الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران و"إسرائيل" وتوازنات القوة

إيران و"إسرائيل" وتوازنات القوة

13.05.2018
د. ناجي صادق شراب


الخليج
السبت 12/5/2018
ثمة اتفاق بين الباحثين والدارسين للشأن الإيراني- "الإسرائيلي" أن الحرب قد تقع بينهما في وقت قريب، وذلك في أعقاب تطور المواجهات المباشرة، وقيام "إسرائيل" بإسقاط طائرة إيرانية من دون طيار في سوريا وقصف مواقع في سوريا بحجة وجود قوات إيرانية فيها، وفي أعقاب التصريحات الصادرة عن الطرفين بقدرة كل منهما على تدمير الآخر، ولعل أخطرها تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني عن قدرة إيران على محو "إسرائيل" من على خريطة العالم. رغم أن هذه التصريحات ليست المؤشر الذي يمكن أن نبني عليه احتمالات الحرب، فقبل ذلك صدر العديد من هذه التصريحات.
إيران و"إسرائيل" تقدمان نموذجاً مغايراً في العلاقات بين دول القوة، ورغم الحالة العدائية التي تحكم العلاقات بينهما، فهناك العديد من المصالح المشتركة التي تجمع بينهما. وكما يقول الكاتب الأمريكي تريتا بارسي فإنهما ليستا في صراع إيديولوجي كما يعتقد الكثيرون. كون المصالح الاستراتيجية بينهما تتقاطع في كثير من المجالات، وأن العلاقات تحكمها البرجماتية أكثر من الإيديولوجية الطاغية على خطابيهما. فتاريخياً كانت إيران من أولى الدول التي اعترفت ب"إسرائيل" بعد عامين على إنشائها في زمن الشاه. ورغم إغلاق القنصلية الإيرانية في القدس في عهد حكومة مصدق إلا أن العلاقات استمرت بينهما في العديد من المجالات الاستراتيجية وخصوصاً العسكرية، حيث شكلت "إسرائيل" مصدراً للسلاح، وفي مجال التطوير الزراعي أيام الشاه، وكان العدو المشترك بينهما آنذاك هو الاتحاد السوفييتي والعرب. واستمرت العلاقات على هذه الدرجة من التحالف إلى أن دخلت مرحلة جديدة من العداء في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، رغم أنها لم تتخل عن برجماتيتها، لكن الذي بات يحكم العلاقات هو حالة من العداء. ومع ذلك وقد يبدو هذا فيه قدر من التناقض، فقد استمرت العلاقات بينهما أيام الحرب العراقية لما شكلته من مصلحة مشتركة، بل إن البعض مثل الكاتب بارسي يذهب إلى القول أن هذه الحرب كانت سبباً في ضرب "إسرائيل" المفاعل النووي العراقي.. والسؤال هنا كيف يمكن فهم العلاقات بينهما؟ وما هي احتمالات الحرب ؟ وهل يكون هذا الصيف حاراً؟
غالباً ما يتم اللجوء إلى مفهوم توازن القوة لتفسير حالة الصراع والحرب بين الدول. وهذا المبدأ يمكن أن ينطبق على حالة الصراع بين إيران و"إسرائيل"، وكما وصفه الرئيس الأمريكي وودر ويلسون بالمبدأ الشرير في العلاقات. وهو الذي يقف وراء اندلاع الحربين الكونيتين الأولى والثانية. وهناك من يرى أن هذا المبدأ قد يقف وراء حالة اللااستقرار في القوة بين الدول، وهو ما ينطبق على العلاقات بين إيران و"إسرائيل".
ما يؤكد صدقية هذه الفرضية أنه على مدار خمسة قرون من النظام الأوروبي اندلعت 119 حرباً، ونادراً ما تحقق السلام، لأن الأساس في مفهوم القوة لا يقوم على التوازن بقدر ما يقوم على فرض مصالح الدول الأقوى. وهذا ما ينطبق على "إسرائيل". وقد يستخدم المفهوم أيضاً كسياسة بمعنى حرمان أي دولة منافسة لامتلاك مصادر القوة، أو حتى تغيير نمط توزيع القوة، وهذا التفسير ينطبق على العلاقة بين إيران التي تسعى لتغيير نمط توزيع القوة القائم والذي تتحكم فيه "إسرائيل"، بامتلاكها لمصادر القوة كالقوة النووية أو بتوسيع مجالها الحيوي بتواجدها على الحدود مع "إسرائيل" في سوريا، وهو ما يجعل البعض يذهب إلى التأكيد أن الحرب باتت وشيكة، لأن "إسرائيل" كنموذج لدولة القوة المهيمنة والمسيطرة لن تسمح لإيران بتغيير نمط توزيع القوة بامتلاكها القدرات النووية، ولن تسمح بتواجدها على الحدود في سوريا.
ولعل البيئة الإقليمية والدولية قد تدفع "إسرائيل" للتسريع بقرار الحرب. فتزايد المخاطر الإيرانية في المنطقة العربية، وما تقوم به من محاولات للتوسع على حساب المصالح العربية، خلق حالة من العدائية الإيرانية - العربية غير المسبوقة تقوم "إسرائيل" باستثمارها، وعلى مستوى البيئة الدولية فلا شك الإدارة الأمريكية ودعم إدارة ترامب غير المسبوق هو الدافع الرئيسي، فلن تتخذ "إسرائيل" قرارها بالحرب دون الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، أما عن الموقف الروسى ف"إسرائيل" ليست متخوفة كثيراً منه، لأن موسكو لن تنغمس في مواجهة مع الولايات المتحدة، لذلك فالدور الأمريكي الروسي قد يأتي بعد الحرب للتوصل إلى صيغة سياسية ما تحفظ مصالح "إسرائيل" الحيوية وتقلص من التواجد الإيراني. وعموماً السؤال الآن هو متى وكيف ومن سيتخذ القرار بالحرب؟