الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كورونا في سوريا… وقائع تكشف لأول مرة

كورونا في سوريا… وقائع تكشف لأول مرة

21.03.2020
عماد السعدي



القدس العربي
الخميس 19/3/2020
تتضافر مجموعة من الأسباب من شأنها أن تحول سوريا إلى المكان الأكثر تهديدا للحياة في الشرق الأوسط وربما العالم، القتال والمعارك واحد منها فقط ، فما خلفته الحرب من آثار كارثية على المكان والإنسان أقسى من المعارك ذاتها ،والجديد أن سوريا أصبحت تشكل بوضعها الحالي بيئة مثالية لكل مايحتاجه فيروس كورونا المستجد" (كوفيد 19) كي يتفشى كوباء قاتل ،إستنادا إلى الوقائع الحالية،وما تفيد به المؤشرات كلها .
في عمومية مشهد منطقة الشرق الأوسط ،أعلنت المنطقة كلها باستثناء سوريا !عن إصابات وبعضها عن وفيات بفيروس كورونا المستجد أكثرها في إيران ،وقامت بإجراءات استثنائية حمائية لمواطنيها ، لكن لا أحد يملك إمكانية الوصول إلى أرقام حقيقية ومعلومات دقيقة عن مدى انتشار فيروس كورونا في المنطقة، لأن معظم حكوماتها تربكها مسألة نشر أخبارداخلية غير سارة، ومصابة بفرط حساسية مزمنة تجاه حق المواطن بالوصول إلى المعلومات، فتتذرع برغبتها بعدم إثارة الخوف والهلع بين المواطنين و تعطيل الحياة العامة، أو بحرصها على استقرار الحركة الاقتصادية والتبادل التجاري مع الدول الأخرى.. واقعيا إخفاء الحقيقة والتكتم يهدف لإخفاء هشاشة وقصور الأجهزة الحكومية الصحية، وحسب تقرير منظمة أمن الصحة العالمي تعتبر "دول الشرق الأوسط هي الأقل استعدادا لمواجهة خطر انتشار كورونا فضلا عن افتقاد معظم دول المنطقة لمنظومات وطنية متخصصة بمواجهة الأخطار والحالات الطارئة،أما الحديث عن النظم الصحية في الدول المنهارة والمدمرة بالحرب فيعني شيئا أخر .
 
هل تداول أخبار إصابات كورونا في سوريا ممنوع؟
 
في مقابل إنتشار الشائعات والأخبارغير المؤكدة بمعلومات من قبل ناشطين سوريين، تستمر وزارة الصحة في دمشق بإدعائها خلو سوريا من فيروس كورونا، وتؤكد استعدادها لمواجهة الفيروس، لكنها بنفس الوقت تعترف أنه لايوجد سوى مخبر في دمشق لإجراء تحاليل الكشف عن الفيروس ، ففي أواخر الشهر الماضي قال مدير المخبر المركزي شبل خوري : "المخبر المرجعي جهز مؤخراً بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية بوسائل التشخيص والشواهد المعيارية (الكيتات) المطلوبة لإجراء تحاليل لحالات يشتبه بإصابتها بفيروس كورونا ..وهو مستعد لإستقبال العينات من جميع المحافظات " ، بعد هذا التصريح مباشرة أعلنت السلطات اللبنانية عن إعادة حافلة ركاب متجهة إلى لبنان من سوريا، إثر الاشتباه بإصابة فتاة بفيروس "كورونا". وكذلك أعادت الأردن عائلة سورية للاشتباه بإصابة بفيروس كورونا بينهم قبل أيام ، لكن وزارة الصحة في دمشق استمرت بنفيها وجود إصابات بالفيروس !
 لماذا لا يبلغ الناس عن الإشتباه بالإصابة ؟ ماهي الآلية التي يتم وفقها التبليغ عن الإصابة بكورونا في سوريا؟
طلبت السلطات في دمشق رسميا من العيادات والمشافي إبلاغ أقسام الشرطة عند الإشتباه بحالات إصابة بالفيروس، أي أن الموت أو الإصابة أوالاشتباه بالإصابة بفيروس كورونا في سوريا موضوع أمني وليس مجرد إصابة مواطن بمرض ، يقول أحد الكوادر الطبية بدمشق (نتحفظ على ذكر أسمه لأسباب تتعلق بسلامته) :" لايوجد نُظُم معقولة للكشف عن المرض ، بكل الأحوال الذي يشك بإصابته بفيروس كورونا يعرف مسبقا أنه لم تعد هناك قيمه لحياة الإنسان هنا، ولن يعالجه أحد ، والعلاج أصلا غير متوفر، لذا يجد نفسه بين خيارين إما الموت في بيته أو محتجزا عند السلطة وإصابته بأمراض إضافية ..وأضاف : الخوف من أن تتخلص منه السلطة وارد جدا " .
سبب هذا التعتيم الكامل على الإصابات بالفيروس يعود لقرار السلطة بعدم " التشويش" على أمرين ،الأعمال الحربية في إدلب شمالي سوريا وضرورة كسبها بأي ثمن، والسبب الثاني على العلاقة مع إيران ووجود المقاتلين الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين من حزب الله الذين الذي نقلوا عدوى الفيروس لنظرائهم السوريين وللمواطنيين، ويعرف الجميع ماهية العلاقة بين إيران وحكومة دمشق وأهميتها. لهذا لا أحد يجرؤ على الحديث عن انتشار فيروس كورونا خاصة من الكادر الطبي لأن ذلك سيكون أخر حديث له في حياته .
 
أين تنتشر الاصابات في سوريا ؟
 
في أي المحافظات السورية لاينتشر فيروس كورونا ؟! فالإيرانيون والأفغان والعراقيون نقلوا العدوى بالفيروس إلى سوريا عبر المنافذ الحدودية ومطار دمشق الدولي .
 في شرقي البلاد انتشر كورونا بشكل كبير في مناطق محافظة دير الزور التي يوجد فيها خليط من الإيرانيين والعراقيين والافغان واللبنانيين إضافة للسوريين، مصادر محلية ذكرت أن هناك أكثر من أربعين ميليشيا فاطميون الأفغانية إضافة الى حوالي عشرة عراقيين وإيرانيين وضعوا في الحجر الصحي المنزلي مؤخرا في مدينة البوكمال لإصابتهم بالفيروس، وهناك العديد من حالات الإصابة بالفيروس في أماكن إنتشار هذه الميليشيات في دير الزور، وهؤلاء يتنقلون بين المناطق السورية الداخلية في ريف دمشق وحمص إضافة ريف حلب وإدلب حيث يشاركون المعارك هناك وينقلون معهم فيروس كورونا. إزدياد حالات الإصابة بالفيروس دفعت السلطات بدمشق مؤخرا إلى إغلاق معبر القائم على الحدود العرقية أمام حركة المدنيين, إلا أن الارتال العسكرية لم تتوقف،ومازالت تعبر دون أي رقابة صحية، باستثناء فحص الحرارة ،وأفادت مصادرمن العاصمة دمشق أن السلطات تبحث عن سبل لعزل مناطق في دير الزور إذا توقفت المعارك في الشمال واستمر هدوء الجبهات الحالي، واستمر معدل انتشار الفيروس بالتزايد كما هو الآن.
في الشمال السوري وخلال المعارك الآخيرة التي شاركت بها بشكل مكثف ميليشيات عراقية وايرانية ولبنانية،انتشر فيروس كورونا وهناك توثيق لأكثر من ثمانية عشرة حالة لسوريين أصيبوا بفيروس كورونا خلال معارك ادلب غالبيتهم من الفرقة الرابعة ، إضافة إلى أعداد يصعب حصرها من العراقيين والإيرانيين نقل بعضهم إلى المشافي العسكرية مثل الموكامبو او مشفى الجامعة وغيره في حلب أو تم عزلهم بالمنازل ورعايتهم من فرق طبية إيرانية ، ومن الصعب التحقق من خطورة حالة المصابين أو الذين ماتو نتيجة الإصابة بالفيروس أونتيجة المعارك في الشمال بسبب التعتيم التام على الحالات المصابة.
إضافة إلى العسكريين ،هناك العديد من حالات الإصابة بكورونا بين الزوار الدينيين الشيعة ايرانيين وغيرهم لجامع النقطة بمدينة حلب وغيره من أماكن ، نقل بعضهم إلى مشفى الجامعة بحلب ثم نقلو ثانية إلى أماكن غير معروفة ،حسب مصدر طبي تحدث عن أكثر من ستة عشر حالة بينهم نساء إيرانيات.
 في محافظة حمص ،أفادت مصادر طبية محلية أن هناك أكثر من سبع إصابات بفيروس كورونا بينهم لبنانيين من ميليشيا حزب الله وإيراني واحد ، ونعيد الإشارة إلى إعادة حافلة تنقل 30 راكبًا من معبر القاع الذي يربط لبنان بمحافظة حمص السورية نتيجة اشتباه إصابة فتاة بالفيروس.
منذ أسبوع نقل إيرانيين مصابين بالفيروس كورونا من مطار السين لمشفى حمص ووضعو بالحجر الصحي أو جرى ترحيلهم لمكان آخر.
وغير بعيد عن حمص ،ذكرت مصادر في القلمون أنه صدرت تعليمات من السلطات السورية بعدم الاختلاط بعناصر حزب الله الذين يأتون ويغادرون إلى لبنان عبر "الجرود الجبلية" بسبب انتشار الفيروس بينهم ، لكن المصدر لم يتحدث عن مصابين سوريين أو يذكر أعداد لمصابين من مقاتلي الحزب اللبنانيين،ونشير إلى أن إغلاق لبنان لحدودها البرية والبحرية والجوية لا معنى له لأن عناصر حزب الله وحلفائهم لديهم طرقهم غير الرسمية الخاصة مع سوريا التي بدورها استثنت لبنان من قرار إغلاق معابرها الحدودية .
وكذلك في طرطوس واللاذقية تسود حالة من الخوف الشديد نتيجة عشرات الحالات التي تتشابه أعراضها بفيروس كورونا وبعضها توفي فعلا لكن السلطات الصحية الرسمية تصرعلى نفي العلاقة بين كورونا وحالات الإصابة والوفاة بالإنفلونزا الفيروسية وتخفي سبب الوفاة في حين أكدت مصادر طبية محلية وجود عدد من الإصابات بفيروس كورونا، وذكرت وفاة خمسة أطفال بالفيروس خلال أقل من أسبوع نهاية الشهر الماضي، في مدينة اللاذقية (الطفلة تالا عمر بليلو 8أعوام، الطفلة بيان خالد قلعه جي10 أعوام، و روزالين أكرم كروم 11 عام ومحمود أحمد كدي 10 أعوام و عبد الرحمن أحمد العبد 12 عام)،وإذا تأكدت وفاة هؤلاء الأطفال بفيروس كورونا فهذا يعني إن أعداد المصابين في مناطق الساحل السوري كبير جدا ،لأن الأطفال حسب مصادر طبية قليلا جدا مايصابون بالفيروس .
في دمشق يشكل فيروس كورونا حالة من الرعب و الهلع بين سكان العاصمة وضواحيها خصوصا مناطق السيدة زينب ومحيطها جنوبي دمشق.
 
مامصير مئات الآلاف من المعتقلين ؟
 
كوادر طبية في العاصمة كشفت لنا أن وزارة الصحة افرغت الطابق الأخير من مشافي المجتهد ومشفى تشرين العسكري من المرضى وخصصته للحجر الصحي بسبب انتشار فيروس كورونا خاصة بين عشرات العسكريين وعناصر المخابرات، إضافة إلى مشفى ابن النفيس الذي نقل إليه ستة حالات لم تعرف جنسيتهم وسط تكتم شديد مطلع الاسبوع الماضي،لكن المشفيين الأكثر أهمية من حيث استقبالهم لعدد الحالات المصابة بكورونا ، الأول في حرستا يحيط به تكتم شديد بسبب عشرات الحالات التي ادخلت للمشفى خاصة من الإيرانيين ، والثاني في دمر.. من الواضح أن النشاط المكثف لهذه المشافي والإجراءات التي تتخذها السلطات يدل على وجود مئات الحالات المصابة بفيروس كورونا .
في دمشق القديمة أيضا أكدت مصادر من شارع الآمين وجود ثلاث حالات مصابة بفيروس كورونا ، أيضا في مشفى الخميني في منطقة السيدة زينب جنوبي العاصمة هناك ثلاثة عشر شخصا من بينهم تسعة من الإيرانيين وثلاثة افغان وآخر سوري من العاملين معهم منذ اسبوعين ، وتزايد أعداد الإصابات في السيدة زينب ضاعف من التشديد الأمني على أي معلومات حول انتشار الفيروس ،خاصة وأن فرق طبية إيرانية هي التي تتولى الإشراف على المصابين.
وهناك أخبار لم يتم تأكيدها من مصادر محلية حول الاشتباه بحالات في جنوبي سوريا مصابة بفيروس كورونا خاصة في مدينة بصرى الشام ومنطقة "اللجاة"،وفي مناطق قريبة من الحدود اللبنانية في ريف دمشق الغربي والجنوبي الغربي.
 في الحديث عن إصابات بين عناصر من المخابرات والجيش سواء في الأفرع الأمنية أو في المطابخ والمخابز وغيرها من المتعاملين معهم يتزايد الخطر بشكل كبير على المعتقلين آلاف المعتقلين في السجون المعروفة والسرية ومعظم هؤولاء يعاني من أمراض نقص المناعة وأمراض مزمنة..
مالذي يمكن أن يحدث إذا استمر التعتيم على كورونا في سوريا ؟ وماهي العوامل التي تضاعف أحتمالات الموت بفيروس كورونا بسوريا؟
لقد وفرت الحرب المدمرة في سوريا لفيروس كورونا كل العوامل التي تساعد على الانتشار والفتك بأرواح السوريين ، وقد ينتشر إلى خارج الحدود ، فالحرب دمرت البنية التحتية الصحية بشكل مرعب إضافة إلى النقص بالكادر الطبي نتيجة الهجرة واللجوء، إضافة إلى تضاعف أعداد المصابين بأمراض تضعف جهاز المناعة بشكل هائل ، مثل أمراض السرطانات والأمراض المزمنة كالسكري و أمراض القلب وضغط الدم والأمراض التنفسية و القصور الكلوي كذلك الأمراض النفسية إضافة إلى أمراض نقص التغذية مثل فقر الدم والأمراض الناتجة عن تلوث الماء والهواء والأغذية إضافة إلى أمراض التلوث بمخلفات الحرب والإصابات والإعاقات الدائمة بسبب الحرب …. كل هذه الأمراض والظروف يزيد من أخطار فيروس كورونا المستجد وأشباهه من فيروسات ،ويمهد لها أجساد المرضى للفتك بهم وقتلهم .
يضاف إلى هذه الأسباب الفقر الشديد الذي يعجز معه الناس عن شراء الأدوية والمعقمات ومستلزمات الوقاية في حال كانت متوفرة خاصة في الأرياف في المحافظات السورية ، إضافة الى غياب حملات التوعية الصحية التي من المفترض أن تقوم بها المؤسسات الحكومية الإعلامية والصحية.. فالناس التي مازلت تصدق التصريحات الرسمية لوزارة الصحة ،هي عمليا تخدعهم وتغامر بحياتهم بطريقة غير مقصودة على الأرجح ، حين لايأخذون بالإحتياطات الضرورية للوقاية من المرض ويضلوا مطمئنين ،وكان من المفترض أن يكون العكس .
بالتأكيد معاناة اللاجئين في المناطق المختلفة في سوريا وفي دول الجوارالتي ينتشر فيها الفيروس خاصة في لبنان والأخطار على حياتهم هي الأشد بكثير في حال انتشار فيروس كورونا بينهم لأسباب كثيرة يعرفها الجميع، والخطر كبير أيضا في أماكن تجمعات النازحين داخل سوريا سواء في شمال غبي سوريا أو شرقها .
إضافة للاجئين الخطر يهدد حشود الطلاب في المدارس والجامعات في سوريا ،وفي الأماكن الدينية خاصة في السيدة زينب والسيدة رقية في دمشق حيث يتجمع فيها الزوار الدنيين الشيعة للممارسة طقوسهم الدينية .
فرصة احتواء فيروس كورونا تتلاشى سريعًا، وعلى منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة التحرك بسرعة ،لمساعدة السوريين بما تملك هذه المنظمات من خبرات وقدرات وأدوات اللازمة لاحتواء حالات انتقال المرض وتفشيه كوباء في سوريا والشرق الأوسط .