إبريل/ نيسان الماضي، اعتمدت قوات النظام (في سورية) وحلفائه المتمركزة حول إدلب سياسة اللدغ المتكرّر، فكانت الطائرات تضرب موقعاً حيوياً، مستشفى معرّة النعمان مثلاً، ثم تتوقف، ليلملم المسعفون الأشلاء، ويحاولون ترميم الدمار، ثم تحدث ضربات أخرى مرة بعد مرة من دون أن يتسرّب السأم إلى نفوس الطيارين أو رماة المدافع. تلجأ القوات البرية إلى هجومٍ محدود على الأطراف، فتسيطر على بعض البلدات، مثل كفر نبودة، وتتمركز فيها، وتقصف من هناك لتقريب المسافة التي تقطعها المقذوفات، تمهيداً للخطوة التالية. لا ترقى سياسات النظام العسكرية التي يعتمدها في إدلب إلى الهجوم الصريح، بقدر ما هي تصعيد في عمليات الحصر والتضييق، ومحاولة إيقاع أكبر مقدار من الأذى الذي يطاول السكان والأبنية. وبحسب تقرير حديث لمجلس الأمن، أسفرت هذه العمليات عن نصف مليون مهجر وأربعمائة ضحية من المدنيين، بالإضافة إلى استهداف 35 نقطة أو منشأة صحية. وتنتمي هذه الاعتداءات العسكرية المنظمة والمضبوطة إلى ثقافة الديكتاتور الراسخة بتحطيم بنى الحياة الأساسية، تمهيداً للسيطرة على الأرض. يطبق النظام هذه السياسة في إدلب فقط، على الرغم من أنها ليست بأهمية مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط، ولكن لشرق الفرات حسابات أخرى بالنسبة له.
عُقد في أستانة بعد أن غيرت اسمها إلى نور سلطان اجتماع جديد، وكان قد تم تحديد عنوان له، وهو مناقشة المستجدّات على الساحة السورية، ودعي إليه كل من الأردن ولبنان والعراق، من دون أن يكون لهذه الدول مشاركة فاعلة، أو قدرة على صنع قرار، لكن دعوتها جاءت فلكلوراً سياسياً، بحكم استضافتها اللاجئين السوريين، ولوجودها على تخوم سورية. حمل هذا الاجتماع رقم 13، ما يعني أنه أصبح مجرّد تقليد دوري، لا يمكن التعويل عليه، وما خرج عنه يؤكد ذلك، فالاجتماع لم يتعد التأكيد على ما كان قد تقرّر في سابقاته، ما يعني أن السياسة العسكرية للنظام التي ينتهجها نحو إدلب سوف تستمر، فهذا المؤتمر أكد عدم حصول هجوم كبير ينتج عنه نازحون بالجملة، ولكنه وافق ضمناً على كل ما يحدث حول إدلب منذ إبريل/ نيسان الماضي. ومن المؤلم أن سكان إدلب على موعد مع جولة جديدة من القصف الذي أصبح من تقاليد أستانة أو نور سلطان، وقد يكون للاسم الجديد دلالة تؤكد ما يحدث، وتوحي بالقرارات التي صدرت عن اجتماعات هذه العاصمة.
بين سلوك النظام وتاريخه المظلم وهذه العاصمة التي يُنتظر منها أن تحل المشكلة السورية قرابة معنوية، فقد أُطلق عليها اسم نور سلطان، وهو الرئيس الذي ظل منذ نهاية العهد الشيوعي يعاد انتخابه مرة بعد مرة، حتى قرر أخيراً، وهو في عمر 78 عاماً أن يتنحّى عن الرئاسة، من دون أن يتنحّى عن سلطة اتخاذ القرار. وفي لحظة وفاء، يقرّر الرئيس الجديد الذي اختاره نور سلطان بنفسه أن يسمّي عاصمة البلاد باسم الرجل الذي قضى في كرسي الرئاسة كل تاريخ كازاخستان بعد العهد الشيوعي. ويمكننا التنبؤ بمستويات التنمية والفساد في دولةٍ وضع الرئاسة فيها على هذه الحال، وقد يكون السوريون الأكثر خبرة بين مواطني دول العالم بهذا النوع من الرئاسات المزمنة.
لا تشترك كازاخستان باجتماعات أستانة بشأن سورية، ولكن إيحاءات المكان ووجوه المجتمعين فيه، وخصوصاً إيران وروسيا، توحي بالكثير. وإذا تمت إضافة اسم المدينة الجديد، نور سلطان، بكل إيحاءاته السياسية، يمكن وبشكل مسبق معرفة ما سيخرج عن هذه الاجتماعات وما سيليها. تكرّس اجتماعات أستانة الحالة الإدلبية المزمنة، فلا يوجد حسم نهائي، وهذا غير مسموح. المسموح أو المطلوب استمرار النزف والتهجير واستهداف النقاط الصحية، ما يوفر لتقارير مجلس الأمن مادة دسمة، بانتظار لقاء آخر في نور سلطان، ليزداد الاسم رسوخاً بكل ما يحمله من ثقافة.