الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحرب المرغوبة والمؤجلة

الحرب المرغوبة والمؤجلة

15.05.2018
عاصم عبد الخالق


الخليج
الاثنين 14/5/2018
الكراهية المتبادلة بين "إسرائيل" وإيران لا تحتاج إلى برهان، ورغبتهما المتبادلة أيضا في تدمير الآخر أمر مؤكد. ومع ذلك فإن الصدام الحتمي بينهما لا يبدو وشيكاً حتى بعد اشتباكاتهما الخاطفة الأسبوع الماضي في الساحة السورية. ورغم ما أثارته هذه المواجهات الخطيرة من مخاوف وما فجرته من توقعات بشأن حرب شاملة بين العدوين اللدودين، إلا أن الأرجح هو ألا تندلع مثل تلك الحرب المنتظرة في الوقت الراهن.
لا يستند هذا التوقع على حكمة القيادتين أو رغبتهما في السلام فذلك رهان خاسر وساذج، ولكن لأن الظروف الإقليمية والدولية لم تنضج بعد وبما فيه الكفاية لصالح أحد الطرفين لكي يبادر بهجوم واسع ومدمر وشامل على الآخر.
"إسرائيل" التي لم تخف يوماً رغبتها في دفع الولايات المتحدة لضرب إيران أو السماح لها بالقيام بهذه المهمة منفردة، تدرك أن الخلاف الأمريكي- الأوروبي الذي فجره قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران سيجعل من المستحيل حالياً تشكيل جبهة غربية موحدة لشن الهجوم الشامل والنهائي لتدمير القدرات العسكرية الإيرانية.
لا يعنى هذا أن "إسرائيل" ستوقف عملياتها في سوريا لتقليم أظافر إيران بضرب قواعدها للإبقاء على نفوذها وتواجدها العسكري عند الحد الأدنى الذي ترى أنه لا يهدد أمنها. تعرف "إسرائيل" جيداً كيف تفعل ذلك دون التورط في حرب إقليمية أوسع. ومن الواضح أن هذه أيضا رغبة إيران التي جاء ردها متواضعاً للغاية على الهجمات "الإسرائيلية" الأخيرة رغم أنها دمرت أهدافاً لها وقتلت عدداً من جنودها. ويكشف الانتقام الإيراني "الصوري" إلى أي حد تحرص طهران على تجنب مواجهة واسعة حتى لو اضطرت لابتلاع الإهانة التي وجهتها لها الطائرات "الإسرائيلية".
وإذا كانت "إسرائيل" لا ترى فرصة حالياً لحشد الحلفاء الغربيين لمعركة نهائية وحاسمة ضد إيران، فهذه الأخيرة بدورها لا تريد المخاطرة بخسارة تعاطف أوروبا معها بعد موقفها غير الانفعالي رداً على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. ومن خلال تجنب إغضاب أوروبا التي لن تقبل توجيه ضربات إيرانية إلى "إسرائيل"، تأمل طهران في تعميق الخلاف الأمريكي -الأوروبي. وتأمل بالتالي في الاستفادة من رفع العقوبات وفقا للاتفاق.
نقطة التحول في هذه المعادلة ستكون بتغيير أحد الطرفين لموقفه إما بالانسحاب من الاتفاق أو نقضه من الأساس. وعندها ستكون هناك حسابات جديدة تماماً سواء بالنسبة لأوروبا أو إيران أو "إسرائيل".
ثمة عامل آخر مهم يدعم الرهان على عدم اندلاع حرب إقليمية واسعة بين "إسرائيل" وإيران، هذا العامل هو روسيا، الصديق الصدوق للعدوين معا، واللاعب الأقوى والأكثر تأثيراً على الساحة السورية حالياً.
ويبدو موقف روسيا معقداً إلى حد ما، فهي لا تريد إغضاب "إسرائيل" التي تربطها بها علاقات تجارية واستخبارية وسياسية وطيدة، ولكنها في الوقت نفسه لا تستطيع الاستجابة لرغبتها بإخراج إيران من سوريا. مثل هذا التطور لا يخدم مصالح موسكو التي تحتاج الدعم الإيراني لنظام الأسد حليفها الوثيق. في المقابل لا تتحمل روسيا ولن تسمح بتفجير الوضع العسكري على نطاق واسع في سوريا. ولا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام الاشتباكات الأخيرة بين "إسرائيل" وإيران بما يمكن أن تستتبعه من تصعيد عسكري أكبر.
في كل الأحوال الحرب بين إيران و"إسرائيل" سواء في سوريا أو من خلال هجوم مباشر على الأراضي الإيرانية ليست في صالح روسيا، ومن ثم فلديها دوافع قوية للحيلولة دون تطور الأحداث إلى هذه النقطة الخطيرة. وبالنظر إلى هذه الرغبة، وأخذاً في الاعتبار الحسابات الإيرانية و"الإسرائيلية" والتي تقضي بأن الوقت ليس مناسباً للدخول في حرب شاملة، فإن الأرجح أن تبادر روسيا إلى القيام بدور الوسيط.
وبالتالي سترسم الخطوط الحمر التي يتعين على كل طرف احترامها مع عدم استبعاد مخالفات بين وقت وآخر من هذا الطرف أو ذاك، ولكن دون الخروج تماما عن قواعد اللعبة التي ستقررها روسيا وسيلتزم بها الطرفان إلى حين إشعار آخر.