الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران والهذيان في ملاحقة الشيطان!!

إيران والهذيان في ملاحقة الشيطان!!

04.01.2018
ياسر الزعاترة


العرب
الاربعاء 3/1/2018
من الواضح أن الاحتجاجات المتواصلة في إيران قد فاجأت الأوساط القيادية، بخاصة تيار المحافظين الذي يحكم البلاد بالحديد والنار، وصعّد من سطوته الأمنية بعد أحداث 2009.
ما يؤكد هذه المفاجأة هو ذلك الكم الهائل من الهذيان، الذي يتدفق من وسائل الإعلام التابعة للمحافظين، والذي لا يعترف بأن هناك شعباً حياً قادراً على الاحتجاج والمطالبة بحقوقه، بل يرى أن هناك فئات مندسة تحرّكها أيادٍ خارجية، والمصيبة أن تسمع مثل هذا الهراء يتدفق من أوساط تابعة لإيران في الخارج، حتى رأينا بعضها يتحدث عن دور لدول عربية في الأحداث، بل وضعها في المرتبة الأولى قبل أميركا وبريطانيا والصهاينة!!
إنه ذات المنطق السقيم الذي واجه به كثير من الطغاة -وفي مقدمتهم تابع خامنئي في دمشق- الاحتجاجات، قبل أن يبادر هو بنفسه لإخراج الجهاديين من السجون، كي يحملوا السلاح، ويتهم الثورة بالإرهاب، وهي الاستراتيجية التي حققت بعض النجاح بطبيعة الحال، وإن أفضت إلى تدمير البلد، وقتل وتشريد الملايين من أهله، الأمر الذي يمثّل ثمناً عادياً في عرفه، وعرف داعميه من خامنئي إلى بوتن.
كانت نسبة معتبرة من الشعب الإيراني قد أسمعت شكواها التي تتردد الآن في عام 2009، لكن شراسة القمع كانت لهم بالمرصاد، وها هي 8 سنوات تؤكد أن الشعار الذي رفعه المحتجون كان محقاً إلى حد كبير -أي ضرورة الاهتمام بالداخل بدل المغامرات الخارجية- لكن النظام ذهب في الاتجاه المعاكس، فبدلاً من إعادة النظر في مسيرته، ذهب نحو تعميق مغامراته الخارجية على نحو أكثر كلفة بكثير، رغم أنه استجاب بعض الشيء حين قبل بالاتفاق النووي، لكنه قبول جاء بسبب النزيف السوري، وليس استجابة لمطالب الشعب، وحين توفرت بعض العائدات من الاتفاق لم يتم صرف أكثرها على الناس، بل على استكمال المغامرة الخارجية.
لا الصواريخ التي يتبجح قادة المحافظين يومياً بتطويرها، ولا الانتصارات الموهومة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وجدت آذاناً صاغية لدى الشعب، فهو شعب يملك ثروات كبيرة، ويريد الاستمتاع بها، بدل معاناة الفقر والبطالة، لكن خامنئي لا يستمع لهم، بل يمضي في أوهام التمدد والهيمنة واستعادة ثارات التاريخ، دون أن ننسى أن الاحتجاج ينطوي -إضافة إلى المطالب المعيشية- على رفض للدولة الشمولية القائمة، والتي تتدثر بانتخابات لا تغير في حقيقة شموليتها.
اللافت بالطبع فيما يجري، يتمثل في ردة الفعل الأميركية، التي تذكرت أن هناك شيئاً اسمه ديمقراطية وحرية، بعد أن نسخها ترمب من لغة الدبلوماسية الأميركية لحساب الدفع والابتزاز، وهي التي تلاشت قبل ذلك خلال الولاية الثانية لأوباما، فيما يعلم الجميع أن صمت ترمب هو خير للشعب الإيراني، خلافاً لدعمه الكاذب، والذي لا يختلف عن دعم أميركا للشعب السوري، مع وضع أسوأ في سوريا، تمثّل في الضغط على الجميع من أجل منع السلاح النوعي عن الثوار، لأجل مطالب الكيان الصهيوني، لذلك كانت النصيحة الأفضل لترمب -حتى من نخب أميركية- هي أن يخرس تماماً، ولا يتدخل فيما يجري في إيران.
ربما أحالنا البعض هنا إلى مقولات تتعلق بالمفاضلة بين الإصلاحيين والمحافظين، وإمكانية أن يتعاون الإصلاحيون مع أميركا والكيان الصهيوني، مقابل موقف المحافظين المختلف، وهنا نقول إننا نقف مع مطالب الشعوب في الحرية والكرامة قبل أية شعارات، فيما لا نرى أن أحداً قدّم خدمة جليلة للصهاينة أكثر مما قدّمه المحافظون، بهذا الحريق الذي أشعلوه في المنطقة، كما أن الحل الحقيقي -بصرف النظر عن الحاكم في إيران- هو التفاهم على حلول عاقلة لمشاكل الإقليم مع العرب والأتراك، بعيداً عن التدخلات الخارجية، لأنه هو الأفضل للجميع، ولو قبل المحافظون بذلك، لما كانت هناك مشكلة معهم.
ربما كانت المفاجأة هي انحياز روحاني لمصلحته الشخصية، وتهديده المحتجين بإنزال الملايين إلى الشارع دعماً للنظام، رغم علمه بأن المحتجين هم من انتخبوه، لكنها السياسة ولعنتها التقليدية.
كل هذا الكلام لا يعني تأميناً على سياسات الطرف الذي يواجه إيران، فهو بدوره خدم عدوانها بخلل الأولويات في سياساته، ولو أدار المعركة على نحو أفضل، لربما كان أقدر على دفعها -أي إيران- نحو مربع الرشد، وبالتالي وقف النزيف الذي أصاب الجميع، ولم يخدم سوى أعداء الأمة.;