الرئيسة \  واحة اللقاء  \  النفاق الأمريكي الغربي في حرب "داعش" بالعراق

النفاق الأمريكي الغربي في حرب "داعش" بالعراق

21.08.2014
علي الرشيد



الشرق القطرية
الاربعاء 20/8/2014
فجأة انتفضت الولايات المتحدة ومعها الغرب لإعلان الحرب على "تنظيم الدولة الإسلامية " أو ما يسمى "داعش" سابقا.. إعلان يكتنفه الكثير من الريبة والنفاق في توقتيه ومغزاه، لسببين، الأول أن سياسات وممارسات الولايات المتحدة وحلفائها في هذه الحرب بمن فيهم إيران وسوريا وحكومة المالكي سابقا هم المسؤولون عن تضخم دور هذا التنظيم والانتصارات التي حققها ولا يزال، والآخر أن هذا التحرك لم يحدث في سوريا قبل ذلك، رغم انتصارات وتمدد هذا التنظيم في مناطق واسعة في سوريا، والجرائم التي اقترفها ـ ولايزال ـ ليس ضد الأقليات فقط، بل ضد الأغلبية السنية أيضا، والناشطين الثوريين وعناصر الجيش الحرّ.
ومع أنني أمقتُ هذا التنظيم وفكره وممارساته ومع كل جهد يؤدي إلى الحد من جرائمه وكبح جماح تمدده السرطاني في سوريا والعراق وغيرهما، لكن هذا لا يمنع من التأكيد على نفاق الإدارة الأمريكية وحلفائها في هذه الحرب التي تدعيها وتنفذها، وكيلهم بمليون مكيال، حتى في التعامل مع ما يتصل بهذا التنظيم، وإلا كان ينبغي عليهم التحرك منذ زمن بعيد ضده وخصوصا في سوريا.
في غضون أيام قليلة أعلن أوباما عن وضع إستراتيجية "بعيدة الأمد" لمكافحة التنظيم فيما تشن الطائرات الأمريكية، منذ أكثر من عشرة أيام، غارات على مواقع يسيطر عليها في شمال العراق، وقبلها نسقت إدارته لصدور قرار في مجلس الأمن سريعا وبإجماع الأعضاء يهدف إلى قطع التمويل عنه، ومنع المسلحين الأجانب من الانضمام إليه، وينص على أن كل جهة تموّل هذه التنظيمات أو تمدّها بالسلاح ستكون عرضة لعقوبات أممية، وقد اتخذ القرار بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي يعني أنهّ يمكن أن يطبق باستخدام القوة العسكرية.
وللتدليل على هذا النفاق الأمريكي يكفي أن أشير إلى أنه طوال شهور ماضية من عمر الثورة السورية ورغم إدراك الولايات المتحدة للتحديات التي تواجه الجيش الحرّ من قبل جيش النظام وتنظيم داعش، لم تقدِّم الولايات المتحدة سلاحا نوعيا للمعارضة السورية، وتركتها فريسة مواجهة عدوين فتّاكين بآن واحد. وبناء على ما سبق لم يكن مستغربا البتة أن يطالب رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، هادي البحرة، الولايات المتحدة بمعاملة المعارضة السورية كما تعامل الأكراد في العراق لجهة تسليحهم وتقديم العون العسكري لهم بمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ونظام الرئيس بشار الأسد، منوهاً بأن مدينتي (حلب ودير الزور) قد وقعتا بين فكي التنظيم والجيش السوري. وأوضح البحرة أن المسببات في سوريا وكردستان واحدة، والعدو واحد، ولا يجوز "الكيل بمكيالين".
قبل أن تسيطر "داعش" على الموصل وتصل إلى تخوم كردستان وتواجه جيش "البيشمركة" كانت ـ ومازالت ـ تسيطر على مساحات سورية واسعة وخاصة في الشمال الشرقي من سوريا المحاذية للعراق، وتبسط هيمنتها على آبار بترول هناك، كما تسيطر على مناطق أخرى في حلب وإدلب.. ومع هذا لم تتحرك الولايات المتحدة ولم تضع خطة طويلة أو قصيرة المدى لمحاربتها ولم تستصدر أو تسعى لاستصدار قرار ضدها، ولعل الأسباب كثيرة، منها ما يخص الولايات المتحدة وحدها، ومنها ما يخص التوافقات الإقليمية والدولية ومدى رضا الحلفاء المفترضين، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، ترك الفرصة لتسمين التنظيم حتى تظل المنطقة ذريعة للتدخل مستقبلا بسبب ما يسمى مكافحة الإرهاب، واستثمار ذلك من أجل مخططات تقسيم المنطقة الذي كثر الحديث عنها، وخاصة في الآونة الأخيرة ، وربما لإتاحة الفرصة لنظامي طهران ودمشق من أجل إثبات نظريتهما في مكافحة التطرف والمتطرفين إقليميا نيابة عن العالم، خصوصا أن النظام السوري قد استفاد من التنظيم، فضلا عن ذلك في مواجهة الجيش الحرّ نيابة عنه، أو لاستغلاله من أجل إفناء قوى الجيش الحر وفصائل الثورة في مواجهتهما لداعش، وربما لأن التحرك في الأرض السورية سيلقى معارضة من النظام، لأنه يعرف أنه قد يكون مقدمة لضربه بعد ضرب داعش، كما أنه يلقى معارضة كل من حليفيه الرئيسيين: روسيا وإيران، المستفيدين من بقاء الأسد.
أما الجانب الثاني لنفاق الإدارة الأمريكية والأنظمة والحكومات والجهات المتحالفة معها، فلأنهم المسؤولون بصورة أو أخرى، عن تضخم دور هذا التنظيم والانتصارات التي حققها ولا يزال، ومن ذلك التواطؤ مع أنظمة عربية لشيطنة الجماعات والتنظيمات الإسلامية المعتدلة في المنطقة كالإخوان المسلمين، ومنع وصولهم للحكم عبر العملية الديمقراطية، كما حدث في مصر، والاستجابة لضغوط دول بالمنطقة لوصم الإخوان بالتطرف والإرهاب من خلال بريطانيا، أو بسبب ممارسات طائفية واستبدادية لحكومات صمتت عن جرائمها أو دعمتها الحكومة الأمريكية حتى آخر رمق، كحكومة نوري المالكي في العراق والمتمثلة في تهميش وإقصاء العرب السنّة، وبالتالي دفع أبناء السنّة لحمل السلاح والتحالف مع تنظيم داعش بسبب تراكم مظالم المالكي لسنوات عديدة، ونفس الشيء يقال عن الصمت الأمريكي وغضّ الطرف على ممارسات الأسد وعدم القيام بأي واجب إنساني أو أخلاقي لإنقاذ الشعب السوري من جرائمه، رغم الوعود الأمريكية والخطوط الحمر التي تحدثت عنها أوباما وغيره.
ولعل محصلة كلّ ذلك تصبّ في خانة التطرف والغلو، ودعم أي توجه لمواجهة الظلم والاستبداد الذي يلبس أكثر من لبوس، لأنّ الغريق قد يتعلق بقشّة وهو يتلمس سبل النجاة