الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا والضربة الثلاثية

تركيا والضربة الثلاثية

22.04.2018
محمد نور الدين


الخليج
السبت 21/4/2018
الضربة الأمريكية -الفرنسية- البريطانية فجر الرابع عشر من إبريل/ نيسان الجاري لبعض المنشآت السورية، ولا سيما مركز البحوث العلمية في دمشق، حظي بترحيب العديد من الدول، ومن هذه الدول تركيا.
ويطرح هذا التأييد التركي للضربة علامات استفهام، وتساؤلات حول تأثير هذا الموقف في علاقات تركيا بمختلف القوى المؤيدة، أو المعارضة للضربة.
فتركيا دخلت منذ سنتين تقريباً، في علاقات تنسيقية قوية مع روسيا وإيران في ما يتعلق بالوضع في سوريا. وكانت، ولا تزال جزءاً من مسار أستانا ببعده الأمني، ومن مسار القمم الثلاثية مع روسيا وإيران. ولعبت تركيا دوراً مؤثراً في تغيير بعض المعطيات الميدانية، ومن ذلك الوضع في الغوطة الشرقية، وفي بعض مناطق إدلب. ولكن الدور الأبرز كان في سيطرة جيشها على مناطق مثلث درع الفرات (جرابلس- أعزاز- الباب)، ومن ثم عفرين بضوء أخضر روسي.
والتقارب التركي مع روسيا مثلاً، وصل إلى مستويات رفيعة ونوعية. من ذلك وضع حجر الأساس لمفاعل نووي لإنتاج الطاقة السلمية في مرسين، والاتفاق النهائي على تسليم تركيا في صيف 2019 الدفعة الأولى من صواريخ "إس- 400"، فضلاً عن الاتفاق على مد خط أنابيب الغاز عبر البحر الأسود إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، بما يخفف من ابتزاز أوكرانيا بسبب الخط الروسي للغاز المار فيها.
وفي الوقت نفسه، كانت تركيا على خلاف مع الولايات المتحدة بسبب الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا. وليست في علاقات جيدة مع فرنسا وألمانيا بسبب احتضان هؤلاء للقضية الكردية، بل استقبال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لوفد من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري.
الضربة الثلاثية لسوريا فتحت نافذة لتغيير النظرة إلى هذه الصورة.
وقفت تركيا بالنسبة للضربة الثلاثية موقفاً داعماً ومرحباً. وقبل حدوث الضربة دعت إلى وضع حد لسلوك النظام السوري. وبعد حدوث الضربة كانت ردود الفعل التركية واسعة في الترحيب والتأييد. ورغم أن زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، عارض الضربة من منطلق وجوب إجراء تحقيق لتحديد المسؤول عن استخدام السلاح الكيمياوي في حال ثبت استخدامه، فإن كل المسؤولين أبدوا رضاهم عن الضربة. رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان قال إنه يجد الضربة في محلها، وإنه لم يكن ممكناً التفكير في أن يبقى الهجوم الكيماوي من دون رد.
وكذلك فعل رئيس الحكومة بن علي يلديريم، والوزراء. كذلك رأى رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية بولنت يلديريم، أن "الصواريخ التي أطلقت في الضربة لم تثلج صدرنا"، وكان يجب إلقاء المزيد منها. أما رئيس الحكومة السابق أحمد داوود أوغلو، فتمنى أن يستطيع المعارضون رفع صوت الأذان في الجامع الأموي.
الموقف التركي هذا كان لافتاً بعض الشيء. فهو يتعارض مع موقف روسيا وإيران المستهدفتين أيضاً من الضربة الثلاثية. وهذا يعني أن هناك تبايناً بين تركيا وكل من إيران وروسيا في الموقف من حدث بارز. وهنا أدلى الرئيس الفرنسي ماكرون بتصريح قال فيه إن الضربة أحدثت تباعداً في العلاقات التركية- الروسية. الأمر الذي استفز الأتراك، فرد وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، أن العلاقات التركية- الروسية قوية، ولا يمكن لأحد تدميرها. كذلك فإن الولايات المتحدة، وأمين عام حلف شمال الأطلسي أثنيا على الموقف التركي من الضربة.
الموقف التركي المؤيد للضربة تعبير قوي عن عداء النظام التركي للرئيس السوري بشار الأسد، ورغبته في رؤيته يغادر السلطة. لذلك كان موقفه، برأيي، طبيعياً ولا يشكل تحولاً في الموقف التركي. فأنقرة تسعى لإطاحة الأسد بأي طريقة كانت، ولا تحبذ العمل معه. لذا فالموقف التركي من الضربة ليس مفاجئاً ومستغرباً. وفي الوقت نفسه، فإن تركيا لم تبتعد عن الغرب إلا لأن الغرب ابتعد عنها، وهو ما دفع تركيا للتنسيق مع روسيا وإيران، حتى لا تفقد كل أوراقها في المنطقة. لكن هذا التنسيق لا يرقى، ولا يتوقع له ذلك، إلى مستوى التحالف، أو تشكيل جبهة معادية للغرب. وفي ظل استمرار الخلاف الغربي مع تركيا بشأن الأكراد، وبشأن طريقة التعامل- الردّ على النظام السوري، فإن أنقرة لن تغامر بتقليص علاقاتها مع روسيا وإيران، ولكنها في الوقت نفسه جاهزة في أي لحظة للعودة إلى المربع الغربي، وموقفها من الضربة رسالة إلى هذه الجهوزية.