الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مؤتمر المعارضة السورية ومصير المنطقة

مؤتمر المعارضة السورية ومصير المنطقة

30.11.2015
د. وائل مرزا



الشرق القطرية
الاحد 29/11/2015
"الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى"، يعرف الكثيرون هذه المقولة المشهورة للجنرال والاستراتيجي العسكري، كارل فون كلاوزفيتز، من إمبراطورية بروسيا. لكن ما يجب الانتباه إليه، في مجال بحثنا، هو تعليق الزعيم السوفييتي لينين عليها، حين قال ما معناه إن السياسة، في الحقيقة، هي استمرارٌ للحرب بوسائل أخرى.
هذا هو الوضع حالياً فيما يتعلق ب"مسار فيينا" الذي توافقت عليه أطراف النظامين الدولي والإقليمي حول الوضع السوري. قبل ذلك، كان قرار (اللاقرار) فيما يتعلق بذلك الوضع هو الخيار المُفضل لكثيرٍ من أطراف النظام الدولي. بمعنى، أن القضية كانت تُدرج في نطاق الصراع المحلي القابل للضبط والاحتواء، بحيث تبقى تأثيراته السلبية في إطار المنطقة ولاعبيها. تُنهكُ من يكون مفيداً إنهاكهُ، وتُقوي من تُفيد تقويته..
لكن ذلك القرار كان، في نهاية المطاف، محض إرادة بشرية ليس لها أن تحكم مصير الدول والمجتمعات بشكلٍ نهائي. هكذا، ظهر مكرُ التاريخ، وتحركت قوانين الاجتماع البشري، فتجاوزت التأثيرات السلبية، غير المرغوبة، كل الحواجز والحدود (والبحار)، وذهبت تهدد أوروبا في عقر دارها. فرغم كل الحديث (المُعلن) عن تأثير (اللاجئين) الذين ألقت بهم أهوال الحرب والعنف على الشواطئ الأوروبية، يذكر الخبراء أن تأثيراتها الحقيقية، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وأمنياً، تبلغ أضعاف ما يجري الحديث عنه. من جهةٍ أخرى، وبخلطةٍ من التردد والتجاهل والمَكر والغباء، تم السماحُ بخلق (وحشٍ) لا يمكن أن يَتحكم به حتى من صَنَعه، فضلاً عمن راقب العملية وتجاهلها لألف سببٍ وسبب. هكذا ظهرَ هتلر منذ ثلاثة أجيالٍ فقط من عمر البشرية. وهكذا ظهرت (داعش) منذ عامين. بهذه الخلفية، أظهرت تحليلات الأرباح والخسائر الإستراتيجية أن المعادلة القديمة يجب أن تتغير، وأن الصراع لم يعد قابلاً للاحتواء والضبط في الإقليم، فلم يكن بدٌ من معادلة (فيينا) الجديدة.
لا يمكن، طبعاً، في مثل هذه الظروف المُعقدة الاتفاق على معادلةٍ جديدةٍ بكل تفاصيلها وأوزان المتغيرات فيها. من هنا، تم الاتفاق على الحد الأدنى: نقلُ الصراع من الساحة العسكرية إلى الساحة الدبلوماسية، بجدولٍ زمني وملامح عامة لخارطة طريق. فيما عدا ذلك، يُترك للفرقاء المختلفين العمل والحركة لتحديد أوزانهم في المعادلة الجديدة، ثم تكون النتيجة النهائية محكومةً بحسابات المعادلة تبعاً لتلك الأوزان. وفي هذا الإطار برزت ضرورة التعجيل بعقد مؤتمر المعارضة السورية في السعودية. هل لدى سوريي الثورة، ساسة وعسكر، والأهلية والقدرة على خوض المعركة الشرسة الجديدة؟ سيما وأن مثل هذه المعارك تكون أحياناً أكثر شراسةً من المعارك العسكرية. السؤال كبير، ويجدر قبل محاولة الإجابة عليه التذكير بملامح الأهلية والقدرة المطلوبة في مثل هذه المجالات. يختصر ونستون تشرشل الموضوع في جملةٍ معبرة:"الدبلوماسية [والمفاوضات] هي فنﱡ أن تطلب من الآخرين الذهابَ إلى الجحيم، وأن يكون هذا مدروساً بحنكةٍ تجعلهم يطلبون منك أن تُرشدهم إلى الطريق"!. يوجد في السوريين، بالتأكيد، من يمكن له ممارسة الدور بتلك المهارة. ولكن.. لا يمكن إيجاد هؤلاء، ولا مساعدتهم على القيام بالمطلوب، بالطريقة التي تتعامل بها المعارضة السورية مع الموضوع الآن. المسؤولية كبيرةٌ جداً. وعلى المعارضة أن تعرفَ، وتعترف، بأن كل ما مضى في كفة، وهذه المرة في كفةٍ أخرى تَرجحُ عليها. إن لجهة الكوارث التي ستترتب على فشل المعارضة في التحضير للمؤتمر، أو في إطار النجاحات الكبرى التي يمكن أن تتحقق إذا نجحت في ذلك التحضير. وفي المحصلة، يبدو استمرارُ أداء المعارضة بالمستوى الحالي، في هذه الفترة الحساسة، أقرب للتحضير لعملية انتحارٍ جماعي منه للتفاوض على حاضر ومستقبل سوريا.. والمنطقة. نعم. مصيرُ المنطقة، العربية تحديداً، مرتبطٌ إلى درجةٍ كبيرة بما سيحصل في هذا المؤتمر. وأن يرى البعضُ في هذا الطرح مبالغةً سيكون جزءاً من المشكلة، وتجاهُلاً لحقائق تفرض نفسها على مدى الأعوام القليلة الماضية، ومدخلاً للهروب من استحقاقٍ عربي خطيرٍ وحاسم. من هنا تنبع خطورة التعامل مع التحضيرات اللازمة للمؤتمر، وما سيليه، بدرجةٍ من السلبية واللامبالاة. خاصة كون الحل موجودا. فمنذ شهور، وبعد الإعلان عن النية في عقده، يعمل فريقٌ من الخبراء السوريين على تحضير الوثائق والأوراق المطلوبة لإنجاح المؤتمر. والمفارقة أن المشروع المذكور عُرض على كثيرٍ من أطراف وشخصيات المعارضة السياسية والعسكرية، فضلاً عن قوى المجتمع المدني والمجالس المحلية وغيرها، وأن الانطباع العام لدى تلك الأطراف كان إيجابياً. لكن البطء القاتل في الحركة من ناحية، واستمرار بعض المناورات والمفاوضات المشغولة بالتركيز على قوائم أسماء من سيحضر المؤتمر، يَصرفان كِلاهُما، السوريين عن التركيز على العنصر الحساس المطلوب: الرؤية السياسية ومحددات اختيار المفاوضين والعملية التفاوضية ومرجعيتها. ثمة مداخل للتعامل مع الموضوع، وقد يكون منها ما يجب التفكير به (من خارج الصندوق). لماذا لا تبادر المكاتب السياسية للفصائل، مثلاً، إلى تبني ذلك المشروع؟ نقول هذا لأن درجة تطور الفكر السياسي لديها سريعةٌ ومتفاعلة مع الأحداث، إلى درجة أن منسوب الواقعية لديها باتَ عالياً بشكلٍ يؤهلها لتكون حاملةً لمثل هذا المشروع.
وفي جميع الأحوال، لا مفر من تحقيق هدف التحضير المحترف للمؤتمر، أياً كانت الوسيلة، وأياً كان من يبادر لذلك. ولما كان مصير العرب مرتبطاً بما سينتج عنه مسار فيينا، فإن مبادرتهم، من الآن، لوضع القطار على السكة الصحيحة، استثمارٌ استراتيجيٌ رابح.
ثمة حكمةٌ تقول: "أنت لا تنال في الحياة ما تستحق، وإنما ما تفاوضُ عليه".. ورغم قسوة المقولة، فإن من الخطورة بمكان أن يغفلها العربُ، والسوريون. وأن ينتظروا من النظام الدولي التكرم بإعطائهم حقوقهم المشروعة، بعيداً عن بذل الجهد المطلوب.