الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا وإسرائيل.. والتهدئة

روسيا وإسرائيل.. والتهدئة

18.10.2018
د. وحيد عبد المجيد


الاتحاد
الاربعاء 17/10/2018
لا مصلحة لروسيا وإسرائيل في تصعيد التوتر القائم بينهما عقب إسقاط طائرة استطلاع عسكرية روسية من طراز "إيليوشين 20" فوق الأجواء السورية في 17 سبتمبر المنصرم. لذا لم يبلغ التوتر مستوى الأزمة، رغم مرور شهر على حادثة لا تعد هينة بأي حال.
أُسقطت الطائرة بنيران المضادات الجوية السورية، لكن التحقيق الذي أجرته السلطات الروسية توصل إلى أن طيارين إسرائيليين يتحملون المسؤولية عن إسقاطها، لأنهم تعمدوا تضليل موسكو أثناء شنهم هجوماً على منشآت في اللاذقية. واتجهت موسكو، بناءً على ذلك، إلى تحميل تل أبيب المسؤولية الكاملة على أساس أن الطيارين الإسرائيليين تعمدوا التستر بالطائرة الروسية أثناء شن الغارات، مما جعلها في مرمى نيران الدفاعات الجوية السورية.
واستند هذا الاتهام إلى أن إسرائيل لم تحذر قيادة القوات الروسية في سوريا إلا قبل أقل من دقيقة واحدة على شن الغارات، فلم يتيسر إبعاد الطائرة التي أُسقطت إلى منطقة آمنة، الأمر الذي اعتبرته موسكو "تصرفاً عدائياً"، وأعلنت بموجبه احتفاظها بحق الرد لتعزيز القدرات الأمنية في سوريا، وحماية المنشآت الروسية من أي هجوم عسكري خارجي محتمل من جهة البحر المتوسط.
وقبل أن تزداد التكهنات حول كيفية استخدام روسيا حق الرد، أعلنت إطلاق تقنيات التشويش الكهرومغناطيسي في مناطق الحدود المحاذية لسواحل سوريا. لكن الخطوة التي أثارت جدلاً واسعاً، ودفعت بعض المراقبين إلى توقعات متسرعة، هي القرار الذي اتخذته موسكو بتزويد دمشق بمنظومة "إس-300" الصاروخية للدفاع الجوي. فما إن صدر هذا القرار، واتُخذت إجراءات فورية لتنفيذه، حتى توالت التوقعات بشأن اتجاهات التصعيد المترتبة عليه، وأثره في تحديد ملامح العلاقات الروسية الإسرائيلية مستقبلاً. وذهب بعض هذه التوقعات بعيداً، لاسيما بعد دخول أميركا على الخط وإعلانها أن الخطوة الروسية استفزازية.
واستندت تلك التوقعات إلى إصرار روسيا على تسليم منظومة "إس-300" إلى دمشق هذه المرة، بعد أن تراجعت مرتين؛ الأولى عام 2010 عندما قررت تعليق توريدها بعد تدخل أميركي وإسرائيلي. كما عادت إلى تعليق توريدها مرة أخرى عام 2013، بعد أن بدا أنها تتجه لتسليمها، واستبدلت بها ناقلات جند مدرعة من طراز "بي. تي. آر-80"، وقيل وقتها إن قيمة هذه الناقلات تساوي المبلغ الذي دفعته سوريا للحصول على المنظومة الصاروخية التي ظلت معلقة.
غير أن مصالح روسيا وإسرائيل فرضت عليهما فتح قنوات اتصال بالتوازي مع تسخين الخطاب السياسي على الجانبين. ومع بداية الأسبوع الرابع بعد إسقاط الطائرة، بدأت مؤشرات تدل على اتجاه الطرفين إلى التهدئة، والسعي للمحافظة على التفاهمات المبرمة بينهما منذ 2016، مع إعادة صوغها، وتبين مجدداً أن الوضع المضطرب في المنطقة يفرض إدارة الخلافات بين القوى الدولية والإقليمية بطريقة تضمن عدم خروجها عن السيطرة. لذا فالأرجح أن تكتفي موسكو بتحقيق مكسب جديد في سوريا، لأن توريد منظومة إس-300 يمنحها قدراً أكبر من السيطرة على الأجواء. لكن حجم المكسب الروسي يرتبط بطراز المنظومة "إس-300" التي أُرسلت إلى سوريا، وهل هو "إس-300 بي.إم.أو-2"، أم "إس-300 بي.إم.أو فانوريت" الأكثر تطوراً.
الطراز الثاني مداه أطول، ودقته أكثر، حيث يعتقد خبراء عسكريون أن طائرات "إف-35"، وربما أيضاً "إف-22"، التي حصلت عليها إسرائيل من الولايات المتحدة، تستطيع تجاوز منظومة "إس-300".
غير أن مصالح روسيا وإسرائيل تفرض عدم الوصول إلى أية مواجهة، لأنها تنطوي على عواقب وخيمة بالنسبة لكل منهما، فضلاً عن سوريا والدول القريبة منها، رغم أن تصريحات بعض المسؤولين على الجانبين لا تخلو من حدة.
لذلك، فالأرجح أن يتجه الطرفان إلى اتفاق على إعادة صوغ التفاهمات المبرمة بينهما على نحو يؤدي إلى تجنب وقوع مواجهة، ويُمكَّن روسيا من حماية قواتها في قاعدة حميميم وخارجها، ولا يمنع إسرائيل من شن ضربات سريعة داخل سوريا، مع إعادة تعريف نوع الخطر الذي يتيح لها ذلك، والتزامها بالتنسيق مع الروس قبل كل عملية بوقت كاف. كما يُستدل من تصريحات مسؤولين روس أنهم يتحركون في اتجاه ثانٍ، سعياً لفتح قنوات اتصال مباشر بين إيران وإسرائيل لوضع سقف للتصعيد المتبادل بينهما. ورغم أن فرصة نجاحهم في هذا السعي محدودة للغاية، فالأرجح أن إعادة صوغ تفاهماتهم مع إسرائيل في سوريا ستكون كافية لتهدئة التوتر بينهما