الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران وخيارات المواجهة

إيران وخيارات المواجهة

30.05.2019
حسان الأسود


سوريا تي في
الاربعاء 29/5/2019
مرّت أربعون عاماً على استلام رجال الدين الحكم في إيران، وبعد أن قاموا بإقصاء وتصفية جميع الشخصيات والتيارات المشاركة في الثورة على الشاه، وبعد أن أسكتوا الأصوات المعارضة لنهجهم الانغلاقي المتشدد، تمكّنوا من بناء دولة ثيوقراطية تحكم باسم الإمام الغائب الذي يمثّل إرادة الله على الأرض وينوب عنه المرشد الأعلى في إظهار هذه الإرادة. بعد هذه السنوات الطوال بات هذا النظام أمام استحقاقات كبيرة، وعليه الآن أن يقدّم جردة حساب عن هذه المرحلة، فالعوائق كبيرة جدّاً والتحديات التي تواجه الإيرانيين كدولة وكشعب أكبر من أن تُختصر بما يراه نظام الملالي.
تُشير التوقعات الأولية لنتائج الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية إلى خسائر سنوية للإيرادات الإيرانية من مبيعات النفط الخام بما قد يصل إلى 320 مليار دولار، فقد أدخلت العقوبات الأمريكية نحو 50 بنكاً إيرانياً وكياناً تابعاً، إضافة إلى 700 شخصية وكيان ما بين مؤسسات عامة وخاصة وشركات ملاحة إضافة إلى قطّاع الصلب الذي يشمل صناعات الحديد والنحاس والألمنيوم في حزمتها الثانية من العقوبات، كما أعلنت شركات طيران كثيرة عن تعطل عديد من الرحلات الجوية الإيرانية مع مطارات عالمية منذ فرض العقوبات بسبب القيود المفروضة على الملاحة الجوية من وإلى إيران.
يضاف إلى ذلك أن مؤسسة نظام التحويلات المالية العالمي "سويفت" والتي مقرها في بروكسل قد قرّرت منع عدة مصارف إيرانية من الولوج إلى نظام تحويل الأموال، مما أدّى إلى تسارع هبوط قيمة الريال الإيراني مقارنة بالدولار منذ أيار 2018 بنسبة 57% في الأسواق الحرّة، مما أدّى إلى ارتفاع حاد في أرقام التضخم التي باتت تقارب نسبة 51% على أساس سنوي مقارنة ب 8% قبل عام ونيّف.
سيؤثر ارتفاع الأسعار بشكل خاص على المواد الغذائية، مما يعني زيادة معاناة الشعب الإيراني، بينما لن يتأثر المسؤولون عن إدارة شؤون البلاد لأن كل شيء متوفر لهم ولا يمكن تصوّر إحساسهم بقسوة هذه العقوبات في مكاتبهم وفي بيوتهم ولن يشعروا مع عائلاتهم بمعاناة الغالبية العظمى من الشعب الإيراني.
ستلجأ الحكومة الإيرانية إلى الالتفاف على العقوبات الأمريكية من خلال التصدير الموازي أي غير الرسمي والذي يعتمد على التهريب عبر وسطاء يسعون إلى تحقيق الربح الفاحش جرّاء التعامل بالنقد بدل التحويلات المصرفية، وستلجأ أيضاً إلى نظام المقايضة مع الدول التي تقبل بذلك مثل روسيا والصين، فمن المعلوم أنّ الصين من أكبر الشركاء التجاريين لإيران، فالعلاقات التاريخية بين البلدين تعود إلى أيام طريق الحرير في حقبة إمبراطورية إلهان والإمبراطورية البارثية، ويكفي أن نعلم أنّ نجل الملك الساساني يزدجرد الثالث قد لجأ إلى الصين بعد الفتح العربي الإسلامي لبلاد فارس.
الروس يريدون الاستئثار بالقرار وحدهم في سوريا ويرغبون في إخراج إيران من المعادلة تحقيقاً لمصالحهم
سيكون التعامل مع الروس أكثر صعوبة بسبب التضارب الأكبر في المصالح بين الطرفين في الملف السوري، فالروس يريدون الاستئثار بالقرار وحدهم في سوريا ويرغبون في إخراج إيران من المعادلة تحقيقاً لمصالحهم في القبض على ملف إعادة الإعمار من جهة وتنفيذاً لتفاهمات لا بدّ وأنهم عقدوها مع الأمريكيين والإسرائيليين بهذا الشأن. لكنّ الإيرانييّن لا يستطيعون الاستغناء عن العلاقة مع الروس فهم من شكل لهم الغطاء الدولي في مجلس الأمن على الدوام، فالعلاقة متداخلة بشكل غريب ويعبّر عن ذلك مقولة إيرانيّة تصف الروس بأنهم "عدّوّ لا يمكن معاداته" وترجع هذه الإشكالية إلى فترات تاريخية ليست بالبعيدة، فما بين العامين 1722- 1812 وقعت حربان كبيرتان بين الإمبراطورية الروسية والامبراطورية الصفوية وكان من نتائجهما اقتطاع أجزاء كبيرة من بلاد شمال وجنوب القوقاز وشمال بلاد فارس.
من آخر نتائج الضغوط على إيران تصريحات وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف عبر تغريدة على حسابه في تويتر بأنّ بلاده لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نوويّة مستنداً في ذلك إلى فتوى للمرشد الأعلى للثورة على خامنئي، وتبدو واشنطن بالمقابل أكثر ثباتاً على مواقفها، ولم لا وهي ترى نتائج سريعة لعقوباتها الاقتصادية وتحركاتها العسكرية والسياسية التي لم تخفّ حدتها منذ شهر ونيّف؟ لا يستطيع أحد إنكار سطوة وجبروت أميركا في العالم، فدول عظمى مثل الصين لم تستطع تجاوز العقوبات الأمريكية على إيران ولا الاتحاد الأوروبي بقادر أيضاً على التغريد خارج السرب الأمريكي، وهذا كلّه سيؤدي بالنتيجة إلى انحناء النظام الإيراني أمام العاصفة الأمريكية ولن تفيده أبداً شعارات المقاومة والممانعة الخلّبية.
يبقى السؤال الأكبر والذي ستجيب عليه الأيام القادمة والتطورات اللاحقة في هذا الصراع على المنطقة: هل ستصرّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مطالبها الاثني عشر التي أعلنها وزير خارجيتها مايك بومبيو في خطابه الذي ألقاه في مؤسسة التراث بالعاصمة واشنطن قبل عام كامل بتاريخ 21 أيار 2018؟
تتلخّص المطالب الأمريكية من النظام الإيراني بما يلي:
1-    إعلام الوكالة الدولية للطاقة الذرية السرد الكامل للأبعاد العسكرية السابقة لبرنامجها النووي وتخليها عن مثل هذا العمل إلى الأبد.
2-    إيقاف تنشيط البلوتونيوم وعدم مواصلة إعادة معالجته، بما يتضمن إغلاق مفاعل الماء الثقيل.
3-    السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول غير المشروط لجميع المواقع في جميع أنحاء البلاد.
4-    وقف نشر صواريخها البالستية والتوقف عن إطلاق أو تطوير المزيد من أنظمة الصواريخ ذات القدرة النووية.
5-    الإفراج عن جميع المواطنين الأمريكيين وشركاء وحلفاء الولايات المتحدة.
6-    وقف دعم الجماعات "الإرهابية"، ومن بينها حزب الله، حماس والجهاد الإسلامي.
7-    احترام سيادة الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح وتسريح وإعادة دمج الميليشيات الشيعية.
8-    التوقف عن دعم المتمردين الحوثيين والعمل من أجل السلام والتسوية السياسية في اليمن.
9-    سحب جميع القوات الموجودة تحت القيادة الإيرانية في الأراضي السورية.
10-    وقف دعم حركة طالبان والجماعات "الإرهابية" في أفغانستان والمنطقة والتوقف عن إيواء كبار قادة تنظيم القاعدة.
11-    إنهاء دعم قوات القدس المرتبطة بحرس الثورة الإسلامية للشركاء "الإرهابيين" و"المسلحين" حول العالم.
12-    إنهاء سلوك التهديد للبلدان المجاورة، والذي يعتبر معظمهم من حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك التهديدات الإيرانية بتدمير إسرائيل وإطلاق صواريخها على السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتهديداتها لطرق الشحن الدولي وهجمات الإنترنت المدمرة.
إذا تمعّنا بتلك المطالب لوجدناها غاية في القسوة والإذلال لنظام الملالي، لكنها ستعود حتماً بالخير على الشعب الإيراني وعلى شعوب المنطقة في حال تطبيقها بحذافيرها، لأنّها ببساطة ستقلّم مخالب هذا النظام المُنشبة في دول الجوار وستعيده إلى حجمه الطبيعي في حدود بلده السياسية والجغرافية، وبالتالي ستقلل من هدر الأموال والطاقات التي ينفقها هذا النظام على ميليشياته العابرة للحدود بدءًا من اليمن وصولاً إلى لبنان مروراً بدول الخليج العربي والعراق وسوريا.
لا شكّ بأن إدارة ترامب لا تسعى لتغيير سلوك إيران كما تقول، محبّة بالشعب الإيراني ولا محبّة بشعوب المنطقة العربيّة، فمصالحها ومصالح حليفها الاستراتيجي في المنطقة "إسرائيل" هي الأهم وحمايتها من التمدد والتهديد الإيراني هو الهدف، مع ذلك فربّ خير يأتي من شرّ وهو أقصى ما يمكن أن نتمنّاه كشعوب عربيّة بعد ما نشهده من هوان أنظمتنا الحاكمة وتشتتها في صراعات بينيّة أفقدت الأمّة جميع عناصر قوتها.